الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
ثورة 14 تموز انتصرت للفقراء !

يكاد يجمع المتخصصون والباحثون على انه لم يحظ حدث بذلك التأثير والعمق في قلوب واذهان العراقيين كثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 . . التي لاتزال تُدرك بصماتها في عديد من المحاور الفكرية والسياسية والأقتصادية والأجتماعية في الفعل العراقي حتى يومنا هذا .

الثورة التي فجّرها الجيش العراقي الباسل واثبت بها وبجهود وتضحيات ابنائه المخلصين آنذاك . . ولائه لإرادة الشعب العراقي بعربه وكرده وكل قومياته واديانه وطوائفه المتنوعة التي محضته من جانبها التاييد والدعم سواءً في المشاركة في التهيئة لها بالنضالات الشعبية التي مهّدت لها و تكللت بتشكيل "جبهة الإتحاد الوطني السياسية" ، او في احتضانها واستعدادها للدفاع عنها بعد قيامها . . . بمطالباتها باطلاق الحريات الديمقراطية و من اجل الرفاه الإجتماعي و دستور يصون ثروات البلاد ويسخرها لتطورها وازدهارها .

وكانت الثورة تجسيداً للدعوات الشعبية الواسعة التي دعت الى التخلي عن صيغ الفرض، و الى تفهم مطالب المكوّنات العراقية، ومن اجل الأستقلال الوطني الناجز وانهاء التبعية التي ادّت الى جمود مؤسسات الحكم القائمة آنذاك والى افراغها من محتواها. . و تجسيداً لإعتماد صيغة الدولة العراقية بكونها لكل المكونات العراقية، على اساس النظام الجمهوري و التساوي على اساس الإنتماء للهوية الوطنية . . و اثباتاً لبطلان فكرة (الحكم كحق مقدّس) مقصورعلى نخبة مصطفاة.

و كانت ردّاً على محاولات انواع الدوائر الدولية والأقليمية لضمان مصالحها الأنانية لوحدها، دون الأهتمام بمصير وتطلعات وحقوق وحاجات العراقيين برجالهم ونسائهم بكل اطيافهم . . موظفة لذلك فكرة وصف الشعب العراقي بـ " الحصان الجامح " وتسويقها، لتعميق ازماته ولشق وحدة صفه، ولضرب جهود ابنائه في سعيهم الصبور لتنظيم وتوحيد صفوفه .

دون النظر الى ما تسببه اهمال الأنظمة المتلاحقة له ودوسها عليه، ودوام حكمها له بالحديد والنار، وبانواع الديماغوجيات وتشجيعها المتنوع للتطرف بهوياته واشعال وتغذية الصدامات بين ابنائه قوميا ومذهبياً والسير على تجهيل الشعب باطيافه . . لتحطيم حيويته وتنوعه الثمين ومحاولة تسييره وفق مصالحها، وإعاقة تلاحمه الذي لابد منه لنيل الحقوق .

وفيما تحققت الثورة بتلاحم الإرادة العراقية، ودون ترتيب او ايحاء من الخارج، في الظروف التي عاشتها البلاد والمنطقة يومذاك، وانجبت حكماً جديداً منسجماً مع نبض ابناء البلاد ومنهم ولم يُفرض من خارجها، الذي كان هاما في تعزيز الثقة بالنفس في مجتمع عُمِل على تكريس تخلّفه وتقييد طاقاته وشلّ ثقته بنفسه . .

فانها فاجأت وارعبت الدوائر العالمية وخاصة الأكثر عنفاً وعسكرية منها في المنطقة، واثبتت لها خطأ لانهائية حساباتها، بعد ان استنفذ اسلوب بناء دولة بصيغة مملكة دوره في الواقع القائم يومذاك حين تحوّل الى عامل استبداد و تقييد واحباط لتواصل تطوّر المجتمع، رغم ما ادّاه من ادوار تقدمية في العقود الأولى من بنائها.

وباعلان الدستور المؤقت الجديد قيام الجمهورية، واقراره لأول مرة شراكة العرب والأكراد في بلادهم، فانه ثبّت الموقف ضد الأحلاف العسكرية و الأقتصادية التي كانت تبخس حقوقه، فخرج العراق من حلف بغداد (السنتو) والغى القواعد العسكرية الأجنبية، ودخل مع الشركات النفطية في مفاوضات لزيادة حق العراق العادل من عائدات نفطه وفق واقع المرحلة آنذاك . واعلنت التشكيلة الوزارية التي ضمّت ممثلي الأحزاب الوطنية آنذاك و مستقلين وتكنوقراط ـ رغم قلة اعدادهم ـ ، على اساس الكفاءة و الروح الوطنية والنزاهة .

وصدر قانون الأصلاح الزراعي، واعلنت تشريعات عمالية تقدمية، وقانون جديد للأحوال المدنية انصف المرأة العراقية، اضافة الى افتتاح اول جامعة عراقية " جامعة بغداد " التي ترأسها العلامة العراقي عبد الجبار عبد الله (1) ، وصدر العديد من المراسيم والقرارات انتصاراً للفقير، من تمليك الأرض للفلاحين، وتمليك فقراء المدن المسحوقين مساكناً، اضافة الى زيادة الرواتب والعلاوات وتخفيض ايجارات السكن والحوانيت، وتأسيس الجمعيات الأسكانية والأستهلاكية وكان مقرّ قائد الثورة الزعيم عبد الكريم قاسم، مفتوحاً الى ساعات متأخرة لمقابلة الوفود الشعبيه من كلّ الأطياف العراقية، التي منحته لقب " ابن الشعب البار " .

وفيما اعلن عن اطلاق حرية الفكر والمعتقد، وافتتحت الأحزاب مقرات لها، واصدرت صحفها للمرة الأولى ، مارس لأول مرة اتحاد نقابات العمال، اتحاد الجمعيات الفلاحية واتحادات الطلبة والشبيبة ورابطة المرأة، واتحاد الأدباء العمل علناً، ودبّ الوعي النقابي لأصحاب المهن وشكلوا نقاباتهم واتحاداتهم وفي مقدمتها نقابة المعلمين . .

ولابد من القول ان انسجام اهداف المنظمات والأتحادات الشعبية التي تمتع الحزب الشيوعي العراقي بنفوذ واسع بينها اثر تضحياته و نضاله الشاق من اجل غد افضل للشعب . . مع حاجات الثورة واهدافها، واخلاصها في تبني مطالب منتسبيها ودفاعها عن المكتسبات التي حققها الحكم الجديد للبلاد، اضافة الى ادوار الشخصيات الوطنية الديمقراطية مدنية وعسكرية القريبة منه، كانت وراء النفوذ الواسع له الذي وحّد اوسع الجماهير وشكّل بها سدّاً منيعاً بوجه المؤامرات التي لم تتوقف للنيل من العهد الجديد .

واخيراً فان لم تحقق الثورة اهدافها العريضة، لأخطاء في مسيرتها ومكوناتها، طبيعة احزاب المرحلة وطبيعة المناخ الدولي آنذاك، اضافة الى التآمر الذي لم ينقطع ضدها عالمياً واقليمياً وعربياً منذ اليوم الأول وبالأخص من الأحتكارات النفطية، ولأخطاء وقع فيها قائدها الذي مثّل اطياف الشعب العراقي تكويناً (2)، رغم انحيازه لفقراء العراق باطيافهم، حين لم يستجب لرجاءاتها ولنداءاتها ايّاه . . بالسير اكثر في الأنحياز للجماهير الفقيرة ولمطالب الأحزاب التي مثّلتها .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. من طائفة الصابئة المندائيين .

2. من اب عربي سني وام كوردية فيلية شيعية . .

  كتب بتأريخ :  الأحد 19-07-2015     عدد القراء :  3855       عدد التعليقات : 0