الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
العبادي في مواجهة خياراته: الإصلاح \" ضرورة \" أم \" اضطرار\"؟

عقدٌ كامل ويزيد والعراق يئن من جراحاته. وكل عامٍ يمضي، مع ذلك، يراود الناس الأمل، الذي اكثر ما يداعب مخيلات الجياع والمحرومين من ابسط متطلبات العيش، لعل وعسى تزاح عن كواهلهم اسباب المعاناة، فتنفتح لهم ابواب الرجاء، ويستعيد العراق الأمن والاستقرار، ويفيض الخير والطمأنينة على العراقيين . وعلى خلاف المرتجى من الأمل والرجاء ، مضت الأعوام العجاف ، واحداً بعد الآخر، لتتسع مساحة الخراب والدمار وتبديد ثروات البلاد، ولتتفشى أوبئة الرشى والفساد والسطو على الممتلكات العامة والخاصة، وتشيع مفرداتها لتصبح " قيماً وثقافة عامة "، وتسود بوصفها " وجهة نظر " تجد لها تبريراً في كل ما تترجمه المحاصصة الطائفية " الحزبية " وتتكرس في الحياة السياسية، كصيغة " مستحدثة" للتوافق والتوازن الوطني .! لقد بلغ الانحدار في الوضع الراهن وتفسخ المنظومة السياسية القائمة، وما يعبر عنها من منظومات خدمية وأمنية وعسكرية واقتصادية وثقافية، حداً لم تعد بحاجة الى الافصاح عن تجلياتها المريعة أو إبراز أيٍ من مظاهرها، أو إيراد دلائل دامغة على رثاثتها وفقدان صلاحياتها. فالمشهد اليومي لانهيار الأمن واستمرار اختراقات الارهاب لمساحات شاسعة من سيادة البلاد، يراهن على ما تحتاجه المنظومة الامنية والعسكرية التي نخرتها المحاصصة و" الدمج" من إصلاحٍ فوري . والتدهور المتواصل لمنظومة الخدمات بكل مفرداتها، بدءاً من انقطاع الكهرباء والماء الصالح للشرب ومجاري الصرف الصحي، وتفكيكٍ لمنظومة التربية والتعليم والعودة بها الى نهج " التجهيل" وتعويض فشل القائمين عليها بإثارة زوبعة "فك الاختلاط" في المعاهد بين الطلبة والمدرسين، وتكريس منهج " التلقين " الذي عفا عليه الزمن، مقابل التفكير، كل هذا بات واضحاً للعيان لا يحتاج لحكيمٍ كي يقول ان منظومة التعليم تنتظر الاصلاح والتقويم . وهل ما تترنح تحت قوانينه البائدة ، السلطة القضائية، لا يكفي للشروع باصلاحه ..؟ وفي رحاب الدولة " اللا دولة " يصبح الرصد لمظاهر فسادها وترهلها بالمحسوبيات والمنسوبية ، وتحول وزاراتها ومؤسساتها الى مقرات لحزب الوزير والمفتش والمدير، عبثاً لا طائل له . فكل جانب فيه وكل مظهر منه يعبر عن نفسه، جهاراً نهاراً. وأي مارٍ بالصدفة امام وزارة او مؤسسة، سيحار في معرفة ما يراه، قبل ان يرى رقعة الاسم، اهي وزارة ام مؤسسة حكومية ام مقر لحزب وزير او مفتش او مدير! ويبقى على الفطين ان يتساءل: أهذا كله يتطلب اصلاحاً فورياً أم ينتظر دعواتٍ للاصلاح ..؟ وقد يتساءل "غشيم" متطفل، كيف أن القيامة تقوم كل يوم على الفساد الاداري والمالي والنهب المنظم لموارد الدولة وغسيل الاموال وتهريب المليارات الى خارج البلاد، والصفقات والاستثمارات الفاسدة، ولا يظهر دليل دامغ على فاسدٍ أو مهربٍ أو متلاعب أو غسّال اموالٍ أو بنكٍ متلاعبٍ بمزادات البنك المركزي، أو متواطئٍ في عمليات الاستثمار والصفقات الفاسدة في ارجاء البلاد! أيمكن لمثل تساؤل غشيم مستطرقٍ ان يخدع العين المجردة لمواطن بسيط ، فلا

يرى الفساد يطيش في كل اتجاه ، وهو يحتاج الى ادلة عينية ليصبح الاصلاح فرض عين لازم لا يقبل التأجيل ..؟ واذا كانت هذه الاسئلة كلها محض افتراضات تتطلب براهين "عيانية " دامغة ، فلماذا استقتل الناس من كل المكونات والمذاهب والمشارب والاوساط السياسية، وتنادت المرجعية بصوتٍ عالٍ ، والمجتمع الدولي بما يجسد ارادة دوله العظمى المعنية باستقرار المنطقة ومعافاة العراق، الى اجراء تغيير جذري في بُنية الحكم والحكومة والإتيان ببديل ينهض بالمهمة ..؟ ألم تكن الاطاحة بالحكومة السابقة استجابة لمطلب الاصلاح والتغيير ..؟ أتكون المرجعية العليا في النجف ممثلة بالسيد السيستاني، وهي تطالب وتُلح وتحفز على اجراء اصلاحٍ شاملٍ يجتث الفساد من جذوره ، إنما تأخذ بثأر، او تستعيد حظوة ، أو تسترجع امتيازاً حُرمت منه .؟ أيمكن أن تخرج المرجعية عن صمتها وتتحامل على نفسها مضطرةً ، وربما تتجاوز بعضاً من تقاليد " نُصحها " لمجرد تأكيد مكانتها وحضورها أم انها رأت الامور قد خرجت عن أي مستوى "مقبول" من ظلم العباد، فصار التهديد امراً لا رد له - وهذا من واجباتها الشرعية - بحيث يستوي السكوت مع الكفر، كما قال الامام علي "اذا ذهب الفقر الى بلدٍ قال له الكفر خذني معك.." ! والسؤال الذي ينتظر تدابير وقراراتٍ لا مرد لها من العبادي : أبعد هذا كله تريد مظاهراتٍ مليونية لتُقدم على اصلاح وعدت الناس به، بل جئت الى الحكم على منصته؟ .. اي خيارٍ تنتظر؟ اصلاحاً يعيد العافية للبلاد ويفتح باب الفرج للعراقيين؟ أم خياراً يطيح بما تبقى من شُبه دولة تتطاير اردنتها في كل اتجاه، وسلاح العابثين يحاصرها من كل صوب، وسهام الفاسدين يتحفز لتصويبها حيث لا قائمة تقوم؟ ..

  كتب بتأريخ :  الأحد 13-09-2015     عدد القراء :  2727       عدد التعليقات : 0