الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
جريمة تسليم الموصل لداعش واحدة من عشرات

على من يريد العدالة وسيادة القانون، وإنصاف الشعب العراقي أن يباشر على الفور بإعداد ملفات عن مخالفات المالكي وإحالته إلى القضاء، لئلا يكون ملف سقوط الموصل هو الملف الوحيد.

حتى لو مَنَّ الوليُ الفقيه على نوري المالكي بالبركات، ومنحه (العصمة) وتعهد له بإنقاذه من عقاب القضاء العراقي (غير المؤتمن)، فلن ينجيه من غضب الجماهير، حيا أو ميتا، وإلى أبد الآبدين. فمهما حصل، وبكل الظروف والمقاييس، مات المالكي، وصار عظاما بالية، ولن يُحيي الولي الفقيه عظاما وهي رميم.

شيء واحد يخيفني. ترى هل يمكن أن يكون قميص عثمان (الموصلي)، والضجة التي رافقت إحالة ملفه إلى القضاء، واعتبار نوري المالكي المسؤول الأول عن ضياع الموصل، خطة مقصودة يُراد منها تسلية الشعب العراقي وإلهاؤه بها، وتخديرُ المتظاهرين وتبريد هممهم وحملهم على تنويم مطالبهم الأهم، والتي تزعج إيران وتحرجها، وتقلق الفاسدين المتضررين منها، على أمل أن تطول المرافعات وتدوم المناقشات، عاما أو عامين، ثم يخرج منها المالكي سليما معافى، لقلة الأدلة، أو لضعفها، بعد أن يتم تحميل الجريمة، كلِّها، لكبوشِ فداءٍ من أتباعه، أو من أعدائه، ثم يعود، مُبرَّأ من كل سوء، أشد عدوانية مما كان، وأعمق طائفية وعمالة، وأكثر وقاحة؟

لدي قناعة بأنه عائد إلينا عن قريب. وذلك لأن هذا النوع من البشر الفاشل الذي تهبط عليه السلطة والثروة والقوة، فجأة، ومن حيث لم يحتسب ولم يتخيل ولا يستحق، لن يعود قادرا على العيش بعيدا عنها، وعن كرسيها المذهب وبهرجتها، وقعقعة سلاح حراسها وحماياتها، وسوف يَستقتل ويَستميت من أجل استعادة أمجاده، كلها أو حتى بعضها، بأي ثمن. ونوري المالكي الذي قضى ثلث حياته هاربا لاجئا في مقاهي دمشق وطهران، لا يستطيع أن يتحملها، اليوم، وفي وضعه الحالي، ولو مدة أسبوع. فطعم الغربة السابقة غير طعمها اليوم. فهو حين تغرّب، عشرين عاما، بين سوريا وإيران ولبنان، كان سعيدا بغربته بعد أن أكسبته قيمة وأعطته وظيفة وكيل معتمد لحزبه لدى مخابرات البعث السوري (العلماني). لقد كانت غربته تلك، بما وفرته له من صداقات وعلاقات، ورواتب ومكافآت، خاتم سليمان، يدعو ربه أن يديمها عليه، وألا يقطعها عنه إلى أن يموت.

أما اليوم، وقد صار مدهونا بزيت السلطة والمال والشهرة والصولجان، فالغربة، حتى وإن كانت في كعبته المقدسة، طهران، تقتله وتخنقه وتحكم عليه بالجفاف، ثم الضمور. إنها تعني سقوطه البطيء في مزابل التاريخ.

إنه، بعد كل الذي جرى في السنوات الثماني الغابرة، ورغم سقوطه المدوي، ما زال يشاكس وينافق ويشاغب، بالحلال وبالحرام، ويشعل الحرائق هنا وهناك، على أمل أن يركب على ظهورنا مرة ثالثة. وكأن ما أنزله بنا من كوارث وحروب ونزاعات واحتلالات وفقر وجوع وعدم استقرار وضائقات اقتصادية وسياسية واجتماعية، لا يكفي.

إن على من يريد العدالة، حقا، وسيادة القانون، وإنصاف الشعب العراقي أن يباشر، على الفور، بإعداد ملفات وشكاوى وقضايا عن مخالفات هذا المخلوق الغلط، وإحالته إلى القضاء، لئلا يكون ملف سقوط الموصل هو الوحيد الذي ربما يعُينه النظام الفاسد نفسُه، والسفارة الإيرانية، على الإفلات من العقاب.

لقد ثبت بالوجه الشرعي الملموس أنه طائفي إلى آخر نفس. فلم يختر له مستشارين ومساعدين ووكلاء على أساس الكفاءة والخبرة. وجُلهُم جهلة ونصابون ومختلسون. وهذا تجاوز لحدود الوظيفة وأحكامها وقوانينها، وهذا وحده ملف لا ينتهي.

أما فضائح ولده وابنته وصهريه وأقاربه فتصلح لتكون ملفا ثانيا.

أما ملفه الثالث فهو إعلانُه الشهير المعيب (ما ننطيها)، وتهديدُه بـ(بحور دم) لمواجهة معارضي سياساته الخاطئة.

كشف عن قلة أمانة حين عمد إلى تسقيط خصومه السياسيين بتلفيق الملفات والتهم. ألم يعلن أكثر من مرة أنه احتفظ لسنواتٍ بملفات إرهاب تخص كثيرين من كبار المسؤولين والقادة والزعماء، ولم يقم بإحالتها إلى القضاء حفاظا على سلامة العملية السياسية، على حد زعمه؟ وهذا ملفه الرابع.

بالغ في لجوئه الدائم إلى أسلوب المساومات والصفقات لتحقيق أغراضه السلطوية الخاصة وأغلبها ضار جدا بأمن الشعب العراقي ووحدة أرضه وأبنائه، وعلى حساب سيادته واستقلاله. وهذا هو الخامس.

أسبغ رعايته الكاملة على أصحاب الشهادات المزورة، وهم بالآلآف، ورفض استرجاع الأموال المختلسة التي حصلوا عليها بتلك الشهادات. وهذا ملف مهم أيضا.

تستّر على المختلسين حتى بعد أن أدانهم القضاء، وقام بتهريبهم خارج العراق، لأنهم كانوا من حزبه أو من خاصته. ملف مهم آخر.

جعل العراق حديقة خلفية لإيران تتصرف بها كما تشاء، فتنشئ الميليشيات وتفتعل الحرائق، وتفجر المراقد الشيعية والسنية معا، لإحداث الفتنة وتعميق العداوات بين مكونات الشعب العراقي خدمة لأهدافها التوسعية. ألم تجفف الأنهار وتغرق الأسواق ببضائعها السيئة، وتجعل سفارتها مرجعا لرئيس الحكومة وللوزارة والأحزاب الدينية الحاكمة؟ ألم ينزع المالكي ربطة عنقه أمام خامنئي تزلفا ونفاقا وتقية؟ وهذا أهم ملف.

مرر قانون الأحوال الشخصية الجعفري وما يمثله من انتهاكات لحقوق المرأة وحقوق الإنسان ومن تمييز ديني ومذهبي. ملف آخر. وصف خصومه بأنصار يزيد وأنصاره بأنصار الحسين، وهذا ملف لا يقل وساخة عن باقي ملفاته المتراكمة.

أمر قواته، مرارا، بتقتيل اللاجئين العزل في أشرف وليبرتي، على دفعات، وأمر بخطف النساء في أشرف، وقطع الماء عن ضحاياه، وظل يمنع العلاج الصحي عن اللاجئين. ملف. مارست عصاباته شتى أنواع الانتهاكات الفظيعة على الهوية في سجونه وارتكبت عمليات اغتصاب لنساء سنيات. ملف.

ثم جاءت حربُه العبثية ضد المعتصمين في صلاح الدين والأنبار، بحجة محاربة داعش والقاعدة لتبرهن على أنه ليس رجل دولة بل زعيم عصابة. فلو استجاب لمطالب المعتصمين التي كفلها الدستور، وتعامل مع المطالبين بها بالتي هي أحسن لحقن دماء المئات، ولجنّب عشرات الألوف مشقة النزوح والجوع، ولكان حمى الوطن من هذا المأزق اللعين. ملف.

أقدمت وزارة (عدله)، باعتراف وزيره، على تهريب عُتاة قادة القاعدة وداعش من سجن أبو غريب، وسهلت عبورهم إلى سوريا. ملف.

تلاعب بالقضاء حتى صار يأمر فيطاع. ألم يحكم القضاء على سياسيين من خصومه بتهم الإرهاب أو الاختلاس، ثم أسقطها نفس القضاء بعد حين بأوامر الرئيس أو أحد سماسرته. وما حدث مع مشعان الجبوري ما زال حديث المجالس. ملف آخر.

ليس هناك من وسيلة لمعرفة عدد السجناء والسجينات في أقبية معتقلاته السرية. ولا من طريقة لتحديد البريء منهم وغير البريء، سوى الشبهة ومزاج المخبر السري؟ ملف.

سطا على الكثير من صلاحيات رئاسة الجمهورية، واحتقر البرلمان وتمرد عليه. ألم يهدد بحله والحكم من دونه؟ ملف.

بعثر المال العام وبحسابات شخصية خالصة، فتبرع لدول مجاورة بنفط أو بملايين الدولارات، دو ن إذن من أحد. ملف.

غض النظر عن تهريب السلاح والمسلحين من إيران إلى سوريا، وأرسل الميليشيات الطائفية الحاقدة إلى سوريا لحماية عرش حليفه وحليف ولي نعمته الإيراني، الأمر الذي أطال أمد الحرب وزاد من تعقيدها، غير عابئ بما يشكله ذلك من مخاطر مستقبلية على أمن العراق نفسه في الغد القريب والبعيد. ملف.

صار ولعُه بتجميع المناصب والهيمنة على الوزارات والمؤسسات وإدارتها من خلال وكلاء ضعاف وانتهازيين هوايته المفضلة، كما فعل بوزارة الدفاع والبنك المركزي وشبكة الإعلام ومجلس القضاء الأعلى. ملف.

تستر على الفضائح والمخالفات، وأظهر عدم جدية في التحقيق في تهم الاختلاس والرشوة والفساد التي توجه إلى ولي عهده أو بعض مستشاريه، واعتاد لفلفتها وعدم نشر نتائج التحقيق بشأنها. وصفقة الأسلحة الروسية مثال على ذلك. ملف.

لم يخجل من كذبه الذي فضحته وكالة رويترز وأميركا حين أنكر شراء أسلحة إيرانية، مخالفا بذلك أحكام المقاطعة الدولية، ثم ثبتت عليه التهمة بعد ذلك. ملف.

لم تتوقف حملات الاعتقال المتكررة في بغداد ومدن المحافظات الأخرى، شيعية وسنية، والتي تنتهي دائما باختطاف مواطنين تظهر جثثهم بعد ساعات أو أيام في مكبات النفايات، أو على أحد الأرصفة. ملف.

وغيرها كثير، ولا يعد ولا يحصى. أطفالٌ بالملايين دون مدارس هائمون في الشوارع مع الكلاب السائبة. وملايين الفلاحين دون مياه شرب، ودون صحة ولا دواء. وعمالنا العاطلون عن العمل تغص بهم مقاهي الوطن الحزينة وأرصفة شوارعه المحطمة. والمُهجَرون والمهاجرون يكابدون ويصارعون من أجل لقمة عيشٍ في حارات دمشق المحترقة، وشوارع عمان وأنقرة والقاهرة وأثينا وبيروت، بلا أمل في عودة، ولا معين.

هذا هو نوري المالكي وقد رحل ولم يرحل. فدون إلقاء القبض عليه وسوقه إلى محاكمة علنية، لن يستطيع حيدر العبادي ولا المرجعية، تبريد جراح المجروحين ولا مواساة أيتام المغدورين، ولا تحصيل ما يمكن تحصيله من أموال سرقها أو أهدرها هذا المخلوق الغلط.

  كتب بتأريخ :  السبت 22-08-2015     عدد القراء :  3180       عدد التعليقات : 0