الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
أفكار عراقية ذكية

الأسبوع الماضي نشرنا في هذه الصحيفة نص مذكرة وجّهتها مجموعة من الخبراء والأكاديميين المتخصصين في حقل الاقتصاد الى المقامات العليا في الدولة الاتحادية وإقليم كردستان، تضمّنت تصوراً لوضع الأزمة الذي تكابده البلاد وأهلها، واقترحت علاجات وحلولاً تعتقد المجموعة أن الأخذ بها سيفضي بنا إلى خارج عنق الزجاجة الذي حشرنا فيه أنفسنا حشراً بفضل السياسات الخاطئة التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة منذ 2003.

معظم أفراد مجموعة الخبراء والأكاديميين هذه موزعون على رقعة جغرافية واسعة من العالم "تطشّرت" عليها الآلاف من العقول والكفاءات العراقية المرموقة التي نبذت الدكتاتورية وإرهابها وحروبها في الماضي، ثم الحرب الأهلية الطائفية المهلكة ونظام المحاصصة السقيم خلال الإثنتي عشرة سنة الماضية.

هل أولت المقامات العليا وفرق المستشارين والمساعدين المحيطين بها هذه المذكرة الاهتمام الذي تستحق؟.. أرجو أن يكون هذا قد حصل بالفعل، فقد حفلت المذكرة بالعشرات من الأفكار الذكية التي يبدو أنها كفيلة بانقاذنا من الحضيض الذي انتهينا إليه، اقتصادياً واجتماعياً، وسياسياً بالضرورة.

على سبيل المثال لا الحصر، إحدى هذه الافكار تقترح "خلق أنموذج تنموي ناجح وقابل للاستدامة ضمن إحدى البقع الجغرافية الأكثر أمناً من البلاد، ونقترح هنا التركيز على محافظات البصرة وميسان وذي قار بسبب أمنها النسبي وتقاربها الجغرافي". وتهدف هذه الفكرة إلى أن يصبح هذا الأنموذج التنموي "قدوة لأرجاء أخرى أقل استقراراً من الوطن، ولتبدأ بذلك أولى خطوات انتشار المثال التنموي الناجح ضمن برامج إعادة الإعمار".

بالطبع هذا الأنموذج التنموي سيحتاج إلى ضمانات تكفل استمراره وتطوره، فليس كل أنموذج تنموي يواصل النجاح على الدوام.. إنه يبقى مهدداً بالانكفاء، كما حصل في الأنموذج التنموي الناجح الذي تحقق لبعض الوقت في إقليم كردستان قبل أن يضربه هو الآخر وباء الفساد الإداري والمالي.

فكرة ذكية أخرى تقدمها المذكرة، تتمثل في توجيه البطالة المقنعة المتفشية في دوائر الدولة قاطبة نحو مجالات إنتاجية وخدمية فعالة، ومنها على سبيل المثال محو الامية. بوسع عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين الذين لا يقومون بأي عمل، سوى أن يتسلموا رواتبهم في يوم معلوم من الشهر، أن يتحولوا إلى معلمين يعينون أكثر من خمسة ملايين عراقي أمي على الخروج من الظلمات الى النور، وعلى التحول الى طاقة إنتاجية مجدية في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات وسواها.

عدا عن هذه المجموعة من الخبراء والاكاديميين الاقتصاديين، لابدّ أن هناك المئات من المجموعات النظيرة الموزعة على أربع جهات الكرة الارضية، والتي تقدح عقولها بالآلاف من الافكار الذكية من هذا النوع وغيره .

مَنْ يصل إلى هذه المجموعات و مَنْ يحوّل أفكارها الذكية وسواها إلى طاقة إنتاج في بلد هو أنموذج للخراب الشامل الناجم عن الاستهتار السافر بمقدراته ومصير شعبه على أيدي حكامه؟ .. هذا هو السؤال المصيري.

  كتب بتأريخ :  الخميس 08-10-2015     عدد القراء :  2151       عدد التعليقات : 0