الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الأم طوعة العراقية
بقلم : د. ناهدة محمد علي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

في كل مجتمع وأحياناً في كل بيت من يتسم بالخير أو الشر ، وليس هناك قطعاً شراً أو خيراً مطلق . قبل سنوات قليلة كنت على تواصل مباشر مع الكثير من النساء العراقيات ، رأيت فيهن قوس قزح مختلف الألوان ، منهن ذات اللون الحاد ومنهن ذات اللون اللطيف ، بينهن من يعالج الناس بلا مقابل ثم تُقتل بالشوارع المظلمة ، ومنهن من تمد يدها للرشوة لتستلم أتعابها الجنائية وهي القاضية ، ورأيت طالبات جامعيات وهن يشترين أسئلة الإمتحانات ويدفعن ثمن اطروحة التخرج ، ورأيت أيضاً من جعل مهنة الصيدلة محطة لبيع الأدوية الفاسدة ، ورأيت من تفتح دكاناً للتنجيم والشعوذة ، لكني رأيت أيضاً من تعول أطفالها اليتامى من خدمة البيوت والمدارس وتسكن بيتاً من الصفيح لا يقيها الحر ولا البرد ، وسمعت عجباً عن إمرأة تفجر نفسها بين المصلين أو بين فقراء الباعة والبنائين ، ثم رأيت من هن فخرُ لأمتهن ، طبيبات يخصصن أياماً لمعالجة الفقراء مجاناً ، ورأيت أيضاً قاصات مبدعات لم يوقفهن الصراع اليومي ومجرى الدم عن أن تكتب أجمل أحلامها عن العراق ، وقد قالت لي حين سألتها لِمَ لا تغادرين ؟ ، قالت : إن بغداد هي أجمل مدينة في العالم ولن تفارقني أبداً .

رأيت نساءً يحملن راية الفكر الأكاديمي الأصيل ولا يتاجرن بما يحملن ، ورأيت أيضاً نساءً يعانين من أمراض مختلفة وأحياناً مستعصية ، يذهبن للعمل إلى مؤسساتهن ثم يعدن يخدمن في بيوتهن بلا شكوى أو ألم ، قالت لي إحداهن هناك من هن أسوأ حالاً مني وأنا أطبخ يومياً طبخاً إضافياً لإحداهن وهي متسولة وتُعين ستة أطفال ، إمتهنت التسول حينما رفض إخوتها إيواءها مع أطفالها .

عدت بعدها إلى مهجري وصحوت ذات يوم لأجد في بريدي الألكتروني فيديو لإمرأة تُعد نموذجاً رائعاً للأم العراقية ، كانت هذه المرأة من مدينة تكريت ومن منطقة العلم بالتحديد ، قامت هذه المرأة المُسنة بإنقاذ وحماية العديد من الشباب الذين نفذوا من الإعدام الجماعي في مجزرة سبايكر من قبل تنظيم داعش ، قامت هذه المرأة بإخفاء هؤلاء الشباب في بيتها وتضييفهم ثم ترحيلهم في الوقت المناسب إلى مدينة كركوك بحماية شباب عائلتها من خلال سيارات الحمل التي يمتلكونها . كان معظم الشباب الهارب من سكنة الجنوب أي أنهم من الشيعة ، وهذه المرأة هي من السنة ، لم تفكر هذه المرأة ولا للحظة بالطائفية وكل ما فكرت به هو أن هؤلاء هم أولادها وأولاد الوطن ولا يحق لأحد أن يسلب شباب هذا الوطن حياته . بعد فترة عاد هؤلاء الشباب إليها بعد أن هدأت الأوضاع لكي يُقَبلوا يديها ورأسها وأسموها ( الأم طوعة ) وهي شخصية تأريخية من مناطق الجنوب يُقال أنها ساعدت على إنقاذ ( مسلم بن عقيل ) ، والمهم في الأمر أن نموذج هذه المرأة يضرب المثل الأعلى لقادة البلد الذين يمتلكون اليد العليا ويمتلكون موارده وأرواح أبنائه أو هكذا يظنون ، والذين إذا خُيروا ما بين الغنى الفاحش والمُثل العليا إختاروا الأول ، والذين إذا ما ماتوا سينساهم التأريخ ، ويذكر أحد بسطاء الناس أو بسيطاته ، ولا يهم إن كان من أي طائفة أو قومية ، ولا إن كان أمياً أو متعلماً ، بل الأهم هو أنه كان إنساناً لا يُبدل إنسانيته بشيء ولا لشيء إطلاقاً .

  كتب بتأريخ :  الإثنين 27-07-2015     عدد القراء :  2475       عدد التعليقات : 0