الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
هل من تناقضات في قانون الأحزاب الجديد؟

   سأحاول في هذه المقالة المكثفة أن أتناول بالتدقيق فقرتين وردتا في المادة الخامسة من قانون الأحزاب الجديد لسنة 2015 الذي أقره البرلمان العراقي بتاريخ 27 آب/أغسطس 2015 .

   تؤكد الفقرة الأولى من المادة الخامسة على مبدأ سليم وحديث هو مبدأ المواطنة في عضوية أي حزب أو تنظيم سياسي عراقي، حيث ورد ما يلي:

   "أولاً: يؤسس الحزب أو التنظيم السياسي على أساس المواطنة وبما لا يتعارض مع أحكام الدستور."

   إن هذه الفقرة تعني بشكل واضح إن أي حزب يؤسس بالعراق لا بد أن يعتمد في عضويته على أساس المواطنة العراقية وليس على أساس ديني أو مذهبي. وهذا لا يعني بأن على عضو الحزب أن يتخلى عن دينه أو مذهبه، ولكنه يعني إن الحزب الذي يؤسس على أساس المواطنة العراقية يحق له، بل يستوجب أن يقبل عضوية المواطنات والمواطنين بغض النظر عن دينهم أو مذهبهم، كما يحق لكل المواطنات والمواطنين الانضمام إلى أي حزب أو تنظيم سياسي باعتباره مواطناً عراقياً أو مواطنة عراقية دون النظر إلى الدين أو المذهب ما دام يؤيد ويوافق على برنامج الحزب ونظامه الداخلي. وهذا المبدأ الوارد في الفقرة الأولى من المادة الخامسة تمنع فعلياً حق تأسيس أحزاب أو تنظيمات سياسية على أساس دين أو مذهب معين، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للعراق والدولة المدنية الديمقراطية التي يسعى الشعب إلى إقامتها بالبلاد. وهذا المبدأ يتناغم مع الدستور العراقي، وهو مبدأ حديث وتأخذ به كل الدول المتحضرة.

   وفي الفقرة الثانية من المادة الخامسة ورد نص يتعارض في جانب منه مع نص ومضمون الفقرة الأولى. فنص الفقرة الثانية يؤكد ما يلي :

   "ثانياً: لا يجوز تأسيس الحزب أو التنظيم السياسي على أساس العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التعصب الطائفي أو العرقي أو القومي."

   تؤكد الفقرة رفضها تأسيس أي حزب أو تنظيم سياسي يقوم على :

   ** العنصرية ؛ ** الإرهاب ؛ ** التكفير ؛ ** التعصب الطائفي ؛ ** أو التعصب العرقي ؛ ** التعصب القومي.

   النقاط أو الأفكار الثلاث الأولى تسجل مبادئ سليمة جداً وواضحة بالنسبة للنشاط السياسي بالبلاد، فهي ترفض بالقطع تأسيس حزب أو تنظيم سياسي عراقي على أساس عنصري أو إرهابي أو تكفيري. ولم يأت هذا النص عبثاً، بل في انسجام تمام مع الدساتير الحديثة في تأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية. كما إنها في انسجام مع الدستور العراق لعام 2005، وكذلك مع التجارب العالمية وتجربة العراق المريرة في تأسيس مثل هذه الأحزاب بعيداً عن نصوص ومضامين الدستور واعتماد المحاصة الطائفية في السلطات الثلاث التي أوصلت العراق إلى الوضع المزري الذي هو فيه الآن.

   ولكن النقطة الرابعة من هذه الفقرة تؤكد على رفضها تأسيس حزب أو تنظيم سياسي على أساس "التعصب الطائفي" ولم تؤكد رفضها تأسيس حزب أو تنظيم سياسي على أساس طائفي، بل إنها فسحت في المجال احتمال حصول تناقض بينها وبين الفقرة الأولى لكونها لم تؤكد رفضها بوضوح تأسيس حزب على أساس طائفي. إذ إن تجربتنا تؤكد بأن كل الأحزاب الطائفية تؤكد بأنها ليست أحزاباً طائفيةً ولا تقول بأنها متعصبة طائفيا، ولكنها تمارسها من حيث العضوية والواقع المعاش. وهذا الجزء من الفقرة يختلف في صياغته عن الوضوح التام في صياغة الموقف من العنصرية. وبالتالي يعتبر حمال أوجه لا يجوز حصوله في أي دستور. أي أن هناك خللاً صارخاً يتعارض مع الفقرة الأولى من هذه المادة، ولا بد من تعديلها على وفق الدستور الذي يرفض الطائفية ويؤكد على المواطنة العراقية في تأسيس أي حزب أو تنظيم سياسي.

   أما النقطة الأخرى التي ترفض التعصب العرقي، فلا تختلف عن رفضها للعنصرية أو الأثنية التي تقوم على التمييز العرقي أو الأثني أساساً، وهو نص صحيح.

   ولكن النقط الأخيرة فهي صحيحة لأنها لا ترفض تأسيس حزب على أساس قومي، بسبب تعدد القوميات بالعراق، لكنها ترفض التعصب القومي الذي يمكن أن يتحول إلى شوفينية أو عنصرية أو ضيق أفق قومي في البرنامج أو الممارسة.

   كان على المدقق القانوني أن يولي هذه المسألة عناية خاصة، بسبب العواقب الوخيمة التي حلت بالعراق خلال السنوات المنصرمة، بسبب الطائفية السياسية وتشكيل الأحزاب على أساس ديني ومذهبي أو طائفي. ولا بد من إزالة التناقض وتصحيح الفقرة الثانية لتنسجم مع منطوق ومضمون الفقرة الأولى من قانون الأحزاب لسنة 2015.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 31-08-2015     عدد القراء :  3054       عدد التعليقات : 0