الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الطلبة حين يدخلون على خطّ الحراك الجماهيري للإصلاح والتغيير

يُخطئ من يعتبر دخول الطلبة في المحافظات المحتقنة على خطّ التظاهرات مجرّد إضافة كمية تُعظُّم قوّة المتظاهرين وتضاعف عديدهم، فالطلبة " تكوين" خاص متميز، رغم اختلاف أصولهم ومنحدراتهم الطبقية والاجتماعية. وكان لمثل هذا الانحياز الطلابي وتبلور مواقف هذا القطاع المجتمعي في مراحل الكفاح الوطني أهمية لا تقل عن استقطاب الحركة العمالية والفلاحية، من وجهة نظر الأحزاب والقوى الوطنية تاريخياً. ويتميز طلبة الجامعات عن أقرانهم بدورهم القيادي في حفز طلبة الثانويات، والابتدائيات أيضاً، في مراحل التأّزم السياسي وصعود الحركات المطلبية وارتقائها الى المطالبة بالتغيير السياسي.

وتشهد الجامعات العراقية منذ أسابيع مثل هذا التحول الذي يعكس في جانبٍ منه رصيد التجربة التاريخية لنضالات الطلبة، والأساليب التي اعتمدتها في التعبئة وتوسيع دائرة حراكها من جامعة الى أخرى ومن مدينة الى سواها، ومن مطلبٍ محددٍ لإصلاح أحوالهم وظروفهم الدراسية الى بلورة برنامجٍ شاملٍ لإصلاحٍ  التعليم الجامعي، وهو ما قد يتطور الى إصلاح التعليم في مراحله المختلفة، مناهجَ ، وبيئةً حضاريةً، واستقلاليةً، وثقافة تدريسيةً، وأدوات ووسائل ومختبرات، مما صارت منجزاتها على درجة من التطور العلمي والتقني ووتيرة التحديث بحيث يتعذر اللحاق بها، إلا بآليات هذا التطور والوتيرة.

إنّ نظرة عابرة، متفحصة للبيئة التعليمية التي تخيّم عليها تابواتٍ تبدأ من فرض الزي الموحد، وتحريم الاختلاط، والإلزام الديني بالشعائر الطائفية، وتسويد جدرانها ولوحاتها الإعلانية، وهذه كلها وغيرها ليست سوى مظاهر خارجية لواقعٍ تعليمي يستحيل عليه إنتاج عقلٍ يتفتح على أي أساسٍ لبناء مجتمعٍ سويّ، قادرٍ على التفاعل مع الحياة، متمكنٍ من أدوات صياغتها وبناء دعائمها، بما يوفر للمجتمع وأفراده سبل اكتشاف طاقة العمل، ووسائل تفعيله ليشعر بكينونته الإنسانية.

وإذا انطلقنا في تقييم التعليم وأسباب تدهوره وانحطاطه بكل مستوياته من منهج " التلقين" السطحي، لأدركنا ، ابتداءً ، أي حصيلة علمية قد ينتهي اليها التعليم الجامعي، وأية تشوّهات معرفية وقيمية ينقلها معهم الخريجون، وأي كوادر علمية سيدفع بها الى صفوف العاطلين أو البطالة المقنّعة أو "التكنوقراط" المتحولين الى مجالاتٍ لا علاقة لها بتحصيلهم العلمي!

أعرف أساليب " القسر" التي يُعامل بها التلاميذ والطلبة منذ الالتحاق بالروضة، وقبلها في الأسرة وهي تُقسر نفسها على مراعاة ما تواجهه من تحريمٍ، لكنني فجعت وأنا أتابع الدكتورة إيمان عبد الأمير الأستاذة التدريسية في كلية التربية الرياضية والعلوم البدنية، وهي تسرد ما تعرضت له إحدى الطالبات من تحقيقٍ ولفت انتباهٍ وإجبارٍ على الاعتذار، وما لحق الكلية من لومٍ، لا لتجاوزٍها على القيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية التي شببنا عليها، وإنما لـ "تجاسرها" بالذهاب الى كافتيريا كلية العلوم داخل نفس الحرم الجامعي مع زميلاتها لتناول الطعام، لأنها كانت ترتدي الملابس الرياضية ..!

الطلبة المتظاهرون في مختلف جامعات العراق هم دون أدنى شك ليسوا من زمر " عَبَدة الشيطان" ولا أخالهم من الملاحدة أو المهووسين بالجنس وتعاطي المخدرات والكحول. كيف لهم أن يكونوا كذلك والضيم يكدّر عيشهم، ولا ما يعينهم على الدراسة غير بضع من مئات آلاف الدنانير لا تُصرف لهم!  ويدرسون ويعيشون في أبنية لا تتوفر فيها مياه الشرب، وليس في بيوت راحتها وسائل للنظافة، ورائحة القذارة تزكم أنوفهم أينما حلّوا في القاعات والصفوف أو الممرات أو في باحات الاستراحة الشحيحة!

حاججتُ من حاول إقناعي بتدنّي مناهج التدريس وابتذال وسائلها من كراريس ومراجع ومحاضراتٍ مُستلّة، لكنه فاجأني بما لا يدع مجالاً للشك بأننا نعيش ظلامية لم يسبق ان مرّت بنا من قبل .

أدعوكم لقراءة بعضٍ من أسئلة الامتحان لصفٍ ابتدائي في درس الرياضيات :  

  - ضع كلمة صح او خطأ مما يأتي :

١ - مجموعة اصحاب الكساء - محمد ، علي، فاطمة، الحسن، الحسين، جبرائيل..

٢ - شهر محرم -- لمجموعة أشهر السنة الميلادية

٣ - قطعت المسافة في ركظة (كذا!) طويريج الى الروضتين المقدستين 5000 م ، احسب المسافة بالكيلومتر.

٤ - وزعت احدى الهيئات الخدمية 300 صندوق برتقال وكان عدد البرتقال الذي وزع للزائرين ١٣٠٠ برتقالة. كم عدد البرتقال في كل صندوق ؟

والأسئلة الأخرى على هذا الوزن والمضامين ....

وأعود للحشمة التي يفرضها قادة "العراق الجديد" على طلبتنا وإجبارهم، ذكوراً وإناثاً، وهي "حشمة" تفرض الحجاب على الصغيرات وهنّ يلتحقن بالروضة، ناهيك عن الشابات والعجائز. وإلزام الشباب بالزي الموحد، والتزام حدودٍ "للأخلاق" بعدم الاقتراب من زميلاتهنّ الطالبات وترك مسافة كافية لتبخّر ما ينبعث من أنفاسهنّ وروائحهنّ المثيرة للمحرّمات! وقد لا تنتهي عند تحريم الدراسة المختلطة أو كل مظهرٍ من مظاهر الاختلاط بين الجنسين .

وهذه الأسوار التحريمية التي فُرضت على المجتمع لتمتد الى دور الروضة والمدارس الابتدائية والثانوية والجامعات، تضعني أمام تساؤلٍ مشككٍ بما نحن فيه، فكلنا، حتى قبل ان يغضب علينا الله كما أنزل غضبه على قوم لوط، فيجعل منا قطيعاً يحكمه قادة الإسلام السياسي، تخرجنا من مدارس وثانويات وجامعات مختلطة، طالباتها سافرات بأغلبيتهنّ المطلقة، وقد رفدنَ العراق بأعلى الكفاءات، وبسويّة أخلاقية مشهودة لهنّ.

وأُحار إذ أتساءل مع نفسي، أيعرف الدكتور حسين الشهرستاني والجعفري والعبادي والنجيفي والجبوري وكل قادة العملية السياسية هذه الحقيقة: أن رجالات العراق وفضلياته تخرجوا في تلك البيئة؟ فهل لهم علينا غضاضة أو شبهةٌ في ما جُبلنا عليه وأمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا ؟!

أما تظاهرات الطلبة، لمن لا يتّعض بدروس التاريخ وعبرها، فلا يجوز النظر اليها أو التعامل معها باعتبارها صرخة عابرة أو تنفيساً عن غضبٍ مكبوت، ولا حتى  تحذيراً او لفت انتباه، إنما هي إنذارٌ بتحول في المزاج العام في المجتمع لم يعد مقتصراُ على مكونٍ او تيارٍ او شريحة تعبّر عن مطالب معزولة عن التيار العام المحتقن في المجتمع، ومحاولة الالتفاف عليها او إجهاضها قد تؤدي الى تداعياتٍ ينبغي تجنّبها بالاحتكام للمطالب الجماهيرية الداعية للإصلاح والعبور الى نظام المواطنة الحرّة.

  كتب بتأريخ :  الخميس 10-03-2016     عدد القراء :  3162       عدد التعليقات : 0