الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
لماذا «العلمانية» وليس «المدنية»؟

   منذ ما يزيد على التسع سنوات، وبالضبط منذ مطلع أيار 2006 وأنا أكتب بشكل مكثف عن العلمانية. فكان أول لقاء لي صحفي أجرته معي صحيفة بحرينية، أتحدث فيه عن العلمانية في 04/05/2006، أي في اليوم اللاحق لتقديم استقالتي من حزب الدعوة في 03/05/2006، والتي كنت كما كتبتها في 15/03/2006، والتي جاءت كولادة لمخاضات تجربتي مع قوى الإسلام السياسي الشيعية عام 2005 في الجمعية الوطنية ولجنة كتابة الدستور.

   كما أكدت الدعوة إلى العلمانية في الكثير من محاضراتي ومداخلاتي في المؤتمرات والندوات المنعقدة في العديد من مدن العراق، في بغداد، الحلة، كربلاء، النجف، الكوت، الديوانية، السليمانية، وفي العديد من مدن ألمانيا، ومدن أورپية أخرى، في برلين، كولون، لندن، كوپنهاڠ-;-ن، دنهاخ (لاهاي)، مالمو، ستوكهولم، .... كما كررت طرحها من على الفضائيات، لاسيما على الحرة - عراق، الحرية، وكذلك على السومرية، البغدادية، الشرقية وغيرها.

   وقبل أن أبين دوافع تجديد دعوتي اليوم إلى العلمانية، أذكر بعض ما كتبته في العلمانية منذ أيار 2006 حتى آب 2015.

   1. العلمانية هي الحاضنة الأفضل لقضايا الدين والوطن – 04/05/2007

   2. حان وقت الاعتذار من المرحوم هادي العلوي والصديق جاسم المطير – 05/06/2006

   3. عمق إسلاميتي صيرني علمانيا – 18/06/2006

   4. العلمانية طريق الحل للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي – 13/05/2008

   5. لماذا الدعوة للعلمانية – 30/05/2008

   6. هل يمكن بناء الدولة الديمقراطية بمعزل عن العلمانية – 14/06/2008

   7. مشروع الدستور العلماني للعراق – 05/2008

   8. الدين والعلمانية: متخاصمان أم متصالحان؟ - 19/09/2008

   9. إشكاليات المصطلح: العلمانية .. السيكولارية .. الليبرالية – 22/06/2009

   10. العلمانية والدين – 20/05/2010

   11. العلمانية بين السياسة والدين والفلسفة – 08/2010

   12. ليكن التنافس حصرا بين العلمانية والإسلام السياسي – 14/06/2011

   13. ماذا نسي كمال أتاتورك في عملية علمنة تركيا – 26/04/2012

   14. مسؤولية القوى الديمقراطية العلمانية في المنطقة – 10/12/2012

   15. يا علمانيي العالم اتحدوا – 16/02/2013

   16. هل بدأ الربيع التركي للعودة بتركيا إلى العلمانية؟ - 15/06/2013

   17. العلمانيون المترشحون على قوائم إسلاموية أو طائفية – 21/04/2014

   18. انتخاب الإسلامي من الكبائر وانتخاب العلماني من أعظم الطاعات – 04/04/2014

   19. الدستور العلماني ضرورة لا يكتمل الإصلاح بدونها – 21/08/2015

   20. كما تضمنت الكثير من مقالاتي الدعوة إلى العلمانية. وفي كانون الثاني 2011 أطلقت مشروع «التجمع العلماني»، الذي عرفناه بأنه «تجمع يمهد لتشكيل كيان سياسي في العراق ذي اتجاه علماني ديمقراطي ليبرالي، يعتمد المواطنة، والفصل بين الدين والدولة، والعدالة الاجتماعية».

   واليوم أجدد دعوتي للعلمانية، ونحن نعيش الحراك الشعبي منذ 31/07/2015، والخطط والدعوات الإصلاحية للعملية السياسية، وحيث يؤكد البعض على ترجيح استخدام مفردة «المدنية»، وينصح بتجنب مصطلح «العلمانية». لكننا في نفس الوقت لاحظنا إن طرح العلمانية بدأ يطرح بكثافة أكثر من أي وقت منذ 2003 سواء في مقالات العديد من الكتاب، أو طرحها كشعار في التظاهرات الاحتجاجية كشعار «دولة دولة علمانية .. لا شيعية لا سنية»، والذي سارع البعض بنصح المتظاهرين إلى تحويلها إلى «دولة مدنية» بدلا من «دولة علمانية».

   أقول من ناحيتي أحترم القرار المتخذ عبر التنسيق بين الأشخاص والجهات الداعية للتظاهرات، إذا كانت قد اتخذت قرارا باعتماد شعار «الدولة المدنية»، لاسيما وأن من في الساحة أولى باتخاذ القرار ممن يتابع من بعيد. أما إذا لم يكن هناك قرار متخذ بهذا الصدد، بل هناك من يرجح مفردة «المدنية»، وغيره يرجح مفردة «العلمانية»، فأقول لنترك الحرية لمن يريد أن يرجح هذه أو تلك المفردة دون إملاءات.

   لكني أحببت أن أبين سبب ترجيحي لحسم اتخاذ القرار الشجاع في طرح الشعار الواضح لـ«الدولة العلمانية»، وإن كنت قد ذكرت ذلك مرارا وتكرارا، إلا أني أرى حاجة للعودة إلى هذه الدعوة.

   العلمانية بالألمانية sä-;-kular وتعني weltlich وبالإنگليزية secular وتعني worldly، أي ما ينتسب إلى العالم (باألمانية Welt وبالإنگليزية World)، أي الحياة المحسوسة، وليس إلى الميتافيزيك. وهي باختصار تعني اعتماد مرجعية العقل والعلم والتجربة الإنسانية. وسياسيا تعني فصل الدين عن الدولة، أي عدم تسييس الدين وعدم تديين الدولة، وتكون الدولة مسؤولة عن حماية الحريات الدينية، مع جعل الدين واللادين، والإيمان واللاإيمان، والالتزام الديني وعدمه؛ جعل كل ذلك شأنا شخصيا لا يقحم في شؤون الدولة والسياسة والشأن العام.

   العلمانية لا توصف بأنها كافرة أو مؤمنة، كما إن الدولة لا توصف بالإيمان أو الكفر، لأن الدولة تقوم على أساس المواطنة، وبالتالي تعتمد المساواة بين مواطنيها وعدم التمييز بينهم بسبب الدين، أو المذهب، أو الجنس (الذكورة والأنوثة)، أو القومية، أو الثقافة، أو اللغة، أو الأصل والمنحدر، أو الأسرة والعشيرة، أو المنطقة، أو لون البشرة، أو الطبقة الاجتماعية.

   أما أهم الأسباب التي جعلت أكثر القوى والشخصيات المفترض بها أنها علمانية تتجنب استخدام المصطلح، هما سببان؛ الأول شبهة الكفر، والثاني التجربة مع العلمانيات الديكتاتورية. فبالنسبة لتلك الشبهة الظالمة التي تحوم حول العلمانية، بأنها تعني الكفر والإلحاد ومعاداة الدين، فإنها تولدت إما عبر سوء فهم شاع في المجتمع، وإما بسبب ما أشاعته متعمدة القوى المسيسة للدين حولها، مستثمرة العواطف الدينية في المجتمع من أجل تأليب الأكثرية ضد العلمانية وضد القوى العلمانية والسياسيين العلمانيين. وللأسف بدلا من أن يقوم العلمانيون بتصحيح سوء الفهم ورد الشبهة الظالمة عن العلمانية، راحوا يتنازلون عن طرح مشروعهم، مستبدلين مفردة «العلمانية» بـ «المدنية»، وحديثي هنا عن العراق، وعن مرحلتنا الراهنة. وسآتي على الاستبدالات الأخرى في مناطق عربية غير العراق، أو في مراحل سياسية سابقة. قبل هذا أتناول شبهة أن الديكتاتوريات التي حكمت المنطقة كانت علمانية، ومنها ديكتاتورية صدام. وهنا إذا سلمنا بصحة نعت هذه الأنظمة بالعلمانية، وهي بتقديري ليست كذلك، فإننا كديمقراطيين عندما ندعو للعلمانية، فمن غير شك باقترانها وتلازمها مع الديمقراطية واشتراطها بها، فلا علمانية حقيقية بدون ديمقراطية، ولا ديمقراطية حقيقية بدون علمانية. أما الأنظمة الديكتاتورية، فلا يمكن أن ننعتها بالعلمانية، لأنها لم تحارب الأحزاب الإسلامية لكونها أي تلك الأنظمة علمانية، وإنما لأن تلك الأحزاب كانت معادية لتلك الأنظمة، التي قمعت القوى السياسية العلمانية المعارضة لها كما قمعت القوى الإسلامية بل وقبلها، ثم إن القوى الإسلامية لم تعاد تلك الأنظمة كونها ديكتاتورية، بل لكونها كافرة حسب توصيفها، أو جاهلية، أو (علمانية) حسب تصنيفها.

   الأحزاب الإسلامية كانت دائما معادية للديمقراطية، والأقل تطرفا كانت رافضة لها، أو مستعدة للقبول بها في حال الاضطرار وعدم إمكان تحقيق هدفها في تأسيس دولة إسلامية. والأحزاب الإسلامية الشيعية العراقية اتخذت قرار المواجهة ضد نظام صدام في الثمانينيات لسببين؛ الأول بدافع الالتزام بما كانوا يرونه تكليفهم الشرعي في الدفاع عن دولة الإسلام المتمثلة بجمهورية إيران الإسلامية، وطاعة للولي الفقيه الخميني بوجوب محاربة صدام (الكافر). أما الدافع الثاني لجهادهم ضد نظام صدام، فمن أجل إقامة نظام إسلامي باسم جمهورية العراق الإسلامية الخاضعة لولاية الفقيه الموحدة عالميا والمتمثلة حينئذ بالخميني، مما يعني إلغاء استقلال العراق كليا أو جزئيا وإلحاقه بحاكمية ولاية الفقيه الإيرانية.

   أرجع إلى الخوف من مفردة «العلمانية» واستبدالها بمصطلحات أخرى، وذلك ليس في العراق وحسب بل في عموم المنطقة. أيام زمان أي في الخمسينيات والستينيات كانت تستخدم مفردة «التقدمية»، وكانت تطرح في مقابل ما كان ينعت بالقوى «الرجعية»، وكانت تشمل الأنظمة الموالية للغرب، والأحزاب الدينية، وأحيانا الأحزاب القومية المعادية لليسار. أما في زماننا هذا فاستخدمت عدة مفردات بديلة، منها «الليبرالية»، وهذا ما استخدمته القوى غير الإسلامية في الكويت على سبيل المثال، وهو استخدام غير دقيق، لأن ليس كل غير الإسلاميين هم ليبراليون، ففيهم الوطنيون المحافظون وفيهم القريبون من اليسار. كما استخدمت مفردة «الديمقراطية» و«الديمقراطيين»، كمقابلة نوعية بمقابل الإسلام السياسي والإسلاميين. وظهر لاسيما في العراق مصطلح «المدنية» و«المدنيين» تعبيرا عن العلمانية والعلمانيين. وهناك من بدأ يطرح مفردة «اليسار»، ولا أدري كيف لا يميز أصحاب هذا الطرح بين «العلمانية» التي تشمل كل من يعتمد مبدأ الفصل بين الدين والدولة، بل بين الدين والسياسية، بل بين أي رؤية ميتافيزيقية إيجابا أو سلبا والشأن العام، ويفترض أنه يعلم إن اليسار هو أحد أطراف «العلمانية»، فالعلاقة علاقة خصوص وعموم مطلق، فكل يساري علماني، ولكن ليس كل علماني يساريا. فالعلمانية تشمل اليسار الديمقراطي، والليبرالية، والاتجاه الوطني المحافظ، وربما حتى تيار المتدينين المعارضين لتسييس الدين.

   إذن ما نريده «دولة علمانية»، وما ننتمي إليه بمعنى الانتماء السياسي الأشمل والأوسع هو «العلمانية السياسية»، وما نتطلع إليه هو «الدستور العلماني» للعراق ولعموم دول الشعوب ذات الأكثرية المسلمة.

   28/08/2015

  كتب بتأريخ :  الأحد 30-08-2015     عدد القراء :  3336       عدد التعليقات : 0