الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
ماذا حصل على جسور بغداد؟

حتى يوم أمس كانت الدولة العراقية - وأعني بها دولة ما بعد 9/4/2003، وهي دولة الإسلام السياسي، الشيعي والسني، بامتياز القائمة على نظام المحاصصة – لا تقف على قدمين وساقين ولا على قدم وساق، وإنما على عود!

وأمس تبيّن لنا بالعين المجرّدة أنّ العود الذي كانت هذه الدولة ترتكز عليه يابس وهشّ، وقد انكسر بنفخة من دزينتين أو ثلاث من المتظاهرين عند جسري الجمهورية والسنك على دجلة بغداد.

منذ مساء الخميس أغلقت السلطات الأمنية مداخل العاصمة ووسطها والمناطق والأحياء المحيطة به وصولاً إلى مسافة ما بين 8 و10 كيلومترات، وسدّت الساحات والشوارع الرئيسة، وحتى "الدرابين" داخل العديد من الأحياء، ومنعت مرور حتى الأفراد على ثلاثة من أهم الجسور، الجمهورية والسنك والأحرار. وقبل ذلك كان رئيس الوزراء قد أعلن عدم قبوله بالاعتصام على مداخل المنطقة الخضراء، وأعقبته وزارة الداخلية لتؤكد أنها لم تمنح رخصة لأيّ اعتصام على هذه الابواب، ملمّحة الى عدم قبولها بخلاف ذلك.

هذا كله ترافق مع نشر أعداد كبيرة للغاية من القوات العسكرية والأمنية وآلياتها الثقيلة. وبدا كما لو أن الدولة قد اتّخذت كل ما يلزم لمواجهة غزو أو اجتياح جيوش جرّارة للعاصمة. وبالطبع فإن هذا كلّه يكلّف موازنة الدولة ملايين الدولارات، لكنه لم ينفع في شيء، فالمتظاهرون الذين تجمعوا عند جسري الجمهورية والسنك من جهة الرصافة لم يبذلوا أي جهد ولا استخدموا أيّ شكل من أشكال العنف لإزاحة الأسلاك الشائكة والحواجز الحديد والكونكريت وعبور الجسرين باتجاه مدخل المنطقة الخضراء في حي كرادة مريم. وبهذه الحركة ومع احتفاظ المتظاهرين بسلميتهم انكسر العود الذي كانت تقف عليه الدولة التي انهارت أمس بانهيار هيبتها على نحو مثير للحزن والشفقة من جهة وللفرح من جهة أخرى.

ما حصل على جسري الجمهورية والسنك أمس لم يُبقِ للدولة هيبة ولم يبقِ للحكومة هيبة ولم يبقِ لمجلس النواب هيبة .. دولة وحكومة وبرلمان لم تستطع حماية جسرين لا هيبة لها ولا كرامة. كان المفروض، ما دامت هذه المؤسسات غير واثقة من قدرتها على منع المتظاهرين من الوصول الى مداخل المنطقة الخضراء، أن تتفاهم مع نشطاء الحركة الاحتجاجية لترتيب أمر وصول المتظاهرين إلى هذه المناطق والاعتصام عندها، حفظاً لماء وجه الدولة وللمال العام.

الآن، بعد الذي جرى أمس، ليس أمام الحكومة ومجلس النواب والقوى المتنفذة فيهما غير خيارين: الأول شروع رئيس الحكومة في الحال بتطبيق خطة الإصلاحات، بدءاّ بتقديم حكومته استقالتها وتشكيل حكومة جديدة من الكفاءات الوطنية المشهود لها بالنزاهة والخبرة، بعيداً تماماً عن نظام المحاصصة، وإحالة ملفات الفساد الخاصة بكبار المسؤولين في الحكومة الحالية والحكومات السابقة إلى هيئة النزاهة والقضاء. أما الخيار الثاني فهو الإعلان عن إجراء انتخابات نيابية مبكرة خلال فترة ستة أشهر مثلاً، على أن يُصار خلال هذه الفترة إلى إعادة النظر في قانون الانتخابات، وإعادة تشكيل مفوضية الانتخابات بإشراف الأمم المتحدة التي يتعيّن أيضاً أن تشرف على الانتخابات المبكّرة.

بهذا فقط يُمكن للعراقيين أن يحتفظوا بالأمل في أن يستعيدوا دولتهم المهابة.

  كتب بتأريخ :  السبت 19-03-2016     عدد القراء :  2190       عدد التعليقات : 0