الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الهاربون.. سفارة عراقية في الخارج

الإخفاق مرحلة من مراحل مسيراتنا، والفشل محطة تستوقفنا خلالها، والذكي اللوذعي منا من يسخرها لخدمته، ويجعل منها نقطة مثابة ينطلق منها الى نجاحات، فنحن نتعلم من فشلنا أكثر مما نتعلم من نجاحنا. ولكن من غير المعقول أن يخفق المرء في كل خطوة يخطوها، لاسيما إذا كان واعيا ومدركا بمسؤولية ماملقى على عاتقه من مهام، تترتب على عدم إنجازها عواقب وخيمة، وأضرار يحاسبه عليها الله والناس ونفسه -ان كان له ضمير حي-. وكما يقول المثل: لكل حصان كبوة ولكل حليم هفوة. أما أن تستمر الكبوات وتكثر الهفوات، فهذا أمر ليس بالمعقول ولابالمقبول، ومن المعيب ان يكون بحكم المعقول والمقبول والمعهود في عراق مابعد السقوط، إذ من المفترض أن يكون بعد السقوط نهوض، فهل تحقق جزء ولو كان ضئيلا من النهوض على يد ماسكي زمام أمر البلاد خلال دزينة السنوات الخوالي التي تضج بالإخفاقات؟.

لقد بات الحديث عن الاخفاقات المتتالية واللامتناهية التي يتحفنا بها مسؤولونا وساستنا، بين الفينة والأخرى في الساحة السياسية، أمرا طبيعيا ومعتادا، ولو بحثنا أسباب هذه الاخفاقات يتضح لنا جليا أنها لم تكن من صنيعة أشخاص أتوا من عطارد او المريخ، وإن كان بعضها نتيجة تدخلات دول وجهات خارجية، إذ سيتبين أن الأسباب الرئيسة لهذه الإخفاقات، هي التناحر والتضاد بين أرباب الحكم وصناع القرار أنفسهم من داخل البيت العراقي وتحت قبب مجالسه، وبرعاية رؤسائها وأعضائها. وما يزيد الطين بلة أنهم مصرون على استمرار العداوات بينهم، وما انفكوا من إضرام النار في الهشيم قبل أن تنطفئ نار كان قد علا سناها من قبل. وكذلك هم بعيدون عن احتمالات الاصلاح والمراضاة مستقبلا، ومتحفظون على طي صفحات التنافر والعداء فيما بينهم، وهم بهذا ينأون عن الأخذ بيد العباد الى حيث يعيش نظراؤهم من بني آدم في باقي دول العالم.

وإذ يمر العراق اليوم بظرف لايحسد عليه، في تكالب المتصيدين في عكر المياه عليه من كل حدب وصوب، وبكل ما أوتوا من قوة للإيقاع به في مطب المشاكل والقلاقل السياسية والأمنية، نرى البعض يجدّون بإعادة ماض أكل الدهر عليه وشرب، إذ هناك ثغرة حساسة يسعى المغرضون الى فتحها لتشكل جبهة خارجية ضد مسيرة العملية السياسية، هي ثغرة الهاربين خارج البلاد خلال السنوات القليلة الماضية، الذين كشفت نواياهم الحقيقية، لاسيما متقلدو المناصب العليا في سدة الحكم، والذين صدرت بحقهم أوامر إلقاء القبض، او الذين أدينوا بجرائم إرهاب، وصدرت بحقهم أحكام بالإعدام او السجن المؤبد. وقطعا هم مازالوا يحلمون باسترداد العراق وضمه تحت جلبابهم، وكأنه (ملك الخلفوهم). لذا نراهم يدا بيد مع كل ما يمت بصلة الى النظام السابق، أمثال عائلة المقبور صدام، ورؤوس نظامه الساقط، والشخصيات التي يجدون فيها ملاذا لتحقيق أحلام التملك والاستيلاء على السلطة، وهم اليوم أشبه بسفارة عراقية في الخارج، تستقطب الراغبين بتحقيق أحلامهم بالعودة الى ماضي عهدهم. إن التحركات التي يتحركها هؤلاء تدخل ضمن المخططات الكبرى، والتي لاتختلف عن مخططات بني إسرائيل في استحواذ أرض الرافدين التي كانت حلم أسلافهم في أسفارهم.

وليت ساستنا في الداخل يفقهون أن حصان طروادة الذي يسهِّل بعضهم أمر ولوجه الى العراق، سيحمل لهم - إن تسنى له الدخول- سلاطين جددا لن يكونوا أقل شرا من هولاكو او جنكيزخان، وسيحرقون - أول ما يحرقون- من يجدونهم على كراسي السلطة، من دونما حسبان لصديق حميم، او رفيق درب قديم، وسيكون الجاه والسلطان كالمعتاد أعز من المال والبنين.

  كتب بتأريخ :  الأحد 25-10-2015     عدد القراء :  3246       عدد التعليقات : 0