الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
عندما دقّ جرس الإنذار لم يجر استيعاب الخطر.. واليوم ندفع الثمن؟!

التاريخ هو المرآة ومن تجاربه الغنية التي أنتجها الإنسان فرادي أو مجموعات ممكن الاستفادة والانتفاع والتقليل من المخاطر أو تسجيل انتصارات ونجاحات في أكثرية المضامير الحياتية، ومن المعلوم أن كل أرجاء المعمورة تقريباً وبخاصة المدن والمناطق المأهولة بالسكان لدى حكوماتها غير المعتدية قاعدة للإنذار أو ما يسمى إطلاق صافرات الإنذار، وقد تكون هذه الصافرات ذات أصوات قويه تحذيرية أو دعوة إعلامية في وسائل الأعلام المرئية والمقروءة لكي يتم التحذير وتٌهيؤ المواطن لمواجهة ما سيحدث له من مخاطر وحثه إلى إيجاد الطرق والأساليب لتحاشي الخطر القادم أو نهاية الخطر، ويعنى بذلك استعدادات ومواجهات أمنية أو قضايا تخص المسائل العامة كالكوارث الطبيعية، مثلاً غارات جوية من قبل الطائرات الحربية، استعدادات عسكرية للانقضاض على المناطق من خلال تقدم فرق أو أفواج عسكرية مدرعة أو ومشاة للاحتلال، أو التحذير من فيضانات نهرية أو عواصف بحرية، أو زلازل أو براكين وقد تكون إنذارات حول حرائق خطرة تهدد بأنها سوف لا تبقي ولا تذر، وقد يُنذر من وباء يصيب السكان وحتى الحيوان والنبات ...الخ وهذا التهيؤ على مستويات وحسب نوع الحدث أو الكارثة وبخاصة إذا كان الإنذار يخص حياة البشر حاضرهم ومستقبلهم.. من هذه المقدمة الفقهية!! ندخل إلى الموضوع الذي نحن بصدده والذي كلف العراق والشعب العراقي خسائر بشرية لا تحصى ومادية بالمليارات من الدولارات ودمار واسع النطاق وخراب أخلاقي واجتماعي نعيشه في كل لحظة بسبب الحروب الداخلية والخارجية وأخيراً وليس آخراً الاحتلال الأجنبي وما نلمسه من تداعيات في العملية السياسية واحتقان طائفي وقومي وتدخلات من قبل دول الجوار وحرب داخلية جديدة بسبب تنامي قوى الإرهاب وفي مقدمتها القاعدة وما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام " داعش" وهيمنة غير طبيعية من قبل ميليشيات طائفية مسلحة متنافرة تبشر بحروب فيما بينها أو حرب أهلية على نطاق واسع.. نعم لندخل في صلب الموضوع الذي ضرب اطنابه المأساوية كل مرافق الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية منذ انقلاب ( 8 شباط الدموي عام 1963 ) إي منذ حوالي ( 53 ) عاماً وحتى اللحظة الراهنة بسبب عدم استيعاب الإنذار الذي سبق أن أطلق قبل حدوثه، ذلك الإنذار الذي أشار بكل وضوح إلى مؤامرة تحاك في الظلام للإجهاز على ثورة ( 14 تموز 1958 ) ومجيء قوى الردة الظلامية المتكونة داخلياً من جبهة القوى القومية وحزب البعث وبقايا أيتام النظام الملكي والرجعية والإقطاع والمدعومة خارجياً من قبل الجمهورية العربية المتحدة ( مصر وسوريا ) والقوى الرجعية العربية والدول المجاورة وطبعاً على راس هذا التجمع المريب والمحرك الأساسي والداعم بشكل مباشر وغير مباشر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المعسكر الرأسمالي الغربي وكانت ساعة الصفر في اغتيال الزعيم الركن الوطني جلال الاوقاتي مما يظهر ديمقراطية الولايات المتحدة الأمريكية وتطبيلها حول حقوق الإنسان التي قال عنها علي صالح السعدي احد قيادي حزب البعث العراقي " إننا جئنا إلى الحكم بقطار أمريكي عام 1963"

ذلك الإنذار الذي تجلي في بيان الحزب الشيوعي قبل فترة قصيرة من الانقلاب وبالضبط في ( 3 كانون الثاني 1963 ) حيث حٌذر عبد الكريم قاسم من انقلاب يعد وذكر له ذلك بالمعطيات الملموسة والأسماء حتى أن عبد الكريم قاسم كانت لديه المعلومات نفسها وقد القي القبض على بعضهم ومن بينهم خالد الهاشمي عضو المكتب العسكري لحزب البعث وقائد كتيبة الدبابات التابعة للفرقة الرابعة المدرعة التي كانت تعد الأداة الأولى لتنفيذ الانقلاب العسكري، وفي حينها نقل عن اعترافات خالد الهاشمي التي شملت أسماء البعض من ضباط الكتيبة المذكورة ولسنا معنيين بذكر الأسماء الأخرى وحيثيات الانقلاب الدموي بقدر ذكر حقيقة ما زالت ماثلة أمام الشعب العراقي و ستكون أمام الأجيال القادمة مسجلة في عمق التاريخ بكل أمانة وصدق.. بان الإنذار كان من المفروض عدم التقاعس معه وأخذه بشكل جدي ومسؤول ووضع كل الإمكانيات باعتباره إنذار أمني وعسكري كما هو الإنذار في الوحدات العسكرية، لكن للأسف أن ما حدث للإنذار المبكر والسابق لانقلاب ( 8 شباط الدموي 1963 ) عدم إعارته أهمية فائقة والالتزام بحرفيات الدفاع على الأقل عن النفس ليس بشكل شخصي فحسب بل عام يخص الشعب ومستقبل البلاد، وكما ما أشير له وعلى لسان العديد من الضباط الوطنين والشيوعيين والديمقراطيين أن " الجيش العراقي كان يحوي على أكثر من 1500 شيوعي " عدى عن المخلصين لثورة 14 تموز من قاسميين ووطنيين مخلصين وهم يعدون بالآلاف بينما أقطاب المؤامرة الفعلين عبارة عن بعض مئات إضافة إلى الحرس القومي الذي قام باغتيالات صبيحة الانقلاب الدموي وانتشر البعض منهم على سطوح الأبنية في شارع الرشيد وهم يطلقون الرصاص من رشاشات بور سعيد التي قدمها نظام الجمهورية العربية المتحدة على الجماهير المنتفضة والمظاهرات الحاشدة بالضد من الانقلاب وما نقل عنها من ضحايا عديدة وإصابات مباشرة للكثير من المواطنين غير المسلحين والمتظاهرين سلمياً.. لو اخذ الإنذار بحمل الجد وبقى المسؤولين في الجيش في ثكناتهم لا تغمض لهم أعين والطيارون على أهبة الاستعداد في قواعدهم! ، لو كان الإنذار حافزاً قوياً للانتباه وبقى محاطاً بالحذر والجاهزية والوعي الثوري لما حصل ما حصل من مجازر مرعبة بحق الشعب العراقي ومنعت بالتأكيد المآسي التي مرت على العراق من دكتاتوريين ومجرمين وسجون واعتقالات وإعدامات وحروب كارثية حتى وصلت النتائج التي تمخضت عن ذلك الانقلاب الرجعي الدموي إلى احتلال العراق وهروب أقطاب النظام الدكتاتوري وفي مقدمتهم الدكتاتور صدام حسين الذي القي عليه القبض في حفرة ثم اعدم كأي مجرم في جريمة جنائية، نقول لو! تعامل المخلصين في الجيش العراقي وغيرهم بمسؤولية الحذر والرد السريع لكانت النتيجة قد تغيرت بكل تأكيد.. ونحن اليوم نرى النتائج الوخيمة وباعتقادنا لو قدر أن جرى التصدي لانقلاب 8 شباط 1963 الدموي الرجعي المدعوم من القوى الرجعية المحلية وحلفائه من الاستعماريين وعدم السماح لتلك الزمر المجرمة باستلام السلطة في العراق لكانت الأمور أفضل مما هي عليه ولما جاء النظام البعثفاشي مرة أخرى بانقلابه الأمريكي الإنكليزي المعروف ( 17 تموز 1968) ولما كان تأسيس نظام دكتاتوري فاشي دمر الشعب بسبب سياسة البطش والسجن والاعتقال وحجب الحريات الشخصية والعامة وقيام حروب داخلية وبالذات ضد الشعب الكردي في العراق ولا قامت الحروب الخارجية مع إيران واحتلال الكويت والحروب في مجابهة الولايات المتحدة وهزيمة الجيش العراقي وخروجه من الكويت ثم الحرب الأخيرة التي أدت إلى إسقاط النظام الدكتاتوري واحتلال العراق ثم تسليم السلطة إلى أحزاب الإسلام السياسي على أسس المحاصصة الطائفية والقومية الضيقة وظهور الإرهاب بكل أنواعه من ( القاعدة ) وحتى استكمل بالدولة الإسلامية في العراق والشام " داعش " ثم قيام ميليشيات طائفية مسلحة قديمة أسست في إيران مثل فيلق بدر وجديدة بالهيمنة على الشارع واستغلال الحشد الشعبي والاختباء تحت مظلته ومظلة المرجعية الدينية في النجف وبما تقوم به من إرهاب وتخويف وتجاوز وخلق الفتن لجر البلاد إلى حرب أهلية طائفية ثم ما يجري الآن من حرب في المحافظات الغربية والوسط وتداعي الأمن في أكثرية محافظات العراق..

هكذا يعيد التاريخ المأساة وان كانت الأدوات غير الأدوات القديمة والإنذارات تختلف في الشكل عن ذلك الإنذار القديم، وما يسترعي الانتباه أن هناك إنذار حقيقي أطلق من قبل القوى الوطنية والديمقراطية وفي مقدمتهم الحزب الشيوعي العراقي وجميع المخلصين الشرفاء في العراق وحتى خارج العراق، الإنذار يعلن " الحذر ثم الحذر والحذر ثم الحذر " من المحاصصة الطائفية والفساد المستشري ومخططات تجر البلاد إلى الحرب الأهلية الطائفية ومخاطر التقسيم، لعل الواعين في جميع القوى الوطنية استفادوا من إنذار الحزب الشيوعي العراقي قبل انقلاب ( 8 شباط 1963 ) واليوم يكرر هذا الحزب والقوى الديمقراطية التحذيرات وبتفاصيل أدق وبروح المسؤولية عن الشعب والوطن كي لا تتكرر المأساة بشكل آخر وبنتائج تدميرية أوسع لن تختلف عن الجوهر كثيراً ولا تختلف عن القتل والحرب والتدمير والشقاق وتدمير السلم الأهلي المريض أصلاً بالعديد من الأمراض! وكي لا يصبح التقسيم فرضاً بضياع العراق.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 08-02-2016     عدد القراء :  3591       عدد التعليقات : 0