الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
أنا عشيقة الوزير».. تكشف يوتوبيا النظام الدكتاتوري

باتت أساليب النظام البعثي الدكتاتوري معروفة على أوسع نطاق في داخل وخارج العراق، المتمثلة في آليات الماكنة الأمنية الارهابية، في سبيل ترسيخ قوام الدولة الأمنية والنظام الشمولي، المعتمدة بالأساس على سوط الإرهاب والقمع، في إطلاق اليد بالأساليب الوحشية، في البطش والتنكيل، ضمن فلسفة النظام، القائمة على نهج الإرهاب والترهيب والترغيب، في تأسيس دولة الاستبداد المطلق، يتزعمها القائد الأوحد ، بأن يكون أعلى مرتبة ومنزلة وفوق الجميع، في التأهيل والتعظيم والتبجيل المقدس، وعبر المؤسسة الأمنية التي لا ترحم حتى اقرب المقربين ومن ضلع النظام، فان هذه الآلة القمعية والإرهابية تسحقهم سحقاً، وبدون شفاعة الى خدماتهم في توطيد دعائم النظام الشمولي، وترسيخ السلطة المطلقة في يد القائد الأوحد. هذا الجحيم الإرهابي، مسلطاً على الجميع، في رعبه الشديد على الواقع العراقي آنذاك، في زمن الجحيم الدكتاتوري، والعديد من الأعمال الأدبية والروائية، سلطت الضوء الكاشف، بالاعتماد على الحقائق والوقائع اليومية من انتاج الواقع، التي تفرزها الالة القمعية في الواقع العراقي، وتكون مادة لكشف زيف الايدلوجية السياسية والحزبية التي ينتهجها النظام في السلوك اليومي، لذا انها تعتمد على الواقع الحياتي، اكثر من اعتمادها على التخيل السياسي، في مناظرتها الأدبية، وفي تعرية أساليب الزيف والخداع بالشعارات البراقة، التي يتبجح بها النظام وحزبه في "الحرية والاشتراكية" في صيد المغفلين لتجنيدهم في ماكنته الحزبية والأمنية، لترسيخ قاعدة الارهاب للمؤسسة الامنية، لذا ان كاهل الارهاب البشع مسلط على الحزبيين واللاحزبيين، على السواء، ومن أجل ترسيخ السلطة المطلقة للقائد الفرد الذي يجلس على النظام الشمولي.

وقد تناول هذه الجوانب الجاثمة على كاهل العراق، الكثير ومن الكتاب في أعمالهم السياسية والأدبية والروائية، مستغلين حرية المنفى ، وبعضهم يكتب باسماء مستعارة لمحاذير كثيرة، وبعضهم يكتبها باسمائهم الصريحة. ومنهم الكاتب الغزير في انتاجه السياسي والأدبي، الكاتب القدير جاسم المطير، الذي تناول في عمله الروائي "أنا عشيقة الوزير" فضح يوتوبيا النظام، وديماغوجيته السياسية والايدلوجية، في أسلوب ساخر ممتع ، في تناول شريحة هي من صلب النظام وحزبه القائد، وأقرب المقربين والمتحمسين له من الماكنة الحزبية، ويدينون بالولاء المطلق لرأس النظام، في حبكة رائعة من السرد البسيط والرشيق.

ان المجموعة القصصية "أنا عشيقة الوزير" تحمل سمات ومقومات الرواية بشكل كامل، اكثر من انها مجموعة قصصية، لان قصصها السبعة مترابطة في نسق واحد من الأحداث، وأحداثها مكملة في سلسلة من التواصل في الحدث، وفي وشيجة واحدة من تسليط الضوء على نفس شخوصها، الذين يتبادلون وقائع الاحداث ضمن عملهم السياسي والحزبي والوظيفي، ورغم ان هذه الشخوص تحتل مواقع متقدمة في الحزب والدولة، وتعتير من صلب النظام الدكتاتوري، وأقرب أعوان رأس النظام ، لكن كل هذه المميزات والامتيازات، لا تحمل لها الطمأنينة والامان والاستقرار في حياتها، اذ تعيش بزوابع عواصف الخوف والقلق، ويشغل بالها ويضعها على مشرحة المجهول، ورغم انها تتقمص الازدواجية الشخصية ببراعة نادرة، لكن تظل يطحنها القلق من المؤسسة الامنية الرهيبة، وتعترف بقرارة نفسها بالذل والمهانة، وهي تدرك زيف وخواء الشعارات السياسية والحزبية، التي وضعت لخدمة رأس النظام ولا أحد غيره، ان هذه الرواية كشفت بدقة الفساد السياسي والاجتماعي والاخلاقي، في اقامة دولة المؤسسات الامنية والارهابية.

1 - قصة "الوزير وسائقه"، تتحدث عن السائق "محمد" صندوق اسرار الوزير في كل شيء، حتى في مغامراته الجنسية وعشيقاته وقوادته للوزير ، ويعرف ان الوزير يحاول ان يبدد الخوف والقلق من المؤسسة الامنية التي تخيم بثقلها الثقيل على الكل، ورغم ما يبديه من انصياع ذليل ومذل من اجل ارضاء رغبات ونوازع سيده العظيم رأس النظام ، في كيل المدح والتعظيم لرأس النظام "لوفياثان" الرئيس المطلق - انه لوفياثان. ألاتعرف ذلك يا محمد. انه القوي الجبار ) وانه مقدس فوق الجميع، ويتقمص دوره ببراعة بان يكون عبدا ذليلا لرأس النظام، من اجل ان يبقى في كرسي الوزارة حتى اخر يوم من حياته بدعوة ان "رجال الثورات لا يتقاعدون"، لكنه في قرارة نفسه، يشعر بالحقارة والتفاهة والندم، لانه وقف الى جانب اجبار عزل رئيس البلاد بالقوة لصالح "لوفياثان" وهي اشارة صريحة الى عزل "البكر" عن الرئاسة، وتسلم "صدام" الامور على خناق الدولة. ويتحدث السائق "محمد" عن زوجة الوزير، من اصل عائلة فقيرة وابوها بائع الخضار، ولكنها تتبجح بكبرياء فارغ ، بانها ابنة الاكابر والاغنياء، وحياتها محصورة بين الصائغ، لجمع الذهب والخواتم والاحجار الثمينة بهوس مجنون، وبين الصالون الذي يجمع زوجات الوزراء، لتبدأ عملية النفاق والنميمة بينهن.

2 - قصة "أخيراً يأتي بآخر التوضيحات" تكشف جانبا اخر من حياة الوزير، حين تشرق الشمس على يوم جديد، والتهيؤ الى الاستعداد للذهاب الى وزارته، يلعن نفسه لان الوزارة تخلق متاعب مرهقة، وخاصة هناك الخنازير الذين يتعاركون على الغنيمة، ويحفرون للآخرين للايقاع بهم حتى يحتلوا مكانهم ومواقعهم ومناصبهم، ومن جانب اخر يشعر بنشوة الفخر والانتصار، ويتصور نفسه انه "سعد بن ابي وقاص" ويتقمص دور الازدواجية الشخصية المتناقضة والمتنافرة مع ذاتها، وينسى وصية ابيه حينما انضم الى الحزب "كن مثل اخيك يا ولد، اكسب حياتك بالمثابرة والعمل المجدي. ادرس ياولدي حتى تتوفق" لكنه يدوس على القيم والاخلاق، حتى يحافظ على كرسي الوزارة، لكنه يقع في هفوة يرتعب رعباً وقلقاً على مصيره، لأنه اكتشف في التقرير الذي يود ان يقدمه الى سيده العظيم، توجد فيه اخطاء املائية، ورئيسه ينفر ويشمئز من الاخطاء الاملائية بالتقارير المقدمة له.

3 - قصة "المتمردة" هي مواصلة لتكملة احداث القصة الثانية، في مسألة الاخطاء الاملائية، يحملون مسؤوليتها الى الموظفة الجديدة "نادية" التي توظفت بواسطة الحزب، وهي تدرك انها في غابة الذئاب الجائعة، في التهميش وفي الشبق الجنسي، وان كل مبادئ الحزب وايديولوجيته تداس بالاقدام وليس لها قيمة، على الاخلاق والقيم، وتعرف بان عليها تقديم ضريبة البقاء في وظيفتها، من خلال اشباع الرغبات الجنسية بالمضاجعة، دون تأفف ورفض، وانها مرشحة لعقوبة الطرد، اذا لم تضع مفاتن جسمها لرفاق الحزب، لذلك تقرر "أريد ان اضع الوزير خاتماً في اصبعي" في زمن لا يرحم "لا تستطيع امرأة مثلي، ان تحصل على نصيبها من الامان، في هذا العصر، من دون سلوك شائن، هذا عرفكم وهذه مبادئكم، انا اعرف ذلك حق المعرفة" لذلك تشعر بالامان، طالما الوزير يضاجعها وينام فوقها. لتحصل على الاعتذار والمميزات الوظيفية والامتيازات الكثيرة.

4 - قصة "قفا الزوجة الثانية"، تتحدث عن عريضة شكوى قدمتها الزوجة الاولى الى مندوب رئيس الجمهورية، تشكو فيها بان زوجها الوزير وقع في حبائل موظفة في وزارته، وبعد اغراء استطاعت ان تحصل على عقد الزواج في السر، وفي زيارة الزوجة الثانية يقوم بها، أبوها، ويعرض عليها مساومة حتى يعفو ويغفر ويسامحها لها زوجها بدون علمهم ودرايتهم، بان تنقذ شقيقها من تنفيذ حكم الاعدام الصادر بحقه، بسبب هروبه من جبهة القتال، وتحاول التوسط من اجل انقاذ شقيقها، وترفع التلفون وتتحدث في محاولة لانقاذه من تنفيذ حكم الاعدام، في مسعى في مكالمة تليفونية "نعم. ماذا؟ هل اخبره بان ابنه سيصل الى البيت قبله"؟ ويفرح والدها بهذا الخبر السعيد بانقاذ ابنه من الموت المحقق ، ويطير فرحاً وغبطة، بان مساعي ابنته تكللت بالنجاح الكبير، وحين يصل الى بيته، يجد جثة ابنه مرمية في غرفة الاستقبال، معدوما بسبع رصاصات، مع تبليغ رسمي، بعدم البكاء وممنوع اقامة مراسيم الفاتحة، مع دفع ثمن الرصاصات السبع الى وزارة الدفاع.

5 - قصة "جسدان ليس بينهما إلا الخوف". تتحدث عن رغبة الوزير ، في اظهاره مودته الخالصة الى عائلة عشيقته "سالمة الناصر"، بان تصل اليهم سيارة الوزير اسبوعياً، وهي محملة بالحصة التموينية، التي تكفي لعشيرة وليس لعائلة واحدة، تحتوي على اللحوم والدجاج والاسماك والفواكه والخضار، وانواع السكائر والمشروبات الكحولية والغازية، يحمل سائق الوزير "محمد" ولكن قبل ايصال هذه المؤونة الغذائية الكبيرة، ان ياخذ حصته الكاملة مثل وزيره بمضاجعة عشيقة الوزير، ثمنا لاتعابه، وانه يقوم على احسن وجه بدور قواد وسائق الوزير، وتحدث المفاجأة غير المتوقعة للوزير، بان آلة التسجيل اصابها العطل، ولم تسجل خطاب الرئيس القائد، وهذه جريمة كبرى لا تغتفر، بالنسبة الى "لوفياثان" لذلك يطلب من الوزير المتقاعس "اكتب بناء على مقتضيات المصلحة العامة في بلادنا البطلة، قررنا احالتكم الى التقاعد".

"اشكرك سيدي".

6 - قصة "ثأر المحروم من العشق" يصيب "محمد" سائق الوزير. الهلع والخوف، ولم ينم ليلته من الارق والقلق المرعب يأكل رأسه وعقله، لان هناك أمر استدعاء له من قبل المؤسسة الأمنية، وهو يعرف تماماً بأنهم "قساة مع المخطئ والمصيب، يقوون بدنهم وكلامهم على شدة البطش. ويفعلون ما يريدون، ولا يلبون نداء وزير ولا مستشار ولا احد، فلا رأي إلا رأيهم. ولا دهر إلا دهرهم" وكانت فحوى جريمته بانه شاهد عيان بأم عينيه، بان احدى عاهرات الحزب "نادية"، تدس السم في الشراب الى احد شيوخ العشائر المغضوب عليهم من النظام، بهدف طمس الجريمة ومسح آثارها.

7 - قصة "أنا عشيقة الوزير" ترسل عشيقة الوزير "نادية" من منفاها في السويد، رسالة الى عشيقها الوزير، تشرح فيه الدوافع التي اضطرتها الى الهجرة، لانقاذ حياتها من براثن الموت المحقق، بانها اجبرت بالتهديد، ان تدس السم في شراب الى احد شيوخ العشائر، وبان حياتها اصبحت لا تطاق من الرذيلة والمسخ، بانها اصبحت امرأة بدون كرامة او شعور انسان حي، سوى تحقيق رغبات النظام والحزب، في اعمال لا اخلاقية بان تتصيد المواطنين الذين عليهم علامات الشبهة ضد النظام، ومن خلال المضاجعة الجنسية، تحاول ان تستنطق افكارهم الداخلية حول النظام ورأس النظام القائد المقدس، وتقول في رسالتها "فلا انت حبيبي، ولا حزبكم كان عزيزاً عليَ، ولا انت سيدي فعلاً. كنت بكلمات الحب والمودة كذباً ونفاقاً، فانا ما احببتك مطلقاً، هل يمكن ان احب من يثقلني باحمال ممضة، وهل احب من يلفح ظهري بسياطه من كل جانب" وتهدد الوزير من عاقبة المس بسوء لعائلتها، لانها باستطاعتها ارساله الى الجحيم والموت، بانها سجلت على آلة التسجيل كل تعليقاته البذيئة على الوزراء، وحتى تطول تعليقاته بكلامه رأس النظام القائد الاوحد، وتذكره بكلامه عن رئيسه القائد، بانه مهووس بجنون مرض العظمة، في التشبث بالكرسي حتى لو تحالف مع الشيطان.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 05-10-2015     عدد القراء :  3753       عدد التعليقات : 0