الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
إيران بلا «الموت لأميركا»!

ابتهج الشَّعب الإيراني باتفاق حكومته مع الغرب على حلّ المعضلة النووية، بعد مباحثات عسيرة لسنوات طويلة. فُرضت خلالها عقوبات اقتصادية، بان تأثيرها على الدولة والمجتمع، مع أن إيران لها منافذ للتخفيف منها، كالمنفذ العراقي. فحدود ألف ومئتي كيلومتر، مع كثرة الأحزاب والجماعات الموالية عقائدياً وسياسياً لها، لا تدعو إلى حصار خنَّاق كالذي فُرض على العراق (1990 - 2003)، ناهيك عن بقية الدول التي لإيران صداقات معها، مما يمكنها من تصريف الأزمات التي تتولد عن الحصار، ولو لردح من الزمن.

يغلب على الظن أن الأميركيين يدركون حقيقة عدم جدوى الحصار، لهذا لا ينتظر خصوم إيران بالتعويل على العقوبات بأنها ستُؤذيها مثل إيذاء العراق عندما تركت جيشه ومدنه وقراه «أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ»، وما عمَّ مِن انحطاط ثقافي واجتماعي، بعد أبريل 2003، كان جزء كبير متعلقاً به، زادته «الحملة الإيمانية الكبرى» (1994) خواءً على خواء.

نبتهج مع ابتهاج الشعب الإيراني، فهو شعب حيوي وطموح وصاحب حضارة عميقة في الفكر والفلسفة والفن والأدب، ومن لديه موقف من نظامه لا يعني أنه ينكر عليه أنه شعب يحب الحياة، وقادر على التطور وتجاوز الأزمات، ومع أن نظامه الممثل بولاية الفقيه لا يود التخلي عن شعاراته؛ لأن شعاراً مثل «الموت لأميركا» منذ فبراير 1979 وحتى الاتفاق (14 يوليو/ تموز 2015)، سيطفئ شيئاً من بريق الثورة والولاية، ويخفف من إلهاء الشعب الإيراني بعقيدة المعاداة، إضافة إلى الاعتراف بفشل تلك السياسة، والتراجع ليس عيباً، لكنه يصبح عيباً عندما ينظر إليها كعقيدة لا كسياسة.

من خلال ما نطالعه في الصحف ونشاهده في الفضائيات، فإن القوم منقسمون حول ما تحقق من اتفاق، حسب الزوايا التي يرونه منها. فهناك من يرى أنه عزٌّ وقوة لنظام ولاية الفقيه، وظهر السَّاسة الإيرانيون أنهم خبراء وأصحاب رؤية ثاقبة، ينطبق عليهم المثل «يذبح البعير بقطنة» لجَلدِهم في الجدل، وأن سياسة المرشد ظهرت رشيدةً، إذ لم يتنازل عن قرارات ثورته؛ لأنها صحيحة منذ البداية وحتى اليوم!

بينما بالغ طرف آخر معتبراً الاتفاق نهاية نظام الولاية، وأن الفقيه وافق مضطراً، وشبّه الأمر بموافقة آية الله الخميني (ت 1989) على وقف الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988) بلا انتصارات، حتى اعتبر الموافقة جرعة مِن السُّمِ. إلا أن أكبر فائدة أسدتها الحرب للنظام الإيراني الجديد، آنذاك، تمكن القوى الدِّينية مِن حُكم إيران بعد تصفية القوى غير الدينية تحت ستار الحرب، ويمكن الأمر نفسه بالنسبة للنظام العراقي، والأمثلة والشواهد مِن التاريخ كثيرة.

لما اشتدت الفتنة وتعاظمت الخلافات، في زمن الخليفة الراشدي الثَّالث عثمان بن عفان (قُتل 35ه)، استشار الأقربون إليه، ممِن كان لهم باع في المشورة والإخلاص، قائلاً: «إن لكل امرئ وزراء ونُصحاء، وإنكم وزرائي ونُصحائي وأهل ثقتي، وقد صنع الناس ما قد رأيتم، وطلبوا إلى أن أعزل عمالي، وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبون، فاجتهدوا رأيكم واشيروا عليَّ» (الطبري، تاريخ الأُمم والملوك). فتكلم عبد الله بن عامر بن كُريز الأموي (ت 59ه)، وكان والياً على البصرة يومها: «رأي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، وأن تجمرهم في المغازي (الفتوح)، حتى يذلوا لك، فلا يكون همَّة أحدهم إلا نفسه، وما هو فيه مَن دَبرَة (القرحة التي تصيب الدَّابة) دابته وقَمل فروهِ» (المصدر نفسه). أسدى ابن عامر بهذه النصيحة؛ لأنه من أكثر الذين قادوا الجيوش في فتوحات المشرق حتى كابل من أفغانستان اليوم، غير أن الخليفة لم يسمع ما أُشير عليه به، لا من ابن عامر ولا من غيره.

إن الشاهد في هذه الرواية أن القيادة الإيرانية لم تزل تشد شعبها، وأعداء أميركا في كل مكان، إلى عقيدة العداء وتهيئة الجيوش الزاحفة عليها وعلى إسرائيل، فبما ستشغلهم وكيف تبرر تخليها وقد أعلنت أن هذا الشعار خالداً، بل جعلته هيكلاً لتشكيل الجماعات خارج حدودها؟ وبالتالي اعتبر خصوم إيران احتفال الشَّعب الإيراني ليس فرحاً بالانتصار على الخارج، إنما بالانتصار على الدَّاخل، على عقيدة «الموت لأميركا»، وهذا بحد ذاته، إذا طُبق، يُعد انقلاباً في السياسة الإيرانية.

ليس لدي ما أعلق به على الطرفين، فلا يحتاجان لتعليق، وما يهمنا ليس داخل إيران، إنما انعكاس الاتفاق على العراق، فإيران الإسلامية انتصرت على أميركا الإمبريالية هناك، وتكاد تنفرد بالعراق. وبالنسبة لنا هذا هو الأهم.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 24-07-2015     عدد القراء :  3525       عدد التعليقات : 0