الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
لابد من .....

   تتصاعد موجات إحتجاج بين الفينة والاخرى من أجل أهداف مطلبية محددة، مشروعة في العادة، وتنتهي تلك الاحتجاجات بتحقيق جزء من المطاليب، وتعود السلطة لممارسة نفس نهجها في التسويف والكذب وتسويق الفشل والتغطية على الفاسدين، بل إنها تستمر في الفساد وتطور أساليبه ومرتكزاته، هذا إن حدث إحتجاج !! وإلا فإن السمة الظاهرة على الشعب العراقي منذ عام 2003 هي الرضا بما يحدث على إنه مقدر ومكتوب، والخنوع لكل أشكال الضيم والقهر على إنه إمتحان رباني، والاكتفاء بالدعاء والتظلم في حضرة الرب علّه يجد حلا ومخرجا، لكن كما يبدو لا الدعاء وصل ولا الرب له إرادة في تغيير حالنا.

   إن السلطة في العراق بمختلف تقسيماتها المحاصصاتية على دراية بإن الشعب سوف لن يفعل ما يهدد وجودها ما دام يدين بنفس ما تدين هي به، ولديها الاساليب واللغة القادرة على تخدير تلك الجموع التي خرجت عن الطاعة وحاولت التمرد من أجل حقوق وإن كانت مشروعة !!

   لقد عملت القوى المتنفذة في الحكم وعبر وسائل متعددة منها إعلامية وتعبئة شعبية وحتى أحيانا قسرية على فرض هيبة ووقار للمؤسسات الدينية بكل تفرعاتها بدءاً من المرجعية العليا وحوزتها وصولا الى أصغر حسينية وأصغر معمم وأصغر (روزه خون)، قبل تربعها على السلطة السياسية ومن ثم بعدما ترسخت أقدامها في الحكم، ونتيجة لذلك نشأت شبكة من العلاقات بين أحزاب السلطة والمؤسسة الدينية تقوم على أساس المنفعة المتبادلة ربما غير مكشوفة الابعاد والخيوط، لكنها تبدو جليا في الاعلام والسياسة والعمل بين الناس وخاصة البسطاء منهم والمعوزين وغير ذلك من مجالات التوافق بينهما، هذه العلاقة ـ الشبكة أعطت أبعاداً ومتاهاتٍ تبدو صعبة على الفهم أحيانا، مما جعل الناس تخشى الاقتراب منها أو حتى إدارة الظهر لما تقول وصولا الى حد الطاعة والخنوع ، وإستغلت أحزاب السلطة ذلك في مختلف المنعطفات، خاصة أيام الانتخابات البرلمانية، وفتوى مباركة المرجعية لقائمة الشمعة خير دليل على ذلك، حيث فرضت كتلة الانتخابات المستفيدة من تلك المباركة على كل الجوامع والحسينيات المتسقة مع توجهاتها بث تلك الفتوى عبر منائرها لاكثر من خمسين مرة في اليوم الواحد. وتبقى المرجعية بفتواها تلك أكثر من يتحمل وزر الجرائم والافعال الشنيعة التي ترتبت على إستمرار هؤلاء في الحكم . لكن في جميع الاحوال فإن المشهد لم يكن مألوفا سابقا في الوضع السياسي العراقي وهذا التداخل الفريد من نوعه، السري أكثر منه علنيا، في الايجابيات من أي طرف يبرز الاخر وفي سلبيات الوضع يتنصل، تعمية وتمويه غير مسبوقين ليس على صعيد العراق فحسب بل ربما كل المنطقة، إنها لعبة سياسية بإمتياز، لعبة تمسّك بالحكم على حساب كل شيئ ألا مصالح الرؤوس في طرفي المعادلة.

   إن إثني عشر عاما من الحكم المستند الى الطائفية عمّق العلاقة بين السياسي والطائفة التي يدّعي تمثيلها عن طريق العلاقة الشائكة مع رجل الدين، حيث إرتكن فيها السياسي الى مباركة وإسناد رجل الدين وإستفاد الاخير من الامتيازات التي حصل ويحصل عليها نتيجة دعمه لرجل السياسة ربما أقلها الوجاهة التي رسخت دوره في القضايا المجتمعية، أو الدور الذي كسبه عبر وسائل الاعلام المملوكة للكتل السياسية ورجالاتها من توجيه وبث للفرقة بين الطوائف وترسيخ لمفاهيم بعضها أكل الدهر عليها وشرب إلا إنها تخدم بقاءه هو متصدرا والسياسي حاكما، هذه العلاقة من الصعب التصور إنها ستنفك عراها تلقائيا، أو بمبادرة من أحد طرفيها، ما لم يشكل وجود الاخر خطرا على حياته ومستقبل ابنائه، وبالتالي على مجمل المنافع المتحصلة أو المؤملة، عند ذاك ربما يجري فك أو، وهذا هو الاحتمال الاكبر، تجري إعادة ترتيب الاوراق والاولويات. إن هذا يفرض على المتضررين من إستمرارية تلك العلاقة أن يفعلوا شيئا لاجل التغيير والا ينتظروا قدرة قادر في تغيير حالهم، وكل فعل لا يلامس أس المصيبة لا يمكن أن يُكتب له النجاح، أي بمعنى آخر إن أي رغبة في التغيير لابد وان تحصل لها مواجهة مع السياسي ورجل الدين في آن واحد، لتعرية الادعاءات الزائفة مثلا المستندة الى إجتهادات رجل الدين أو لاظهار تخلف النص المعتمد، أو لكشف التغطية المعتمدة من الطرفين على بعضيهما، أو أي إحتمال آخر لابد منه كي تجري عملية التغيير المطلوبة.

   في مظاهرات عام 2011 وفي إحدى المحافظات الجنوبية ردد المتظاهرون شعارا كان يلامس لب الحقيقة حيث كان (يا ويلي علينا إشلون حالتنا ، جا وين المراجع ليش عافتنا) ولست أدري لماذا لم ينتشر هذا الشعار في عموم العراق، فقد كان، رغم مناشدته للمراجع الدينية، وهم جزء أساسي من المشكلة، إلا إنه يحمل جرأة كبيرة، وربما كانت هذه الجرأة هي السبب في عدم إنتشاره.

   أما الان وبعد توالي السنين العجاف فالجرأة مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، جرأة في تحديد الهدف، جرأة في تشخيص المتسبب، جرأة في طرح البديل والذي لا يكون حتما مستندا الى نفس الاسس التي قادت لهذا التدهور في كل شيئ. المطلوب اليوم ان يقال ما لم يقله أحد بالامس، لرجال الدين أن إلزموا جوامعكم ، وتعرية للسياسيين من كل حدب وصوب، لارحمة بأحد منهم، وألا تبقى الاحتجاجات بحدود القضايا المطلبية وإن كانت مشروعة، لابد لهذه الاحتجاجات من مهاجمة السياسيين المتسببين بكل هذا الخراب ومن يساندهم، والفكر الذي يعتمدون عليه، وإلا فأن الوضع سوف لن يتغير حتى وإن تحققت بعض المطاليب المشروعة، فالبلد يسير نحو الخراب ، ولن يعود لجادة الصواب ما دام النظام كما هو والمتنفذين كما هم ، والمنافع متبادلة بين السياسيين والمستفيدين منهم من رجال دين وغيرهم.

   فهل في العراق من قوة سياسية تستطيع التصدي لمثل هكذا أمور؟ أم ننتظر أن تتولد قيادات جديدة قادرة على تحمل المسؤولية ؟ لكن متى؟

  كتب بتأريخ :  الجمعة 31-07-2015     عدد القراء :  4290       عدد التعليقات : 0