الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
بعد الاعتراف الرسمي بالفساد \"المتراكم\":ألا يحق القول اننا مواطنو دولة حواسم وعلاّسة..؟!

استمعت ممتعضاً، مثل كل مواطنٍ يحمل ضميراً حيّاً، إلى ما قاله رئيس مجلس الوزراء السيد العبادي حول الفساد "المتراكم" والإعترافاتٍ التي تتالت من وزراء مفوّهين، مثل السيد إبراهبم الجعفري المسؤول الأول في التحالف الوطني الحاكم وغيره من أولي الأمر.

وليس في ما قيل ثمة جديد، فقبلهما ظل السيد نوري المالكي، وكأنه "القابض على الجمر" يردد بمناسبة ودونها، ما يؤكد إستشراء الفساد في كل مفاصل الدولة، غير مترددٍ عن وضع بعض "الحروف الناقصة" على أسماء قادة كتلٍ ووزراء ومسؤولين  كبار يحتلون مواقع نافذة في الرئاسات الثلاث ، بوصفهم رأس الفساد والنهب وتخريب الذمم .

وفي أول إطلالة للسيد العبادي، بعد تسنمه الرئاسة، حدّد بوضوحٍ وتفصيل توجهاته البرنامجية للتصدي للفساد وقطع دابر الفاسدين دون هوادة، معتبراً هذه المهمة، أولوية لا تعلو عليها أي مهمة "للاصلاح" غيرها. وكان بذلك التشخيص وتحديد موقع اجتثاث الفساد من عملية الاصلاح قد أصاب كبد الحقيقة أو عينها..!

وقد يتذكر مَنْ أطلع على حواره الأول في جريدة "المدى"، أنه سيتبنى شعار "من أين لك هذا؟" ويُقنوِنه، وسيطلب السيرة المالية لكل رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال والبنوك والمتعاملين في المقاولات والتجارة والاستثمار مع الوزارات ومؤسسات الدولة، ويراجع أصول الأموال ومصادر الغنى الفاحش، والتعاملات وطبيعتها وما يترتب على ذلك من فسادٍ إداريٍ ومالي وضلوعٍ وتواطؤْ من رجالات الدولة والموظفين الكبار .

وفي سياقٍ متصل، حدد السيد العبادي في توجهاته الإصلاحية المفترضة طائفة من الكاشفات لأوجه الفساد في الدولة التي تتحمل مسؤولية استشرائه و"تفريخه" أنماطاً مستحدثة من فسادٍ صالحٍ للتعميم والتصدير. ومن بين تلك التدابير الالتزام بنشر المناقصات والعقود والاستثمارات بتفاصيلها في موقعٍ خاصٍ بالدولة، ونشر السيرة المالية للمتقدمين ومصادر أموالهم والجهات التي يتعاملون معها. ولاستكمال حلقات مطاردة الفساد والحيلولة دون استمراره، مراقبة المتعاملين في النشاطات المالية مع الدولة ودرجة قرابتهم مع كبار المسؤولين في الحكومة والكتل المتنفذة .

أكاد أجزم أن شيئاً من هذا لم يتحقق، مستدركاً أن هذا الجزم لا يعني إدانة للعبادي، بل محاولة لجس نبضه، ولدعوته الى التوقف عند أسباب عدم قدرته على انجاز توجهاتٍ وعد بها. ولعل في هذا التنبه ما يساعد على كشف المستور من حراكٍ لقوى الجريمة السياسية المنظمة وذيولها في أجهزة الدولة. بل أنها في بعض جوانبها تفاقمت حتى صارت ظاهرة متسيّدةً، يراها المواطن دون مشقة كبيرة .

أمامي الآن الفصل الثاني من وثائق فساد المصارف الأهلية ومزاد البنك المركزي، سأدفعها للنشر في صحيفة وفضائية "المدى" ووسائل المؤسسة الأخرى. وسيرى السيد العبادي والمواطن المهموم برواتب الأشهر القادمة التي قد لا تصله، أرقاماً ووقائع دامغة مثيرة على ما وصلنا اليه من إنحدار وتردٍ وضائقة مالية، نكاد معها لا نجد من نستدين منه أو من يغريه إقراضنا، فتفكر رئاساتنا الثلاث  ببيع عقارات الدولة المتصدعة.! وهي لم تفكر قبل الإقدام على هذه الخطوة ، اتخاذ قرارٍ رئاسيٍ يلزم قادة الكتل والأحزاب المتنفذة باخلاء عقارات الدولة الفسيحة التي تبلغ قيمتها اضعاف قيمة ما يُراد لها ان تباع به، أو إلزامهم بدفع أثمانها شرط إعلان أقيامها ومساحاتها ومواقعها على شبكة التواصل للحيلولة دون "فرهدتها" . كذلك إتخاذ قرارات باعادة الأملاك المنهوبة التي حُولت الى جامعات ومقار وسوى ذلك، بإيجار بخس طويل الأمد خلافاً للقانون، أو بالشراء بتسعير المتر بسعر كيلو البطاطا! وما جرى في بغداد أمام أنظارنا يفقأ العين، فكيف هي الحال في المحافظات بعيداً عن العيون والرقابة، كما في النجف وكربلاء وأراضٍ مقدسةٍ مباركة ..!

وقد يحتاج السيد العبادي الى جسارة "مصلحٍ إمامي" تيمناً بابي ذر الغفاري والائمة المباركة ذكراهم، فيبدأ بإخلاء مطار المثنى الذي يتخذه حزبه مقراً رئيسياً له، ويخلي القصور والعقارات الكبرى التي تحتلها القيادات الحزبية التي توالت على كراسي الحكم.

وليس أقل شأناً تشكيل لجنة علياً منزّهة عن الغرض، خارج دائرة المحاصصة لتقييم العقارات التي بيعت للقيادات والكوادر وإعادة النظر في أقيامها وأقساطها، ومنها عقارات تم شراؤها "كرشوة سياسية" في إطار شراء الذمم، وتباع الآن بعشرة أضعافها خلافاً للقانون.

قبل أن يُقدِم رئيس مجلس الوزراء على اعلان حُزمة إصلاحات جديدة، عليه أن يعيد تقييم الحزم السابقة ومدى تأثيرها وجدواها في عملية الإصلاح والتغيير، فعملية تقليص الوزارات التي كان يُراد منها "ترشيق" جهاز الدولة البيروقراطي المتضخم، إنتهت الى الابقاء على الجهاز كما هو، وحافظت على رواتب الوزراء، باستثناء ان الواحد منهم أصبح "وزيراً سابقاً "وبعض الوزارات التي دُمجت ضاعت كفاءات بعضها، وهي كفاءات كلّفت الدولة أعباءً مالية كبيرة .

إن سؤالأً محيّراً يدور في ذهني وأنا أتابع مسلسل الفساد وتضخم عبئه على البلاد وإعادة إنتاجه، أين هم من هذا الذي يجري؟ أعني أبطال ظاهرة "الحواسم" و"العلاسة" و"الصكاكة" الذين نهبوا البنوك والمصارف وممتلكات الدولة المنهارة .

كيف للمئات من هؤلاء "الابطال" الذين أصبحوا بين ليلة وضحاها سادة القوم يعبثون بالمال المنهوب، ويتسللون بين الناس، دون أن يتعرفوا على  ماضي أحد  منهم ..؟ وهو ما حدث بالضبط لآلاف الجلادين الذين سامونا العذاب وبَثت القنوات افلام ما قام البعض منهم، ذبحاً وتفجيراً للمعتقلين، إذ ذابوا في الإحزاب والكتل بعد أن غيّروا سحناتهم وأطلقوا لحاهم، وتكلفوا  بـ "شٓيّ" جباههم بالبطاطة، علامة ورعٍ وسجود!

هل صار علينا أن نتلفت بإمعان ونبحث عن حواسم وعلّاسة وصكاكة في "زواغير" دولتنا اللادولة وبين قادتها ووزرائها ..!

ألا تستحق الظاهرة لجنة وطنية عليا للبحث عن هؤلاء وكشفهم في إطار حُزَم الاصلاح والتغيير؟

  كتب بتأريخ :  الأحد 31-01-2016     عدد القراء :  2919       عدد التعليقات : 0