الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
كتلة الفساد العابرة للأديان والطوائف...!

لم يكن اجتماع كربلاء لأركان التحالف الوطني "لَمْ شَمِل" كما أظهرته صورتهم وهم متراصّون حول المائدة المستديرة، وإنما إيذاناً بالتحوّل من " شلع" إلى " شلع قلع " كما قال السيد مقتدى الصدر في تصريحه المنشور أمس الإثنين.

ومن ضيق ذات يد العراقيات والعراقيين ونفاد صبرهم وانعدام وسائل خلاصهم ، بات الواحد منهم يقبل بـ " الشلع والقلع" وبما جادت به لغة الضاد الإعجازية من نحتٍ يُحذّرُ ويُنذر ولا يوفّر عاقبةً، وإن عجنت التراب بالعسل، والرمل بماء الورد ..!

وبدلاً من الخروج بتوافقٍ بين أصحاب الحل والربط في التحالف الوطني، يرسم خارطة طريقٍ لا يبدو فيها " ليّاً لذراع" زعيمٍ لصالح آخر، انبعث الدخان الأسود مُنبئاً بتقاطعاتٍ " تناحرية" ليس فيها ما يتجاوب مع الإرادة الشعبية الغاضبة ويستجيب لتطلعاتها التي ظلّت تُعبّر عنها منذ سنوات، إبّان حكم السيد المالكي المشدود إلى نزوعه في الانفراد السلطوي،  لتتجدد متصاعدةً  ومتحوّلة  من " تفويضٍ" سياسي وجماهيري لم يسبق له مثيل للسيد العبادي منذ دعوته إلى الإصلاح والتغيير، إلى تشكيكٍ وانتقاصٍ وإحساسٍ بالتقاطع بين الدعوة والتطبيق وما بينهما من  تردّدٍ وضعف تدبيرٍ مُخلّ، فحساب الحقل لم يُظهر تطابقاً مع  حساب البيدر.

يقول البعض إنّ مجرد كتابتي عن الإصلاح وما أفترضه من إمكانية، مهما كانت محدودة، في تحقيق أي قدرٍ منه، ما هو إلا إشاعة وهمٍ كاذب، بل وإسهام في تخدير الناس بإشعارهم كما لو أن المتنفذين الحاكمين، أو أي طرفٍ منهم جادٌ في تجاوز "حالته" والخروج من "جلده" والتنصل مما يفرضه عليه انتماؤه وأيديولوجيته وشبكة مصالحه. وإذا كان عليّ أن أقبل بهذا الرأي فليس أمامي وأمثالي من خيارٍ سوى الدعوة إلى " الثورة" وإسقاط النظام القائم وإعلان " الجمهورية الخامسة" ..!

ويقيناً أنّ دعوة السيد الصدر إلى "الشلع والقلع" ربما تنطوي على مثل هذه المقاربة، لكنها تفتقر إلى البيان الأول للثورة والمبادئ التي يتضمنها وبرنامجها للتحوّل من دولة أُمراء الطوائف إلى الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية  والقوى التي تشكل قيادتها، إذ ليس معروفاً حتى الآن سوى ما أعلنه من تشكيل لجنة استشارية تأخذ على عاتقها تسمية أعضاء مجلس الوزراء القادم وتقديمهم إلى البرلمان للتصويت عليهم، وإن لم يفعل فعاقبة من يرفض مواجهة الشعب. ولم أفهم حتى هذه اللحظة من أين تستمدّ هذه اللجنة شرعيتها، وكيف لها أن تتصدّر المشهد السياسي البديل، وأي مستقبلٍ ديمقراطي ودولة مؤسساتٍ مدنية بانتظار شعبنا، إذا كان علينا أن نُخيّر بين هذه الصيغة، المتقدمة شكلياً، وما توحي به من نزوعٍ نحو فرض صيغة غير واضحة المعالم، على ما ابتُلينا به من منظومة حُكمٍ طائفي، وهو ما يعني بلغة السياسة انفراد طرفٍ من داخل المنظومة الحاكمة، "يتميّز" عنها دون شك في الإعلان عن توجُّهٍ مخالفٍ لسياقاتها في تحديد مسارات البديل بكل مفرداته وتفاصيله.

إنّ مقاربة السيد الصدر تفتقر إلى بعض العوامل المؤسسة للتغيير، بدلاً مما يبدو مقلقاً من مظاهر الانفراد، ومن بين أهمها إعلان رفض الطائفية السياسية، والنأي بالدين عن مفاسد السلطة والسياسة، والمبادرة للدعوة إلى مؤتمر وطني ينبثق عنه إطار وطني سياسي يضمّ جميع من يحتكم إلى الديمقراطية ويميل إلى بناء الدولة المدنية. ومن بين العوامل الأخرى عاملٌ محوري قد يكون الأب الشرعي لها مجتمعة، وهو المطالبة الصريحة بحل الميليشيات والتنظيمات المسلحة ونزع سلاحها، وإدانة أيّ إطارٍ يتصرف كما لو أنه الدولة ويتجاوز الدستور والقوانين ويكرّس تابوات التحريم على الضمير.

وواضحٌ أنّ تعنّت قوى التحالف الوطني برفض خيارٍ مقبولٍ للإصلاح يُمهّد للتحوّل من المحاصصة الطائفية إلى النظام الديمقراطي، استجابة لضغطٍ وتطلُّعٍ جماهيري مستدام، قبل انحياز التيار الصدري وانضمامه إلى التظاهرات المدنية، يضع السيد مقتدى الصدر أمام خيار التحدي والتصعيد وهو يرى ويسمع الحشود تطالب بالتغيير. ومن الواضح أن عدم الإصغاء لصوت العقل والحكمة من الأطراف المعنية بإدامة الصيغة الراهنة لتغييب الإرادة الوطنية، يكمن خلفه عدم إدراك للعواقب الوخيمة لما يشكّله موقفها المتعنّت من مخاطر وتداعيات ومن تطورٍ سلبي على سلامة العراقيين وأمن البلاد.

ولا عقلانية هذا الموقف تتبدّى في تأكيد هذه الأطراف على رفض انفراد أحدها في تقرير وجهة الإصلاح، لكنها تتناسى أنها تنفرد بتقرير مصير البلاد، دون الأخذ بالاعتبار حتى إرادة شركائها في العملية السياسية من المكوّنين السنّي والكردي والمتشاركين معها في العملية السياسية، ولا تفكّر بقوىً وطنية  أقصتهم عن مواقع القرار  بفرضها  قانوناً انتخابياً مختلّاً، ومفوضية مطعوناً بمصداقيتها، وعملية سياسية أُريد لها أن تكون صيغةً انتقالية فحوّلتها بالتزوير إلى "نظامٍ دائم" ..!

كما تتبدّى لا عقلانيتها في تحصّنها خلف الدعوة لرفض تشكيل الحكومة دون مرورها عبر أطرها، وهي تدري أنّ السيد العبادي لن يستطيع إمرار كابينته في مجلس النواب دون مباركة التحالف الوطني الذي له وحده الدالّة على أغلبية أعضاء مجلس النواب، ومعهم الكتل الرافضة للتشكيل بلا عودة لها في اختيار وزراء مكوّنها!

لم يبقَ لي، إرضاءً للبعض الذي يعيب عليّ الانخراط في الكتابة عن الإصلاح والتغيير، غيرُ قراءة توازن للقوى جديد، من شأن الإقرار بنتيجته اعتماد "كتلة الفساد" الوحيدة القادرة على كسر التوازنات وعبور الأديان والطوائف والأيديولوجيات والأجناس، للتوافق في ما بينها وحلّ الأزمة المحتقنة في البلاد!

وفي تقديري أنها الوحيدة العابرة للأديان والطوائف، و القادرة على تسوية أيّ خلاف وتجاوز أيّ صراعٍ وإخضاعه لمنطق العقل ، لأنها تعلم أنّ في ذلك حماية لمصالحها . يكفينا أن تُعلن استعدادها لتحويل بعض مخزون فسادها إلى صندوق دعم الفقراء، كما فعلت مافيا المخدرات في بوليفيا وربما دول أخرى في أمريكا اللاتينية ...!

خلافاً للجان الكتل الاقتصادية التي لا تقبل بغير الاستئثار بـ " الصاية والصرماية"…!

  كتب بتأريخ :  الإثنين 07-03-2016     عدد القراء :  2838       عدد التعليقات : 0