الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
هل يمكن تحقيق التغيير بولاءين؟

   تؤكد تجارب شعوب الأرض، ومنها تجارب الشعب العراقي، بأن من يعمل بولاءين يفقد الأرضية التي تساعده على تحقيق الأهداف التي يسعى إليها، وغالباً ما تميد به الأرض ليسقط خاوياً. البعض من هؤلاء قليل الأثر في الأحداث، والبعض الآخر يمكن أن يتسبب بوقوع كوارث عواقبها على المجتمع. سأحاول هنا طرح نموذجين لشخصيتين عراقيتين بارزتين في هذا الشأن.

   النموذج الأول: د. أحمد الجلبي

   قبل فترة وجيزة مات الدكتور أحمد الجلبي مبكراً، وكان الرجل مليئاً بالطموحات ويسعى إليها بطريقته الخاصة. عاش الجلبي بولاءين: ولاء للبرالية الجديدة، وولاء للطائفية الجديدة جرَّه إلى الولاء والتوافق مع سياسيات اللبرالية الجيدة الأمريكية, وولاء الطائفية السياسية جرًه إلى التوافق مع السياسات الإيرانية على صعيد العراق بشكل خاص. هذا النهج الثنائي أبعده كلياً عن العلمانية والديمقراطية، وجعله يدور بين مدينتي "نعم" و "لا"، ففقد الأرضية التي يقف عليها وأضاع مصداقيته عند الشعب. لم يمنحه الشعب الأصوات الكافية للفوز في الانتخابات العامة الأخيرة، بل دخل المجلس النيابي لوجوده في قائمة المجلس الإسلامي الأعلى.

   لقد احتضنته إيران قبل الحرب العراقية الإيرانية، وكان يسعى لأن يكون وسيطاً بين إيران والولايات المتحدة، كما احتضنته الولايات المتحدة لأنها كانت تريده أن يكون المسوق للحصار الاقتصادي الدولي الذي دام 13 سنة ودمر الشعب العراقي وليس الحكم الدكتاتوري، وكذلك المسوق للحرب ضد الدكتاتورية الصدَّامية، وحين اصطدمت مصالحها بموقف الجلبي من الاحتلال لفظته وجعلته بعيداً عن التأثير في أحداث العراق. وما تأسيسه للبيت الشيعي إلا محاولة جادة للتقرب إلى المرجعية وإيران على نحو خاص واستجابة لرغبة الولايات المتحدة في تشتيت وحدة الشعب وإشاعة الصراع"السني - الشيعي" بالبلاد.

   لم يجد الجلبي أمامه إلا التفتيش عن موضوع يستطيع به كسب تأييد الناس فكان الفساد المالي كنظام سائد ومعمول به بالعراق وتمارسه السلطات الثلاث بصيغ وأساليب وأدوات مختلفة. لقد فقد الجلبي ثقة إيران به لعلاقته بالولايات المتحدة، وفقدت الولايات المتحدة الثقة به لعلاقته بإيران, وفقد ثقة الشعب العراقي لعلاقته بإيران والولايات المتحدة وليس بالشعب العراقي. وسيبقى الناس يتساءلون عن ثروته ومصادرها!

   النموذج الثاني: حيدر العبادي

   ينتمي حيدر العبادي إلى حزب سياسي طائفي بامتياز ومارس حزبه الطائفية السياسية بكل أبعادها وما يزال، وكان جزءاً من المحاصصة الطائفية في الحكومة التي شغل حقيبة فيها وهو الآن رئيس وزراء ضمن المحاصصة. وكان المسؤول المالي في حزب الدعوة، ومرت عليه كل أسرار النهب والسلب ولم يرفع صوته ضدها، بل تركها تمر، ولهذا يعتقد البعض إن أيديه ملطخة بالفساد المالي أيضاً، ولست ممن يعرف حقيقة أمره!

   العبادي يعيش ولاءين، أحدهما راسخ فيه كعضو في حزب الدعوة، وهو في قيادته. والولاء الطائفي يعني ضد العلمانية وضد الديمقراطية كنهج فكري وسياسي لحزب الدعوة ويمثله في ذلك نوري المالكي وبطانته، ولا يمارس حزب الدعوة الديمقراطية إلّا أداة للوصول إلى الحكم، كما عبر عن ذلك زميله في قيادة حزب الدعوة علي الأديب. والولاء الجديد الذي أعلن عنه حين أصبح رئيساً للوزراء بأنه سيعمل لبناء دولة مدنية. والدولة المدنية لا تبنى إلا بعقول علمانيةً وديمقراطيةً ومناهضة للطائفية السياسية وضد وجود أحزاب سياسية دينية تريد بناء دولة دينية تعتمد الشريعة. فكيف يمكن لمثل هذا الشخص أن يقود عملية التغيير حين تكون قدمه الأولى راسخة في حزب الدعوة، وقدمه الأخرى متأرجحة في الجانب الآخر. هل يمكن أن يقال عنه أنه يعيش بين مدينتي "نعم" و "لا" كصاحبه الجلبي، وكما يعبر عنه بالعراقي "لا حَضَتْ برجيله ولا خَذَتْ سيد علي!"؟ إنه يخشى حزبه ويخشى عليه وعلى تحالفه، وهو يريد استمرار التظاهرات ولكن لا يوفر لها الحماية ولا يستجيب لمطالبها! حصل علي تأييد محلي ودولي واسعين فتردد وتراجع، ففسح في المجال ما يكفي لهجوم مضاد من أغلب رفاقه في الحزب، وعلى رأسهم المالكي، هم أعداء التغيير!

   وهو إذ يطرح من هم مع التغيير يخشى أن يسمي من هم ضد التغيير. ومثل هذه المواقف لا يمكن أن تلبي مطالب الشعب ولا تقود إلى النجاح. إن خسارة المعركة مبرمجة سلفاً إن استمر بهذين الولاءين: ولاء لحزبه ومن هم فيه من أعداء التغيير على حساب الشعب، وولاء ضعيف ومهزوز لمن يريد التغيير. وسيفقد المعسكرين لأن الأول يريد منه التخلي عن التغيير أو إزاحته، ويرى فيه المتظاهرون إنه عاجز عن أي تغيير حقيقي رغم النداء الذي وجهه للشعب العراقي وأكد إصراره على عملية التغيير وإقامة الدولة المدنية!

   لا يمكن للمجتمع أن يتحمل الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة والمتفاقمة، فهي مجهدة للإنسان والمجتمع وللمقاتلين ضد عصابات داعش. ولا بد من حسمها، ولكن أعداء التغيير يملكون من الأسلحة ما يمكنهم بها إعادة الأمر إلى نقطة الصفر، فهل ستسكت قوى التغيير لترى نهاية الأمل بالتغيير أم سينشأ ما يغير التوازن لصالح الشعب وضد أعداءه؟

  كتب بتأريخ :  الخميس 19-11-2015     عدد القراء :  3114       عدد التعليقات : 0