الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
معايير النزاهة المنتظرة في كشف النقاب عن الفاسدين..

لا أحد يحسد هيئة النزاهة في ما ستواجهه، إذا ما توكلت على تنفيذ ما أُنيط بها دستورياً وقانونياً من مهمة إماطة اللثام عن لصوص المال العام وأدوات الفساد الإداري والمالي في "شبه دولتهم" المتصدّعة. فهذه مهمة وطنية بامتياز في هذا الظرف العصيب الذي تجتازه البلاد، بما تواجهه من وضع مالي متضعضع، ومن أعباء متعددة الجوانب، وهي تتصدى للإرهاب ومنازلة داعش التي تغتصب أجزاءً من مساحات الوطن، وتأسر بضعة ملايين من العراقيين في نينوى وبقايا من الأنبار.

والمعايير التي من شأنها تسهيل مهمة هيئة النزاهة، خاصة وهي تتصدى لـ"عتاوي" المافيات الواجهية، تجد تعبيرها في النزاهة، والموضوعية، وتجنّب الانتقائية ونزعة الانتقام بدوافع كيدية، والاحتكام إلى القانون وما يقتضيه من تحقيق العدالة.

ويصحّ في هذا المنحى التأكيد على مبدأ " المتهم بريء حتى تثبت إدانته "، والتشهير قبل التحقيق والمحاكمة وصدور الحكم يعتبر من باب الإدانة المسبقة، فهو يترك آثاره السلبية على المعني، حتى بعد ظهور براءته، ويجرّده من حضوره الاجتماعي، قبل السياسي، مما يتطلب أقصى حذرٍ وانتباه.

وفي أجواء الاحتقان والتربّص والشكوك المتبادلة التي تسود الحياة السياسية، قد يتحول الاتهام ضعيف الأسانيد إلى سلاح عكسي يضعف ذوي النوايا الإيجابية، ويقوّض التوجهات الهادفة لتجريف ظاهرة الفساد، والشروع بكشف الفاسدين وملاحقتهم، وتصفية مراكز نفوذهم في الدولة ومؤسساتها، ونبذهم اجتماعياً بوصفهم " عورة " وليس " وجهة نظر " في ظل مفاهيم الاقتصاد الحرّ وثقافته السائدة.

إن ظاهرة الفساد وأدواتها ومراكز نفوذها والوقائع الدامغة الدالّة عليها هي من الانتشار ومن الاتساع بمكان بحيث يجري تداولها بالأسماء والشوهد على ألسنة المارّة في البيوت والشوارع والمقاهي الشعبية، ولا تُخفى على أيّ مسؤول " نزيه" أو محدود التورّط في ارتكاب موبقات الرشى والإفساد، في مختلف درجات السلّم الوظيفي الحكومي، أو القيادي المقرر في الحكومة والعملية السياسية المكوناتية التحاصصية الكريهة.

والمشكلة التي قد تواجه هيئة النزاهة، ونحن نفترض من باب حسن النوايا، أنها جادّة وتمتلك الإرادة على خوض المعركة بأبعادها المختلفة وما تنطوي عليها من مخاطر وتحديات، تتمثل في المعايير والأولويات التي تحددها. ومن دون ذلك ستتخذ القضية أهدافاً قصدية محدودة، وبعداً زمنياً سرعان ما تبدده الكواليس، وتطويه التوافقات من جديد في أدراج النسيان أو تسجّل ضد مجهولٍ أو مخبرٍ مغرض.

إنّ حالة الإحباط واليأس التي تسود أوساط الرأي العام، هي قاعدة إيمانها، بعدم جدوى الرهان على القيادة السياسية التي تتحكم في إدارة البلد، وقدرتها على معالجة الخلل البنيوي في المنظومة السياسية، وتعبيراتها المفهومية، كمحاصصة وتقاسمٍ للسلطة، وإمعانٍ في كسر إرادة المواطنين، وهذه بمجموعها توجِد البيئة التي تشكل حاضنة الفساد وهدر ثروات البلاد، وتقويض مستقبلها، ووضعها في مواجهة تحدياتٍ وحالة من انعدام الرؤية وغموض التوقعات.

ورغم ما ستواجهه هيئة النزاهة من عقبات وتشكيك، على افتراض أنها كاملة الأهلية وشديدة العزم ولديها الوضوح الكافي حول المعايير المطلوب اعتمادها، فإن " كم " ملفات ووقائع الفساد، بكل مستوياتها، تمنحها مرونة في التحرك على تحديد وتشخيص المشتبه بهم، وخزيناً لا ينضب من " الإحداثيات" على الأهداف، وما يحيط بكل هدفٍ من شواهد وأدلة وبراهين،مسجلة صوتاً وصورة. وقد تنتفع الهيئة أيّما انتفاعٍ بالركون إلى الأدلة التي ساقها السيد نوري المالكي في مناسبات عديدة خلال دورتي حكومته، وكذلك العديد من الوزراء وقادة الكتل الذين لم تخل مناظرة لهم، أو إطلالة تلفزيونية أو حوار وطني رسميا من إداناتٍ لخصومٍ وقيادات ومن مسؤولي الدولة العتيدة.

ولكي تظل هيئة النزاهة في ساحة ملعبها الموصوف، ولتجنيب جهدها التبعثر والتبدد، أتطلع إلى أن تطوي الملفات التي تكدست لموظفين صغار، أو ممن لم تحالفهم حظوظهم العاثرة بالتصاهر مع رؤوس الفساد من الحواسم وقادة المافيات، فتورطت بقبول رشىً و"هدايا" نقدية أو عينية لم تتجاوز بضعة آلاف من الدنانير أوبضع مئات من الدولارات، غفلة منهم بأن مثل هذا السلوك ليس سوى " تيمّن " وتقليد للكبار من أصحاب التقوى، وإن كانت زائفة..!

أمام الهيئة ملفّ المصارف، وملف جهاز الكشف عن المتفجرات الذي بقي صاحبه حراً طليقاً مكرّماً. وأمام النزاهة ملفات الوزراء والقادة والنواب الذين صار الواحد منهم بين ليلة وضحاها من أصحاب الملايين والمليارات من الدولارات، ومن ملّاك الأطيان والعقارات والمصارف وشركات الصرافة والتحويل المالي..

فمن أين ستبدأ..؟

هذا هو السؤال

  كتب بتأريخ :  الأحد 21-02-2016     عدد القراء :  2913       عدد التعليقات : 0