الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
يوم السقوط الى الهاوية

هناك ايام مفصلية في تواريخ الشعوب ،منها مايصنع لها مكانة تحت الشمس ، وتبدأ نقطة الانطلاق لتتسابق مع الزمن نحو التقدم والرقي ، واُخرى تبقى المؤشر الذي بدأ منه الانحدار نحو الحضيض. وما ينذر بالدمار الذي لا طائلة من اصلاحه ، هو انحلال الذمم ، ومسخ العقول ، وتحوير مفردات الحياة اليومية من الشهامة والحرص على الواجب الوطني والامانة ، الى نقيضتاتها من تبني الفوضى ونسف ذلك الحس الراقي ، والتنصل من كل التزام اخلاقي ليسود التردي وانعدام الرؤيا حيث يسدل ستار ظلام دامس وليل لا اخر له.

الثامن من شباط عام ١٩٦٣جسد ذلك المشهد بامتياز ، يوم أوله نذير شؤم بدأت الغربان السوداء تحوم حول المدينة الغافية في احلام ثورة العمال والفلاحين ، ليمطروها بالموت والدمار والخراب ، وليمزقوا نسيجها الجميل وسمفونيتها الراقية ، الى زعيق لم يتعوّدها العراقييون . فها هو النشيد النشاز من دار الإذاعة يردد شعار داعش القديم ليتواصل مع شعار دواعش اليوم ، يؤذن بالجريمة ويدعو الى إلغاء كل مشاهد الحياة ليحل محلها ارهاب وقتل على الهوية .

ساعات يوم كئيب مرت متثاقلة اختلط فيها زعيق مذيع الانقلاب مع أزيز الطائرات المغيرة على وزارة الدفاع ، وتصفيق الجماهير عند مرور سيارة الزعيم عبد الكريم قاسم في منطقة البتاوين متوجها الى وزارة الدفاع ،نسمعها من سطح المنزل الذي كان قريبا من ذلك الشارع ، يراودنا الأمل بان ما يجري ليس الا كابوس مخيف ، خاصة عندما شاهدنا بعد ذلك الدبابات التي تحمل صورته مسرعة الى نفس الهدف .

نعم ، لقد تحول الكابوس الى حقيقة مرعبة ، لم يعد هناك حرمة ولا حصانة لأي شيئ، الأرواح ازهقت لأية وشاية ، الأعراض انتهكت لإشباع النزوات ، والسجون والزنزانات اكتضت بالأبرياء ، ولم تسلم القطارات ، وسيلة النقل الوديعة لتتحول الى وسيلة للموت ، ولا الملاعب التي أحيلت الًى معتقلات إضافية لازدحام السجون .

لم يعد هناك عراقي شريف لم يحفظ هذه الدراما الكارثية ، مرت الأيام لا تسمح لبصيص أمل ، من سيئ الى أسوأ ، من ماساة الى اخرى ، ومن حرب طاحنة الى اخرى ضروس ، الانسان مادتها ووقودها ، تحول من بانِ للوطن آلى اله لتدميره ، يأتمر باوامر الطغم الحاكمة التي غيرت كلما كان يؤمن به من وطنية واستعداد للتضحية ويقضة ضمير الى زجه في اوهام التعصب واتون الطائفية .

يوم زرعت فيه بذور الأنشقاق ، ووجهت الطعنات الى الظهور ، وترسخت عقيدة ان مت ضمآنا فلا نزل القطر ، يوم شرعت فيه أبواب الرحيل والهجرة هربا من جحيم لا يُطاق ، وفتحت اخرى لشذاذ الافاق من كل حدب وصوب ، يجربون حضوضهم في القتل والسبي والسلب لينالوا جائزتهم من حوريات الجنة .

وكلما نقلب في صفحات المأسي المريرة نرى فيها خيطا يرتبط بذلك اليوم الأسود ، يوم الثامن من شباط ، يوم أستبدل الكثيرون أقنعتهم القديمة باخرى تخفي وجوها كالحة، يقفون في مزادات تبيع الوطن بلا ثمن ، ليدشنوا لعهد استعمار فكري مدمر للذات العراقية ...يوم لا يمحى من الذاكرة العراقية على امتداد الأيام وتعاقب الأجيال ....يوم العراق الحزين ، الثامن من شباط اللعين .

  كتب بتأريخ :  الإثنين 08-02-2016     عدد القراء :  3387       عدد التعليقات : 0