الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
من أجل لجم الاستبداد التركي في الداخل والخارج

الصحف والنشرات الإخبارية العالمية والإقليمية تنشر يومياً المزيد من المعلومات الموثقة عن غوص رئيس جمهورية تركيا الجديد نجيب طيب أردوغان في مصادرة الحريات العامة وحرية الصحافة والنشر والتظاهر، بعد أن أعلن، وبشكل مفاجئ، الحرب ضد الشعب الكردي بكردستان تركيا. لقد كان الشعبان التركي والكردي يأملان بحل المسألة الكردية على أسس سلمية وديمقراطية، وبتعزيز السلام والتنمية في تركيا.

إلا إن الحكومة التركية وحزب العدالة قد تخلا عن وعودهما بذلك، واختارا الحرب ضد حزب العمال الكردستاني وقواه السياسية الأخرى، وضد حقوق الشعب الكردي المشروعة، ولم يعر أردوغان أي اهتمام بتجربة الحرب التي دامت أكثر من ثلاثة عقود خاضتها القوات المسلحة التركية ضد الشعب الكرد وحزب العمال الكردستاني، ولا للخسائر البشرية الفادحة والخسائر المالية وتوقف التنمية والتقدم في مناطق النزاع الكردية.

كان الراي العام العالمي والمجتمع الدولي يعتقدان بأن هناك صحوة فكرية أفاقت حزب العدالة والتنمية بتركيا، بعد التجارب العسكرية المريرة السابقة والفاشلة للدولة التركية في إبعاد الشعب الكردي عن المطالبة بحقوقه المشروعة، وأنه يسعى إلى السلام والعقلانية في ممارسة السياسة الواقعية. ولكن أردوغان خيب ظن شعوب العالم كلها والمجتمع الدولي بممارسته سياسيات غير عقلانية تنزع إلى الاستبداد والاستعداد للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وعدم التورع في خوض النزاعات العسكرية والعدوان لتحقيق "مناطق نفوذ حيوية!" للدولة التركية. وبرزت هذه الاتجاهات السلبية في السنوات الأخيرة وتجلت في السياسية الخارجية، ثم عمّت السياسة الداخلية أيضاً، والسعي لفرض تغييرات في بنود الدستور تسمح لأردوغان أن يلعب الدور الأول والأساس في اتخاذ القرارات، وإضعاف شديد لدور المجتمع ومجلس النواب لصالح السلطة التنفيذية التي سيكون رئيسها عملياً.

لقد احتضن أردوغان، بالتعاون مع السعودية وقطر، تنظيم داعش الإرهابي، وساعد على تعزيز قدرات جبهة النصرة العسكرية وأحرار الشام وغيرها من التنظيمات الإرهابية، ثم احتووا عدداً من قوى المعارضة السورية، وحولوا الكثير منها إلى أدوات بيد التحالف التركي السعودي القطري، وأصبحت انقرة والرياض والدوحة مقرات لها. وهو أمر خطير ليس في صالح الشعب السوري وقواه الوطنية المدنية، التي كانت وما تزال تناضل ضد دكتاتورية الأسد وحزب البعث والعسكر بسوريا، ولكنها في ذات الوقت ترفض هذا الدور التركي السعودي القطري المشين في التدخل بشأن المعارضة السورية ودعم قوى الإرهاب فعلياً. وأدى هذا التدخل الخارجي التركي-السعودي-القطري، إضافة إلى تدخل إيران وحزب الله وبعض أطراف المليشيات الشيعية المسلحة بسوريا، إلى تشديد الصراع ليبدو وكأنه صراع طائفي بين السنة والعلويين، في حين أنه صراع بين دول الإقليم على النفوذ والهيمنة على سوريا والمنطقة، وسيشمل دولاً أخرى ما لم تنتبه شعوب المنطقة وقواها الوطنية المدنية والمجتمع الدولي إلى مخاطر إشعال النيران الطائفية في المنطقة بأسرها. وها هم يحاولون بجدية كبيرة تحويل العراق إلى ساحة صراع ونزاع عسكري مدمر بين القطبين السعودي الإيراني، بدعم من تركيا وقطر للأول، وحزب الله وميليشيات شيعية عراقية مسلحة للثاني.

لقد حصلت مساومة عدوانية بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، بدعوى محاربة التنظيمات الإرهابية في المنطقة، والاستفادة من قاعدة انجرلك الجوية، سمح بموجبها لتركيا شن الحرب ضد حزب العمال الكردستاني والشعب الكردي بكردستان تركيا وفرض الحصار على المدن وخوض معارك الشوارع ضد المقاتلين الكُرد. ونتيجة لهذه السياسات تعرض الأمن بتركيا إلى المزيد من الهزّات والعمليات الانتحارية وموت الكثير من الناس الأبرياء. وحين واصلت الصحافة التركية الحرة والمعارضة تكتب وتنتقد سياسات أردوغان علناً، تمادى أردوغان باستخدام أجهزته الأمنية واقتحامها دور ثلاث صحف تركية، بينها جريدة زمان المعارضة، وفرض الرقابة الحكومية عليها واعتقال الكثير من الصحفيين الترك والكرد، إضافة إلى التشدد في محاربة حزب الشعوب الديمقراطي وملاحقة واعتقال أعضاء فيه، وهو الحزب الذي يعمل من أجل الحل السلمي والديمقراطي للمسألة الكردية والدفاع عن حقوق بقية القوميات وأتباع الديانات والمذاهب بتركيا.

وكما نشرت صحيفة التمايز اللندنية أخيراً، فأن أردوغان، كان وما يزال، يسعى إلى إسكات منتقديه بكل السبل. إلا إن السياسة التركية الاستبدادية التي تصاعد انتقادها من جانب الرأي العام العالمي والقوى الديمقراطية، واجهتها دول الاتحاد الأوروبي بالسكوت المريب، وهي التي تتحدث كثيراً عن الدفاع عن حقوق الإنسان. إن سكوتها ناجم عن تهديد أردوغان لها بفتح الحدود التركية أمام اللاجئين لإغراق دول الاتحاد الأوربي بهم، وهو يفرض شروطه في مفاوضات بروكسل، كأي تاجر مستبد وجشع ومحتال، لابتزاز الدول الأوروبية وشراء سكوتها عن حربه ضد العب الكردي ومصادرته الفعلية لحقوق الإنسان، وحرية الصحافة، واعتقال الصحفيين بالجملة، وضرب مظاهرة النساء في 8 آذار عيد المرأة العالمي. إن تركيا قد تحولت إلى دولة بوليسية لا ضد شعوبها فحسب، بل وضد شعوب الدول المجاورة لها، وهو خطر كبير، يفترض في مجلس الأمن الدولي أن ينتبه له، ويعمل على مواجهته بقرارات صارمة يمنع تدحرج الأوضاع نحو هاوية حروب جديدة بالمنطقة.

إن لأردوغان، الذي أرسل قوات عسكرية مدججة بالسلاح الثقيل إلى العراق، مطامع جدية بالعراق، بمحافظتي نينوى وكركوك وبالنفط فيهما، إذ إنه يعيد ممارسة سياسة السلطنة العثمانية، واعتبار ولاية الموصل السابقة جزءاً من الدولة التركية الحالية.

إن على مسؤولي الدولة العراقية وإقليم كردستان العراق أن يدركوا بأن وجود النفوذ الإيراني الحالي الواسع عسكرياً وأمنياً وسياسياً واجتماعياً وطائفيا،ً يعتبر إخلالاً مباشراً بسيادة العراق واستقلاله أولاً، ويدفع بالسعودية وقطر وتركيا وغيرها إلى مزيد من التدخل بالعراق، بذريعة مواجهة النفوذ الإيراني، وبالتالي، احتمال انفجار نزاع عسكري يحوَّل العراق كله إلى ما عليه سوريا واليمن حالياً من موت وخراب ودمار ومناطق تنعى فيها الغربان. إن على القوى المدنية والديمقراطية والناس المستقلين والحريصين على العراق وإقليمه أن يعملوا لصالح التغيير الذي يمنع وقوع المحظور في ظل نظام المحاصصة الطائفية والأثنية بالعراق.  

  كتب بتأريخ :  الجمعة 11-03-2016     عدد القراء :  3354       عدد التعليقات : 0