الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
مأزق التحالف الوطني

   ذات مرة أسرَّني أحدهم بأن رئيس الوزراء حيدر العبادي لا يودّني .. لم أسأل عن السبب، فلستُ مفترضاً أنني أحظى بالودّ من كلّ الناس، ولم يكن يهمني طوال حياتي إن كنتُ ممحوضاً بالودّ من الزعماء السياسيين، وبخاصة كبار المسؤولين في الدولة منهم. أعرف السبل المؤدية إلى مرضاتهم، لكنني أربأ بنفسي أن أخطو ولو نصف خطوة عليها.

   أعدُّ نفسي من المُعتدِّين بأنفسهم، ومن المراعين لقواعد مهنتهم وأخلاقياتها التي تفرض، في ما تفرض، الوقوف على مسافة من السياسيين والمسؤولين الحكوميين، دفعاً لأيّ تأثّر بشخصياتهم ومواقفهم أو بأيّ تأثير منهم على مهنيّتي. وذات مرة سألني رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، بحضور آخرين، عن سبب "حملتي" عليه، في إشارة إلى الأعمدة التي درجتُ على كتابتها منتقداً سياساته ومواقفه، فكان جوابي له أن لا شيء شخصياً في الأمر، والقضية تتعلق بسياساته التي أرى أنها خاطئة.

   مناسبة هذا الكلام، كلام للسيد المالكي وكلام آخر لنائب عن حزب سياسي قريب جداً من حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعّمه المالكي. التصريحان ذكّراني بواقعة ما نقله ذلك الـ "أحدهم" عن فقدان الودّ من جانب السيد العبادي. وقد تطوّع محدّثي للكشف عن "سرّ" عدم الودّ، وهو أنّ السيد العبادي يراني "معادياً" لحزب الدعوة.

   كلام السيد المالكي الذي أعني، جاء في إطار تصريح له عقب استقباله وفد مجلس عشائر ومكوّنات البصرة. قال إن "العملية السياسية تواجه منعطفاً خطيراً"، وإن "الحاجة، اليوم، تستدعي إعادة النظر في الكثير من القضايا لاسيما في ما يخص إجراء تعديلات في الدستور، والإصلاحات رغم صعوبتها لكن من الممكن القيام بها".

   السيد المالكي قاد، وهو على رأس حزب الدعوة، حكومتين على مدى ثماني سنوات متصلة، وما يحصل وما يجري اليوم هو من نتائج الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها ونبّهه إليها وحذّره منها الكثيرون، وأزعم أنني واحد منهم، لكنه اختار ألّا يكترث. ومن تلك الأخطاء عدم الإصلاح عندما طالبنا به في 2011، وعدم تعديل الدستور الذي كان استحقاقاً منذ أول سنة تولّى فيها السيد المالكي الحكم.

   أما الكلام الآخر فهو للنائب عن كتلة المواطن البرلمانية محمد اللكاش. وكتلة المواطن هي الحليف الرئيس لحزب الدعوة وائتلاف دولة القانون في التحالف الوطني. السيد اللكاش قال في حديث تلفزيوني إن "حزب الدعوة يتحمل المسؤولية الشرعية والأخلاقية والتاريخية في فشل مشروع أتباع أهل البيت (ع) في بناء دولة عصرية وحضارية"، مشيراً إلى "استحواذ" الحزب وائتلاف دولة القانون على 90% من المناصب الحكومية والهيئات المستقلة، موضحاً أنّ "هناك 712 وكيل وزارة يشغل حزب الدعوة 90% منها، وهناك 4450 مديراً عاماً يستحوذ الحزب على نسبة أكثر من 90% منها"، مشيراً إلى أن "لدى حزب الدعوة 29 مفتشاً عاماً من أصل 34، و23 هيئة مستقلة من أصل 30". هو بالطبع يقصد دولة القانون الذي يقوده حزب الدعوة.

   ربّما كان هناك بعض المبالغة في هذه الأرقام، لكنَّ التصريح يعكس الشعور العام حتى عند حلفاء الدعوة المقرّبين بأن هذا الحزب يستحوذ على السلطة في البلاد، أقلّه في عهد المالكي. وهذا ما يعطي الشرعية لوصف حزب الدعوة بأنه الحزب الحاكم، وهو تعبير كنت أصرُّ على استخدامه في عهد المالكي، وقد يكون هو ما جعل السيد العبادي يعتقد بأنني معادٍ للدعوة.

   أمس دعوتُ التحالف الوطني، بوصفه الكتلة الأكبر في السلطة، إلى الاعتراف بأخطائه كمدخل لعملية الإصلاح والتغيير المطلوبة. الدعوة تشمل في المقام الأول دولة القانون، وقلبه حزب الدعوة، بوصفه الكتلة الأكبر في التحالف الوطني... من دون اعترافات كهذه سيظلّ التحالف في مأزق شديد مفتوح على أُفق خطير.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 09-03-2016     عدد القراء :  3768       عدد التعليقات : 0