الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
هل كانت العزلة المؤقتة للسيد السيستاني متوقعة؟

   حين وجهت رسالتي الأخيرة إلى السيد السيستاني، التي طرحت فيها أوضاع العراق الكارثية ودور المرجعية الشيعية في النجف فيها، كنت مدركاً لعدد من القضايا المهمة، أشير إلى بعضها فيما يلي :

   ** إن الرسالة ومضامينها موجهة بالأساس إلى الشعب العراقي، إلى أولئك الكادحين والفقراء والمعوزين والعاطلين عن العمل والمنهوبين برزقهم، وهم الأكثرية، من قبل النخب الإسلامية السياسية الحاكمة وأحزابها وكل المشاركين في الحكم، لأشير لهم بوضوح موثق إلى دور المرجعية الشيعية على نحو خاص في سقوط البلاد في الحضيض، في المستنقع العفن الذي حط فيه منذ إسقاط الدكتاتورية البعثية الغاشمة حتى الوقت الحاضر.

   ** وإن توضح الرسالة للمجتمع بأن المرجعية الدينية الشيعية أصبحت تدرك ثلاث حقائق مهمة في الوضع العراقي الراهن :

   1. إنها لم تعد قادرة في التأثير على قرار سلطات العراق الثلاث، وخاصة الحكام الذين أيدتهم بحرارة وزكتهم أمام جماهير الشيعة، لأنها لم تعد تنسجم مع مصالحهم ومواقعهم ودورهم ونهبهم المتواصل لأموال الشعب؛

   2. وأنها لم تعد قادرة على منافسة مرجعية علي الخامنئي بإيران، حيث بدأ حكام العراق الشيعة يقلدون ويأتمرون بأحكامه وفتاويه وليس برأي المرجعية الشيعية في النجف؛

   3. وإن الغالبية الشيعة المؤمنة لم تعد تقبل بكل ما تطرحه المرجعية الشيعية، لأنها تعيش يومياً نهب الأحزاب والقوى والشخصيات الإسلامية السياسية الحاكمة لأموال الشعب، ولأن مرجعيتها الدينية سكتت،كصمت أبي الهول،عن هؤلاء الذين نهبوا العراق ووضعوه في المستنقع الراهن وتسببوا في موت مئات الآلاف من العراقيات والعراقيين.

   ** وكانت الرسالة تهدف إلى القول: بأن تجارب التاريخ كلها تشير إلى أن الحكام يوظفون الدين وشيوخه لصالحهم ومصالحهم ويؤيدونهم إلى أن يستقر لهم الوضع ثم يلفظونهم، بل وهم على استعداد لعمل كل شيء من أجل الخلاص من شيوخ الدين حالما يشعرون بوقف تأييدهم لهم! كما هو حاصل الآن تقريباً!

   لم أفاجأ بموقف المرجعية الأخير، فهو في جوهره استمرار لتدخل الدين وشيوخه في السياسة، وكان السبب المركزي، مع قوى الاحتلال الغاشم، في ما وصل إليه العراق، إلى هذا الدرك اللعين. وإذا كانت المرجعية جادة في ما تريد أن تشعر الناس بأنها غاضبة على السياسيين من أتباعها، فكان عليها لا أن تتخلى عما مارسته طيلة الـ 13 سنة المنصرمة في ـتأييدها للحكام وأحزابهم الحرامية، بل كان عليها أن تدعو الشعب للانتفاض على هذه الزمر الخائبة التي تتحدث باسمها، لأن الظلم إن دام دمر، وقد دمر كل شيء خلال الأعوام المنصرمة وبدعم مباشر من المرجعية الدينية الشيعية، ومساعدة المؤسسات الدينية السنية وأحزابها اللقيطة التي لا تختلف عن الأحزاب الشيعية اللقيطة أيضاً.

   ما تزال المرجعية الدينية الشيعية تعتقد خطأ، أو تريد أن تعطينا الانطباع وكأنها تعتقد، بأن الحكم بالعراق بيد الطائفة الشيعية ويفترض أن لا تفقده (أخذناها بعد ما ننطيها، نوري المالكي). وهو خطأ فادح في أساس هذا التفكير أولاً، أي في أن يكون الحكم بيد طائفة وليس بيد الشعب ليعبر عن إرادة ومصالح الشعب كله، وفي الاعتقاد ثانياً بأن هذه القوى والأحزاب الإسلامية السياسية تعبر عن مصالح جماهير الشيعة، في حين إنها لا تمثل سوى نفسها ومصالحها الأنانية وليس مصالح الشيعة في مواجهة مصالح السنة!!!

   الصورة تبدو وكأنها تؤشر صراعاً بين جماهير الشيعة والسنة، والعرب والكرد، وفي حقيقته هو صراع على السلطة والنفوذ والمال، صراع على المصالح المباشرة للأحزاب الحاكمة الدينية والمذهبية، سنية وشيعية، والأثنية عربية وكردية!

   ** وأخيراً فأن رسالتي السابقة للسيد السيستاني تريد أن تقول للشعب العراقي بكل فئاته الاجتماعية ذات المصلحة الحقيقية في توفير مستلزمات التغيير، وليس الضحك على ذقون الناس باسم الإصلاح، الجماهير الشعبية المؤمنة بهذا الدين أو ذاك، أو بهذا المذهب أو ذاك، أو المنتمي لهذه القومية أو تلك، بأن عليه أن يأخذ الأمر بيديه ويخوض النضال ضمن الحراك الشعبي الجاري لتغيير ميزان القوى الراهن لصالح التغيير وأن لا ينتظر الفرج ممن كان السبب وراء ما يحصل بالعراق حتى الآن وليردد قول الشاعر التونسي :

   إذا الشعب يوماً أراد الحياة     فلا بد أن يستجيب القدر

   ولا بد لليل أن ينجلي            ولا بد للقيد أن ينكسر

  كتب بتأريخ :  الجمعة 12-02-2016     عدد القراء :  2880       عدد التعليقات : 0