الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
انتفاضتنا الشعبية... فرصتنا التاريخية للتغيير

   بأنتشار التظاهرات الشعبية المطالبة بمكافحة الفساد والفاسدين في كل انحاء العراق, تتشكل بوادر فرصة تاريخية للتغيير نابعة من آلالام ومعاناة العراقيين طوال سنوات طويلة من الظلم والحرمان وسلب الحريات والحقوق.

   ان ابرز البوادر الايجابية التي اظهرتها هذه التظاهرات كان التحول الجديد في الفكر العراقي بتنامي ثورة الوعي الديمقراطي والنضال المدني السلمي, التي جاءت رداً مدوياً على سياسات النهب المنظم للاموال العامة والاستهتار الاجرامي بحياة وكرامة وحقوق العراقيين بأتخاذ نهج المحاصصة الطائفية - العرقية في الحكم من قبل احزاب السلطة المهيمنة واستشراء الفساد في كل اجهزة الدولة واستئثار شرذمة فاسدة بخيرات الوطن وحقوق ابناءه.

   البادرة الثانية هي تصدع التحالفات المتحاصصة, وهي فرصة لابد من استثمارها لصالح التغيير المنشود : فالتحالف الوطني العراقي الذي يدعى بالشيعي تطوح به الخلافات والازمات بعد تعذر اتفاق اطرافه على اختيار رئيس جديد للتحالف ثم اقالة قائده نوري المالكي من نيابة رئيس الجمهورية, اضافة الى صدور تقرير الموصل واتهامه بالتقصير والتهاون في هذا الملف, والذي تسبب في سقوط ثلث الاراضي العراقية تحت براثن ارهابيي الدولة الاسلامية داعش. وظهور صوت شعبي عال رافض لرموز هذا التحالف.

   كما يشهد التحالف الكردستاني تصدعاً خطيراً بسبب مشكلة رئاسة الاقليم, بأصرار طرف منه على الأستئثار بالسلطة ومطالب شعبية مشروعة بالتغيير ودمقرطة الحياة السياسية في الاقليم بالتحول من النظام الرئاسي " حكم الفرد" الذي اثبت فشله,الى النظام البرلماني الذي يضمن مشاركة شعبية اوسع في مراقبة الاداء واتخاذ القرارات. لاسيما وان اجهزة الاقليم الادارية تشهد ظواهر فساد كبيرة اسوة بما يحدث في اطراف العراق الاخرى, وصراعات قيادة الاقليم غير المبررة في اكثر الاحيان مع الحكومة الاتحادية. وقد اوقعوا شعبنا الكردي في حيرة بين خلافاتهم السياسية ومظاهر الفساد وبين دغدغتهم للمشاعرالقومية بأعلان الاستقلال.

   ما يسمى بالتحالف السني وضعه ليس افضل من سابقيه فهو يشهد خلافات محتدمة بين اطرافه وصراع على قيادته, فالاتهامات المتبادلة بين اسامة النجيفي النائب السابق لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري مكشوفة للعيان, كما ان حرب الكراسي التي شهدناها في اجتماع سياسي عشائري احد تجليات هذه الخلافات, والتي تضفي شكوكاً كثيرة حول جدية تمثيلهم لهذه الشريحة الاصيلة في المجتمع العراقي..

   و تبدو الظروف مؤاتية للتغيير اكثر من اي وقت آخر, بأنحياز المرجعية الدينية العليا للسيد علي السيستاني الى الحركة الشعبية ضد الفساد والفاسدين , وهم في الاغلب ممثلي احزاب الاسلام السياسي, هي احدى هذه البوادر الجديدة المؤثرة, ثم دعوته للسيد رئيس الوزراء بالضرب بيد من حديد للفساد وممثليه وتعبير السيد العبادي عن استعداده بالقيام بعملية التغيير بأعتباره قائد دفة الدولة من خلال موقعه التنفيذي الأول.

   ان وقوف ابناءنا في القوات المسلحة وقوات المتطوعين, بشكل بطولي امام المشروع الظلامي للدولة الاسلامية داعش, احدى البوادر المهمة التي تعطي دفعة كبيرة لعملية التغيير وللتشابه التوأمي بين بربرية داعش الارهابي التي يواجهونها وتغول احزاب الفساد التي تواجهها التظاهرات الشعبية. ان وحدة الهدف هي ما تجمع بين المقاتلين على الجبهات ضد داعش والمكافحين للفساد والفاسدين في ساحات مدننا وقصباته.

   لابد من التأكيد ايضاً, بأن التظاهرات الشعبية المطالبة بالتغيير تستمد شرعيتها من الدستور وتتوائم مع بنده ان " الشعب مصدر السلطات", بعد ان كفت الأجهزة القضائية عن ان تكون ضامنة للتطبيق القويم للقانون بعد شمولها بالتحاصص.

   كما ان الازمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بالبلاد بسبب سرقة الخزينة العامة وثروات العراقيين من قبل احزاب الاسلام السياسي والاحزاب القومية الكردية المتحاصصة معها وانخفاض اسعار النفط, قلصت الى حد كبير من امكانية رشوة بعض الشرائح الاجتماعية, والدفع من جيوبهم المنتفخة من اموالنا المسروقة, امرغير وارد.

   وتبدو اجهزة اعلام قوى المحاصصة في مأزق حقيقي بعد ان فضحتها الانتفاضة الشعبية بأعتبارها احدى ادوات ادامة الفساد وتجهيل المواطن والكذب عليه ثم ابتزازه فكرياً.

   المرتعدون من هبتنا الشعبية العارمة يتهمون المتظاهرين بأنهم مدفوعين من سفارات اجنبية, في حين ان الوعي الشعبي المنبثق من المعاناة والآلام كان هو الداينمو المحرك لهذه التظاهرات خصوصاً وان دول المنطقة المحيطة بالعراق هي اما ديمقراطيات هزيلة مريضة او معادية لها, تتوافق اهدافها مع اهداف احزاب الفساد المناهضة للمتظاهرين المدنيين الداعين للديمقراطية الحقة . ولا يمكن لهذه الدول ان تكون داعمة لدعاة التغيير بل هي بالاحرى تود استمرار حكم احزاب الفساد والمحاصصة لأبقاء العراق مريضاً, مقسماً وشعبه فقيراً مغلوباً على امره, غير قادر على استعادة دوره التاريخي كمصدر اشعاع فكري وثقافي في المنطقة.

   ان محاولات الاعتداء المتكررعلى المتظاهرين من قبل قوى الفساد المتمثلة بأحزاب المحاصصة وعصابات المافيا المتحالفة معها والدول الاقليمية التي لاترغب بوجود عراق ديمقراطي حقيقي, تدفع الى الاصرار على المطالب الشعبية لا الى التراجع عنها بل ان اخماد هذه الهبة سوف لن يؤدي الى نهاية الوعي وانما الى ترسخه وتجذره, فقد انطلقت ثورة الفكر الرافضة للتخلف والساعية للتغيير الديمقراطي ولا رجعة عنها, ولا يمكن لأية قوة من ايقاف هذه العاصفة.

   ان توفر الظروف الموضوعية التي اسلفناها ينبغي ان يوازيها توفر ظروف ذاتية لقوى الانتفاضة, مثل انبثاق قيادة شعبية موحدة للمتظاهرين مسلحة بوحدة الارادة., قادرة على ادارة الانتفاضة الشعبية نحو هدفها المنشود بالتغيير السلمي الديمقراطي و ما نشهده من مساعي للتنسيق بين الناشطين في كل ساحات التغييرلتوحيد المطالب الشعبية, بادرة خير, ومقدمة لنشوء قيادة ميدانية شابة تسير بالمشوار حتى نهايته السعيدة لشعبنا.

   لنقتنص فرصتنا التاريخية في هذه اللحظات الدقيقة من اجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية الضامنة للعدالة الاجتماعية لكل العراقيين.

 

  كتب بتأريخ :  الجمعة 28-08-2015     عدد القراء :  3252       عدد التعليقات : 0