الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
إلغاء الهيئات \"المستقلة\" أو إعادة تشكيلها خارج المحاصصة : شبكة الإعلام العراقي انموذجاً

يراهن البعض من ذوي الميول المناوئة للمظاهرات الداعية للاصلاح على فقدان أمل المتظاهرين في تحقيق الاصلاح والتغيير، والكفّ عن التظاهر كوسيلة للضغط، أو الخضوع الى حالة من اليأس وضياع الوجهة .

واذا كان السيد العبادي قد أقدم على حزمتين من "الاصلاحات" بتفويض من مجلس الوزراء والبرلمان، في بعضها عورٌ دستوري، فان حُزماً عديدة هي أكثر يسراً، واقرب الى الملموسية والتأثير على القطاعات المعنية، بل وعلى عملية الاصلاح وابراز ايجابيتها وتأثيرها على العملية السياسية ومستقبل البلاد .

بين هذه الحزم المرجوة، وهي من مطالب المتظاهرين، إعادة النظر في طريقة تشكيل الهيئات المستقلة وتركيبتها ووظيفتها ومعايير اختيار اعضائها ورئاساتها. وقد تكون شبكة الاعلام العراقي من بين هذه الهيئات التي تمسّ صدقية السلطة الرابعة وتفعيل دورها وتنظيفها مما علِق بها من تأثيرات الفساد وصناديق "شراء الذمم" التي باتت معروفة، وهي لم تترك ميداناً حيوياً في المجتمع والدولة دون أن تنفذ اليه وتصيبه بالعطب ..

قرر الحاكم المدني الاميركي بريمر اعادة بناء هيكلة الدولة المنهارة وتفصيلها على مقاسات بيئة أخرى مرت على تكوين دولها قرون، دون ان تكون له دراية او معرفة او خبرة او سابقة تؤهله لذلك، سوى من جاء بهم معه تحت مسمى "خبراء" عراقيين واجانب، لم يكن لاكثرهم خبرة أو دراية بالشأن العراقي .!

وقد تكون شبكة الاعلام بجريدتها وقنواتها أبرز مثل على ذلك، فـ"العراقية" القناة جاء بها نسخة من البي بي سي البريطانية، مطابقة لها من حيث التوصيف والمهام والصلاحيات، في بلد لم يعرف الديمقراطية وقواعدها بمفهومها الفقهي المستند الى دولة القانون والحريات والدستور منذ تشكيل الدولة العراقية اوائل عشرينيات القرن الماضي. وشاعت بين العراقيين خلال اكثر من اربعة عقود من تاريخ الانظمة الشمولية المستبدة، مفاهيم وقيم اعلام الحزب الواحد والقائد الضرورة، وما ارتبط بها من ارتكابات وتصفيات لابسط مظاهر الحرية، وسادت في وسائل الاعلام نفسها قيم الولاء والطاعة والانحياز والتبرير ومفرداتها، وانهارت في ظلها المنظومات الاخلاقية والقيم الاجتماعية والحياة السياسية، واشاع مفاهيمها اعلام السلطة المنفرد كادوات للسلطة الرابعة المزعومة، ومع ذلك فان "العراقية" والشبكة بأجمعها لم تصبح في أي يوم في عهد بريمر أو بعده ولو ظل للبي بي سي!

وقد لا تخرج الهيئات الاخرى التي رُكّبت لتكون مستقلة، عن هذا التوصيف، فكل الهيئات التي اريد لها ان تكون مستقلة خضعت لنفس معايير العملية السياسية في المحاصصة، وتم اختيارها من قبل الكتل المهيمنة، سواءً تحت قبة البرلمان أو في الكواليس. وفي السنوات الاربع للحكومة السابقة خضعت بالدرجة الاولى لرغبة رئيس مجلس الوزراء ومكتبه مباشرة، ومن الممكن اعتبار مكاتب المفتشين العامين من نفس هذا الصنف المنتهية صلاحيته ..!

ان الهيئات المستقلة، لم تكن مستقلة كما يعرف الجميع، بل هي خاضعة لارادة الكتل السياسية ومراكز القرار. وهي بقوامها وتشكيلاتها وموازناتها تشكل عبئا فائضاً على الدولة وترهقها مالياً، ولا تضفي شيئاً على ما تقوم به اجهزة الدولة ومؤسساتها القائمة التي هي ذاتها تشكو من الترهل والتضخم وانعدام الصلاحية .

واذا كانت حزمة اصلاح الوزارات بـ"ترشيقها" افترضت تخفيفاً من العبء المالي والاداري على الدولة، وهي في الواقع لم تفعل سوى ترحيل وزراء، فان الغاء مكاتب المفتشين العامين والهيئات المستقلة (اذا ما اريد الابقاء عليها كما كانت)، من شأنه أن يوفر مئات ملايين الدولارات ويقضي على حزمة من "البطالة المقنعة" ومظاهر فسادٍ تُرى بالعين المجردة، وتعمي الابصار !

وقد لا يقدم السيد العبادي على مثل هذه الخطوة الاصلاحية العميقة الجريئة، فلنتحول الى مطلبٍ أقل عبئاً عليه، فما دامت شبكة الاعلام لا تجد فكاكاً من العمل بإرث وزارة الاعلام في العهد السابق حتى بعد انتقال مرجعيتها الى البرلمان، أي "الكتل البرلمانية" فلماذا لا تلغى؟ او لماذا لا تعاد وزارة الاعلام أو يجري ضمها الى وزارة الثقافة، ما دام يراد لارادتها وسياستها أن تخضع للحكومة مباشرة او بالواسطة؟

ولنعتبر هذا مؤجلاً.. الا يُفترض - بعد تشريع قانون الشبكة والغاء قرار بريمر - حلّ مجلس الامناء الحالي الذي تشكل وفقاً للسياقات السابقة، وإعادة تشكيله على وفق القانون الجديد وتحديد عضويته خارج لعبة المحاصصة، واعتباراً للكفاءة المهنية والنزاهة وقوة الارادة الطاردة للضغوط السياسية على ان تتولى اختيار الاعضاء لجنة برلمانية، تضم الى جانبها كفاءاتٍ او رعاية اممية ؟. كيف يُبقى على الطاقم القديم نفسه بالتمام والكمال وكأن البرلمان لم يشرّع قانوناً جديداً ولم يلغ قرار سلطة الاحتلال؟!

وهل سيكون للشباب المتحفزين للمسؤولية مكان في هذه الهيئة التي يُراد لها ان تكون عصية عليهم؟

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 09-09-2015     عدد القراء :  3099       عدد التعليقات : 0