الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
شلع قلع ....بلا بنج... بلا دفع

   رغم ان كلمة البنج ليست عربية ، الا انها شاعت في العراق بدلا من كلمة التخدير ، ربما لان التخدير لها علاقة بالمخدرات فتحاشى الناس استخدامها وفضلوا بدلا منها كلمة البنج الفارسية ، او لان اشهر الاطباء منذ فتح البيمارستان - وهو اسم المستشفى ايضا في الفارسية - جاءوا من بيمارستان جنديسابور الواقع في اقليم خوزستان و الذي شيده الامبراطور الساساني شابور الاول و اشتهر فيه العديد من الاطباء الفرس والهنود ، منهم الطبيب النطاسي جرجريوس و بختيشوع و شابور بن سهل، ليظل هذا البيمارستان قائما حتى عهد ابي جعفر المنصور الذي انشأ بيمارستان بغداد على غراره ، واستقدم له خيرة الاطباء.

   ارتبط البنج بالطب ارتباطا ملازما لكل عملية جراحية حتى وان كانت صغيرة على غرار قلع احد الاسنان ، بينما كان الحلاق سابقا يقلع الضرس دون حاجة لبنج او تخدير ، وهو ما يدل على قوة تحمل الانسان العراقي ما قبل تاسيس الدولة الحديثة ، فلربما كان وريث جلجامش بقوته وايوب بصبره ، اما اليوم فاصبح هشا نالت منه الرشوة و اللصوصية والفساد الافقي والعمودي اجلكم الله .

   شاع مصطلح الشلع بين اوساط الناس ، عامتهم وخاصتهم ، بعد ان اورده السيد مقتدى بخطابه ، لينال من رموز الفساد في الحكومة العبادية الاخيرة التي تعد امتدادا للحكومات السابقة التي تميزت بالمحاصصة في نهب اموال العراق وثرواته الطائلة دون ان تاخذهم في النهب لومة لائم .

   واصبحوا لا يبالون بنقد او يخجلون من وصف لا يليق بانسان مستقيم ، حتى راح الناس يطلقون على رجال الحكومة والنواب الفاسدين مختلف الصفات القبيحة المشينة دون ان يرعوي احد من السراق واللصوص ، مما اضطر زعيم اكبر تيار اسلامي في البرلمان والحكومة وهو التيار الصدري الى اطلاق مصطلح الشلع على مطلب الجماهير لازالة الفاسدين من دست الحكم .

   ورغم المطالبة بمحاكمة الفاسدين والمرتشين واللصوص وازاحتهم عن مراكز المسؤولية ، الا ان شيئا من ذلك لم يحدث ، وذهبت آمال المواطنين وما يرجونه من اجراءات رئيس الوزراء العبادي ادراج الرياح ، وضاع الشمخون والبداوي - مثل من جصان - فظل كل فاسد في مكانه وكل وزير في وزارته وكل موظف في وظيفته لا احد يستطيع ان يقول لهم على عينك حاجب .

   وبعد تطور كبير في الاحداث وزيادة الاحتجاجات .. والاعتصامات ... تطور مفهوم الشلع عند المعتصمين الى مفهوم شلع قلع ، واستبشر الناس خيرا بشعارات السيد مقتدى ، وظنوا انه لا بد مصمم على قلع رؤوس الفساد وايدي اللصوص من جذورها ، فجاءوا زرافاتا ووحدانا الى سوح الاعتصام ، وتمترسوا بصدورهم العارية امام بوابات الخضراء الجهمة ، وحراسها الصناديد ، غير عابئين بمصيرهم الذي ظل يدور على كف عفريت طيلة ايام اعتصامهم بمواجهة الرشاشات والمدافع والصبات الخرسانية ،

   حتى جاء اليوم الذي شاهدوا فيه السيد بكامل قيافته المباركة ، يهز ابواب الخضراء ، يدخلها دخول الفاتحين ، ما جعل حراس البوابة ينهالون على اكفه بالتقبيل وطلب المغفرة منه لما بدر منهم من جفاء وغلظة تجاه المعتصمين من ابناء شيعته الميامين ، الذين استعدوا للتضحية بنفوسهم اسوة باشقائهم الذين ذهبوا قربانا في مذبحة سبايكر وغيرها من مجازر العصابات المجرمة .

   تهللت الوجوه حين رأت السيد يدخل عرينه ليستقر على مقربة من الطغاة ليمرغ انوفهم بوحل السرقات والخزي الذي جلبوه على انفسهم وملتهم وطائفتهم وبلدهم وقومهم ان كان لهم دين وقوم وبلد يؤمنون به .

   ومضت الايام والليالي ثقيلة ، يترقب الناس فيها مصير زعيمهم المعتصم خلف الاسوار ، لا يفصله عنهم سوى امتار بدت وكأنها كيلومترات بسبب الحرس والعسس والاسلحة والاعتدة ، وتوجس الناس شرا حين امتدت الليالي الى ثلاث عجاف ، حرص السيد فيها ان يتوضأ امام الكاميرات ويتناول طبقه البسيط من الغذاء ويلتحف الخشن من الثياب والفراش في تقشف ظاهر للعيان ، وتساءل القوم ماذا لو طالت الليالي على السيد ، وكيف ستنتهي هذه الازمة وتنجلي هذه الغمة ّ!

   تمنى القاصي والداني ان يخرج السيد من الازمة سالما غانما ، وحسبوا الف حساب للدفاع عنه ان ناله مكروه او مست شعره نسمة هواء معادية من داخل المنطقة الخضراء التي اخذ القوم يطلقون عليها اسم المنطقة الغبراء ، وعيونهم ترقب السيد ، وتنتظر بلهفة سماع كلماته التي يبوح بها بين يوم واخر ، على امل ان يحدد مصير اللصوص ، ويدعو الجماهير الى اتباعه والالتحاق به ليأخذوا الحق بايديهم من هؤلاء الدجالين والسراق ، اصحاب الخواتم الفضية والعباءات الذهبية والجباه المطلية بسواد الباذنجان، القابعين خلف الجدران كالفئران .

   وما ان اعلن العبادي تسليم الظرف المختوم بخاتم سليمان الى رئيس المجلس ، دون ان يعلم احد الاسماء التي بداخله ، وهل حقا هي اسماء وزراء ام علماء ام غرماء ، حتى هش السيد وبش ، ونادى واسمع كلماته من به صمم ، ليعلن عن شجاعة العبادي لانه قدم كيسا فيه اسماء ستة عشر وزيرا ، كلهم تكنوقررررراط ، من خيرة القوم حفاة عراة ، اعدهم واختارهم من بين المئات من ذوي السحر والجمال والشهادات واصحاب المكرمات ، اولهم شريف قومه ، واخرهم بديع زمانه ، فهل من زيادة لمستزيد ، وما ذا يريد العراقيون اكثر من ستة عشر وزيرا كانهم البدور الطالعة والاقمار الساطعة ، سيحولون ليل العراق بقدرة العبادي نهارا منيرا ، ويقضّون مضاجع اللصوص .

   واذا بالسيد ينفخ بالصور ليعلن التقهقر من ساحة الهيجاء ، ويطلب من اتباعه الانسحاب من امام الخضراء، دون ضجيج وبكل ادب وتهذيب ، وكأنك يا ستي لا رحتِ ولا جيتِ .

   وما ان سمع السراق باسماء الوزراء حتى فروّا في الفلوات لا يلوون على شيء ، كبيرهم يقول لصغيرهم اهرب زيد فقد قتل عمر ، منهم من وصل ركضا الى طويريج ،و البعض شد الرحال الى معان ، وقوم هربوا الى سن الذبان ، والبقية تنتظر في ساحة الميدان ...

   ( وريتها بـ.....بخت السيد ).

  كتب بتأريخ :  الأحد 03-04-2016     عدد القراء :  4005       عدد التعليقات : 0