الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الشفافية المُفتَقَدَة في مشروع العبادي الإصلاحية ، وخِيَم الاعتصام

   لا أحد من العراقيين ، سوى اللصوص والدواعش ومنتهكي كرامة العراقيين يرفض الإصلاح ، سواءً كان جذرياً ، وهو ما لا يبدو سهل المنال في ظل التوازنات الحالية ، أو " الإصلاح الممكن " الذي من شأن الشروع به الإفساح في المجال لكسر حلقات الممانعة والرفض ، والانتقال الى برنامج مستدامٍ ينتهي الى المعافاة ، وتصفية أسس التسلط الطائفي والفساد المستشري ، وتفكيك منظومتهما السائدة .

   وبان هذا الاصطفاف منذ " طلقة الرحمة " التي أطلقها السيد العبادي، دون قصدٍ منه، على عملية الإصلاح وهو يُعلن عنها، ويُصدر حُزمها المتتالية، ويواكبها بِخُطبٍ حماسيةٍ، لا تخلو من تشخيصاتٍ ونذيرٍ ودعواتٍ لانتظار آتٍ سيعيد الأمور الى نصابها، ويضع العراق على طريق السلامة الوطنية. وكان رد الفعل العفوي، تهليلاً وانفتاحاً على التأييد والدعم، دون تمحيصٍ وتروٍّ، من جمهور المطالبين بالإصلاح ومن القوى السياسية السليمة الطَوِيَّة، والشرائح الاجتماعية الأكثر والأشد مهانة بسبب الفقر المدقع. وهو ما انعكس مباشرة على التظاهرات التي رفعت صور العبادي والشعارات التي تعلن تخويله بالمضي في تنفيذ مشروعه ضد الفساد والمحاصصة الطائفية. ووجد مثل هذا الدعم في مجلس النواب، وفي مواقف عبّرت عنها المرجعية والأحزاب والكتل البرلمانية، وتلقتها الاوساط الخارجية بمثل ذلك من الدعم والتأييد والتفاؤل بانفراج أزمات العراق الذي أنهكه سوء الإدارة والفساد وانفلات الميليشيات المسلحة وسيطر على ثلث مساحته داعش التكفيري.

   وتبيّن عاجلاً، أن المشروع الإصلاحي للسيد العبادي يسير على عربة بلا عجلتين!

   ويستطيع المتابع، أن يستنتج دون كثير عناء، ان صاحب المشروع، فاتته جملة من الشروط اللازمة للمضي في مشروعه بنجاح.

   في مقدمتها، استعداده لتجاوز ممانعة حزبه وكتلته وتحالفه. ثم حتى إذا توفر فيه العزم على مثل هذا الإقدام، هل قَدّر أنّ له الإمكانية على تفكيك المنظومة السياسية المهيمنة، أو بادر لتأمينها، عبر خلق اصطفافٍ جريءٍ على الضفتين، السياسية من داخل تحالفه أولاً، والشعبية بين تحشدات المتظاهرين، وأوسع الأوساط غير المشاركة في العملية السياسية .

   أكاد أُوهم نفسي إذا استنتجتُ أنه كان على بيّنة ووضوحٍ من هذا الإستعداد، ومن متطلباتٍ يفترضها إقدامٌ بمثل التحدي الذي يشكله الإصلاح والتغيير. ربما كان على اعتقادٍ " مؤسف " بإن الحزم الإصلاحية من شأنها أن تؤمِّن له " العجلات " التي تفتقر لها عربته، إذا انطلقتُ من حسنٍ ظنٍّ، واعتقادٍ بأنه كان قد قرأ المشهد الذي يتشكَّل حوله من بيئة سياسبة متفسخة، وفاقدة الصلاحية، وأنه عازمٌ على الخروج من شرنقتها.

   الحُزم المتتالية التي أصدرها السيد العبادي، تشبه إقدام " النحّال " على توجيه الدخان على منحلته ناسياً ارتداء ملابس وقناع الوقاية من لسعاتها! ولم يكن لتلك الحزم قوة تصديع المنظومة القائمة وفعل تفكيكها. بل على العكس من ذلك، حفّزها على التعبئة والمواجهة. وهي في واقع الحال لم تكن على تلك الأهمية التي توهّم أو توقع انها ستدعم مشروعه الإصلاحي.

   ما لم يأخذه العبادي في الحسبان، منذ البدء، اذا انطلقنا من افتراض أنه كان يهدف لعبور الطائفية:

   تجاهله لفعل الآليات المتحكمة في العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والتوافق " المصالحي "..

   - صياغة برنامج إصلاحٍ شامل، يتناول الأسس التي يعتمدها نظام المحاصصة الطائفية وأركان الحكم، والبدء بالاولويات التي من شأنها تكريس مناخٍ مجتمعي مبني على المصالحة، وبيئة سياسية تشكل منصة لها ولعملية التغيير.

   إشراك الرأي العام بالاطلاع على برنامج الإصلاح ومناقشته ، عبر وسائل الإعلام، وشبكة العلاقات السياسية والمجتمعية، وفتح حوارٍ بنّاء حول مختلف محاور مشروع الإصلاح ومفرداته، ومعايير لتقييم الاداء الحكومي والبدائل الكفيلة بتطبيقها ، قبل طرح حزمٍ تستهدف تغييراتٍ شكلية في الرئاسات او في التشكيلة الوزارية.

   تجنّب شُبهة " التفرد والانفراد " في صياغة مشروع التغيير وبرنامج الإصلاح، وتحديد معايير الكفاءة والنزاهة والأهلية لتبوُّء مسؤوليات قيادة الدولة والحكومة ومفاصلها.

   تقديم نماذج من قراراتٍ وتدابير " إصلاحية " تدخل في إطار صلاحياته الدستورية، تكشف عن نواياه ووجهة نشاطه وأهدافه، وتصحح التشوّهات التي تعرضت لها " شبه الدولة " خلال مسيرة الخرائب منذ ٢٠٠٣..

   الشفافية في إشهار فريق عمله الرئيس، وهذا حقّ للعراقيين على معرفته، خصوصاً وهو فريقٌ معنيٌّ بصياغة برنامج خطير، مثل برنامج الإصلاح، وتحديد معايير تسنّم المسؤوليات القيادية في الحكومة والدولة المعنية بالإصلاح...

   الخيارات التي سيواجهها في حالة الممانعة المستترة او الرفض لمشروعه الإصلاحي، إذا ماكان اعتماده مباني الدستور وشرعية السلطات الثلاث..

   لم يفعل رئيس مجلس الوزراء، ما كان على " مُصلحٍ " أن يفعله وهو يتجاسر على التصدي لمنظومة جائرة متشابكة من القوى والمصالح، متمترسة في بنية دولة فاسدة فاشلة متصدعة، كشرطٍ للنجاح والاستمرار. ما كان ضرورياً أن يفعله السيد العبادي، لم يُقدم عليه السيد مقتدى الصدر أيضاً. باستثناء الخطوط الرئيسة على توجّه إصلاحي، لا يشكل برنامجاً شاملاً، ولا يعتمد آليات مشاركةٍ جديّة للقوى صاحبة المصلحة بالتغيير، ولا يُفصح عن الأسس التي يراد بها عبور المنظومة الطائفية والمحاصصة والآليات التي من شأنها الانتقال الى دولة المواطنة المدنية. ولا يمكن الركون الى تغيير حكومي، جزئياً كان او شاملاً للدلالة على ما يُراد له من شفافية. ولا يتبين الانفراد في تقرير وجهة الأحداث في صياغة مفردات المبادرة، وتشكيل لجنة لوضع معايير وتسمية مرشحين إلى كابينة وزارية كاملة، بل وفي تحديد صيغ الضغط السياسي والجماهيري، من تظاهرٍ واعتصامٍ، وتصعيدٍ لا يعرف بمدياتها سوى السيد الصدر نفسه.

   إن النظام القائم متفسّخٌ وكلّي الفساد ومنتهي الصلاحية، وفي هذا ما يجمع كل من يريد الخروج من ويلاته وكوابيسه ونفقه المظلم. والبديل المطلوب، المرتجى ينبغي أن يكون ديمقراطياً، واضح البرنامج والاهداف والآليات. بديلٌ يرفض كل أشكال الانفراد بالقرار والتوجهات والمغامرة والتلويح بالقوة المنفلتة، ووضع البلاد في مواجهة مجهولٍ مفتوحٍ على ضبابية وانعدام رؤية..

   ويقلقني جواب الشيخ صلاح العبيدي أنّ بعد الاعتصام... سرّ..!

   

  كتب بتأريخ :  الأحد 20-03-2016     عدد القراء :  2922       عدد التعليقات : 0