الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
مزاد البنك المركزي وآلياته.. الطريق الأقصر لتصبح مليارديراً..!

ليس إتهاماً متعمداً مقصوداً للقيّمين على البنك المركزي، لكنه مجرد ضوء على ما أدى اليه المزاد اليومي للبنك من غسيل للاموال وتهريبها والإثراء الآمن للصوص المال العام وإضعافٍ لدور المصارف في التنمية وتطوير البنى التحتية ودعم مشاريع الإعمار. وقد تكون هذه الإضاءة قاصرة عن كشف الآليات الإقتصادية التي تحفز على هذا المزاد وعلاقته بالحفاظ على قيمة الدينار أو خلق توازن في التجارة البينية، أو أي مفعولٍ إقتصادي يرتقي بالناتج الوطني ويثريه. لكن المتداول في الأوساط المالية يؤكد على أن هذا المزاد اليومي للبنك المركزي فريدٌ من نوعه في العالم ليس له ندٌ ولا شبيه.

والوثائق التي ستنشرها "المدى"، بعد أن جرى التوثق منها، تكشف الأساليب التحايلية الساذجة التي يعتمدها "حواسم" البنوك والمصارف الأهلية في الإلتفاف على مزاد البنك المركزي وتحويله الى أبرز وسيلة لنهب المال العام وتهريب العملة الصعبة وتبييض الأموال المشبوهة. وقد أدى هذا المزاد الى نقل العديد من الهامشيين في المجتمع الى مراكز القرار في إدارة السوق الموازية أو البديلة التي تخلق آليات التحكم بأسعار العملة وتوجيه و"تنظيف" مستنقعات الفساد المالي والإداري، وإشاعة ثقافة الرشى والتجارة من الباطن مع صغار المسؤولين في الدولة وكبارهم من المتنفذين. وفي رفّة عين وإغماضتها تحوّل البعض من كسبة وأصحاب بسطات الى أصحاب مليارات، ليس بمعزلٍ عن التصاهر مع ميليشيات مسلحة ومكاتب قادة لامعين في العملية السياسية وابنائهم ومن ذوي القرابة الأولى في أعلى مراكز الحكومة لمن بيدهم الأمر والنهي وتصريف الأمور دون رادعٍ أو رقابة !

فاذا كانت " البسطة - الجنبر" وسيلة لمثل الإثراء الذي أشرت اليه، فهل يمكن الشك بدور خفيٍ لـ "الحواسم" الذين إستطاعوا خلال ساعات أو أيام نهب خزائن البنوك والوزارات وقصور الطاغية وأفراد عائلته ورجالاته، وبينهم القتلة والمجرمون أيضاً  الذين أطلق سراحهم صدام حسين عشية إسقاط نظامه وإحتلال بغداد؟

ومن "مآثر" المزاد أنه مكّنٓ هؤلاء الذين اصبحوا  زبائن دائميين  لعملياته من ابتداع وسيلة بسيطة لا تحتاج الإ  لتواطؤ مع أدارات مصارف وبنوك أو بعض موظفيها المتنفذين، تسهّل لهم سحب شيكاتٍ بمليارات الدنانير من حسابات وهمية أو ضعيفة والإستفادة من الفترة التي تستغرقها المقاصة بين البنوك، وهي بضعة أيامٍ تكفي لإيداع مبلغ الشيك في الرصيد المكشوف أو الوهمي. وبهذه الوسيلة يتم شراء ملايين الدولارات بسعر المركزي وبيعها في السوق والإستفادة من فرق السعرين! وقد يُقال أن البنك المركزي يشترط بيع الدولار للزبائن  من التجار والمستوردين بفارقٍ لا يزيد على عشر نقاطٍ عن السعر المباع في المزاد! ولكن كيف يتحقق ذلك إذا كان المصرف المشارك في المزاد هو المستفيد عبر شركات صيرفة وتجارة وهمية أو شريك في الرأسمال المتداول مع أصحاب رؤوس أموال وتجار؟ كيف لمثل أصحاب هذه المصارف أن "يتحصنوا " أمام إغراء ربحٍ وفيرٍ يقفز بمحافظهم المالية عشرات الأضعاف كل يوم ؟

ولتبسيط دورة حركة رأس المال بين المقاصة التي يعتمدها زبون المزاد، وما يحصل عليه من فروق، نذكر مثلاً بالأرقام، حتى على إفتراض أنه لم يتحايل عبر رصيد وهمي أو مقاصة مكشوفة. ولنفترض أنه يشترك يومياً بالمزاد بما يساوي مليون دولار ويحصل على فرق بين سعر الشراء من المزاد والسعر المحدد من المركزي " عشر نقاط "، أي عشرة ملايين دينار عن كل مليون دولار. وكم هي حصيلة المشاركة بما يساوي عشرة ملايين دولار؟ الربح سيبلغ مئة مليون دينار يومياً مضروباً بستة ايام في الاسبوع  وأربعة أسابيع ؟ ستكون الحصيلة  الشهرية ستكون مليارين واربعمائة مليون دينار!

لكن ما يجري في الواقع ليس كذلك، فبيع الدولار يتم عبر شركات التحويل والصيرفة والتجارة بفارق  ثلاثين نقطة وأحياناً ستين نقطة وفقاً للتلاعبات بأسواق العملة التي يتحكم بها حواسم المزاد، ما يعني ان حصيلة شهر واحدٍ من عملية شراء لمصرف الهدى أو الشرق الاوسط أو الشمال أو مصارف اخرى سترد في الوثائق تبلغ سبعة مليارات ومئتي مليون دينار ..!

خلال عام ٢٠١٤ بلغت كمية الدولار المشتراة من مزاد البنك المركزي الأرقام التالية :

١ - أربيل للإستثمار - ٠٠٠  ٣٧٥  ٠٣٢ ، ٤ مليار دولار  

٢ - الهدى - ٠٠٠  ٦٨٠  ٩٠٩ ، ٣ مليار دولار

٣ - الإقليم التجاري - ٠٠٠  ٥٨٤  ٣٩٤ ، ٣ مليار دولار

٤ - التنمية الدولي - ٠٠٠ ٧٣١  ٣٨٢ ، ٣ مليار دولار

٥ - سومر التجاري - ٠٠٠ ٥٤٣  ٣٠٢ ، ٣ مليار دولار

٦ - الإستثمار العراقي - ٠٠٠0 ٧٤٣  ٢٩٨ ، ٣ مليار دولار

٧ - الخليج التجاري - ٠٠٠  ١٤٢  ٢٢٥ ، ٣         ملياردولار

٨ - الوطني الإسلامي - ٠٠٠ ٨٤٠  ٦١١ ، ٢ مليار دولار

٩ - آشور الدولي - ٠٠٠ ٣١٧  ٤٩٣ ، ٢ مليار دولار

١٠ - المتحد للإستثمار -000 .330.٩٣٤ .٢ مليار دولار

ولنحتسب الفوائد التي جنتها المصارف والبنوك من المزاد، حتى إذا افترضنا انها إشترت بمالٍ نظيفٍ وباعت بالسعر المحدد من المركزي. لكن الوقائع تشير الى أن اغلبيتها لم تلتزم بذلك، بل أنها من خلال اصحابها أو اعضاء مجالس إدارتها دخلت في المزاد وخلفها شركات صيرفة وتجارة "وهمية" مملوكة لاصحاب المصارف او اعضاء مجالس الإدارات.

وما لا يتسلط عليه الضوء، أن الأضرار الفادحة لا تقتصر على النهب "المشروع " للاموال لصالح حفنة من اصحاب المصارف ومحلات الصيرفة المشتبه بها ، بل أدت الى " تشوّه " تدريجي لوظيفة البنوك والمصارف، والتي يُفترض دخولها في الدورة الاقتصادية للبلاد كمنشطٍ لمشاريع الإستثمار والإعمار، عبر القروض الميسّرة  وفقاً لقواعد " الأمان " المحددة من البنك المركزي ، وضمان أرصدة المودعين .

وقد توقفت هذه الأنشطة أو كادت، بعد ان صار الربح الوفير المضمون من مزاد البنك المركزي، مغرياً كبديل عن أي نشاط وظيفي لها.

ومن أخطر المظاهر المرتبطة بهذا النسق من النشاط المشوه، بعيداً عن رقابة البنك المركزي  "الضامن للودائع " وسلامة السياسة المصرفية، عبث اصحاب البنوك والمهيمنين على إدارتها بالودائع، وتوظيفها في السوق بشراء مصانع وشركات وأسهم مجزية وعقارات، والتغطية على تلاعبها باعطاء قروضٍ بضماناتٍ وهمية أو وفقٍ تقييمٍ لا يغطي عُشر القروض.

ومن الامثلة الصارخة على إضاءة عمليات مزاد البنك المركزي  إستمرار مشاركة مصرف الشمال في المزاد اليومي، في وقتٍ يعجز فيه المصرف عن صرف مستحقات المودعين، دون أن تتحرك إدارة المركزي لإتخاذ أي إجراءٍ يحفظ حقوقهم .

في رده على المظاهر العابثة لمصارف وبنوك، أعلن البنك المركزي انه عاقب المصارف المخالفة عبر "المحاكم" بالزامها بدفع غراماتٍ مالية مجزية !

والحال أن ما يدور حوله الحديث، أن ما قامت به المصارف المعنية لم تكن مخالفات مالية، وأنما عمليات إحتيال وتزوير وثائق رسمية وتهريب وتبييض أموال وتقديم شركات وهمية وغير ذلك مما يستوجب عقوبات رادعة بالسجن طويل الأمد ومصادرة ألاموال .

والسؤال الذي يتردد بين خبراء في المال والتجارة والإقتصاد: لماذا لا يُعاد العمل بقانون "التحويل الخارجي" الذي كان معمولاً به في عهد النظام السابق، وهو ما يتطلب تنظيم النشاط التجاري الخارجي، والقضاء على رؤوس الفساد والمسببين له، وخصوصاً في الأجهزة المالية الحكومية والخاصة، وفي مقدمتها المصارف وشركات الصيرفة والتحويل المالي؟

(للمقال صلة بالوثائق المشار اليها التي ستنشرها "المدى")

  كتب بتأريخ :  الإثنين 01-02-2016     عدد القراء :  3009       عدد التعليقات : 0