الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
سلاما ياعراق : هجوم على مكتبتي

منذ ثلاث سنوات، تقريبا، اصبت بحالة غريبة. لا شك انها نفسية. كتمتها بداخلي لأن الذي ابوح له حتما سيتهمني بالغرور. لا الومه. الحالة هي ان نفسي انسدت تماما عن قراءة الكتاب العراقي. في البدء ظننتها من توابع الوضع المزري بالعراق وما خلّفه من يأس. اكتشفت هذا العام ان دائرة "الانسداد" قد اتسعت وتعقدت اكثر. صرت ونفسي على خصام. انا مع من يقول انها قسوة او ربما حيلة دفاعية لمقاومة الكسل. لذت بطبيب نفساني بريطاني، قبل شهرين، شاكيا له هذه النفس "المنسدّة" على قراءة ما يكتبه أبناء جلدتها. رد علي بان الحل بيدي وان دنيا الكتب واسعة سعة العالم كله. نصحني ان أقرأ الذي يسعدني فقط. الخلاصة أني لم اقتنع. لا اخفيكم، ظل في النفس شيء يشبه الشعور بالذنب الى حد ما.

أقول هذا ولدي مكتبة كبيرة ترافقني أينما حللت. ما زلت أفضل الكتاب المطبوع على الالكتروني. اعدت ترتيب الكتب أولا الى شطرين: عراقية وغير عراقية. ثم قسمت كل شطر الى ما يهتم بشؤون الفكر والسياسة، وما يخص الادب والفن. توقفت عند هذا الحد حائرا بالقرار الذي سأتخذه.

البارحة فقط خطر ببالي ان كافكا قد أوصى صديقا له بحرق مؤلفاته بعد موته. خطوت نحو المكتبة لأقرأ عن سر الوصية. عرفت ان صاحبه لم ينفذ وصيته. وجدت عنده شيئا آخر أهم: رسالة منه الى صديق كتب له فيها "على المرء ان لا يقرأ الا تلك الكتب التي تعضّه وتخزه. إذا كان الكتاب الذي نقرأه لا يوقظنا بخبطة على جمجمتنا فلماذا نقرأه اذاً؟" العجيب ان صديقه هذا يبدو قد نصحه كما نصحني النفساني بقراءة ما يجعلني سعيدا وترك ما يؤلمني. رد عليه كافكا "يا إلهي، كنا سنصبح سعداء حتى لو لم تكن عندنا كتب، والكتب التي تجعلنا سعداء يمكن ان نكتبها عند الحاجة. اننا نحتاج الى الكتب التي تنزل علينا كالبليّة التي تؤلمنا، كموت من نحبه أكثر مما نحب أنفسنا، التي تجعلنا نشعر وكأننا قد طردنا من الغابات بعيدا عن الناس، مثل الانتحار".

مشيت نحو مكتبتي وبيدي لفّة أكياس سود. ملأت منها اثنين ووضعتهما عند عتبة الباب. تفقدتهما هذا الصباح فوجدتهما قد رحلا. خفّةً وراحة.

  كتب بتأريخ :  الأحد 05-07-2015     عدد القراء :  2361       عدد التعليقات : 0