الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
ملاحظات أوّليّة في مسار \"حميد\" لإصلاحاتٍ تُصدِّع النظام السياسيّ الطائفيّ

قد يسأل البعض، إذا كانت خطوات السيد العبادي ومبادراته للإصلاح والقضاء على الفساد محكومة بالفشل، وإذا كانت التظاهرات المدنية الاحتجاجية وحدها لا تؤدي الى التغيير، فأي المساراتٍ من شأنه ان يقود اليها وينزع فتيل الأزمات ويمهد لعراقٍ مستقر؟

من الممكن دون أدنى شك المبادرة بخطواتٍ مدروسة في إطار ستراتيجيةٍ عملية، التدرج في تحقيق إصلاحات "تحفر" في قاعدة النظام السياسي المحاصصي، وتشكل خرقاً لها وتضييقاً على آلياتها المنافية للدستور وأحكامه، وتكريساً لما جاء به الدستور من حقوق ومبادئ ترسي أسساً صالحة لدولة قانون وحريات مدنية. فليس في مبنى الدستور ومواده ما له علاقة بالحكم على أساس الطوائف والأديان والمذاهب. والنقص الفاضح في التشريعات والقوانين التي ألزم المشرع بها مجلس النواب وتخلّف هذا عنها، هو المسبب للتشوهات في الحياة السياسية. وتقصير المجلس في تشريع قانون الأحزاب في وقت مبكر هو من الأسباب التي سمحت بتشكيلات سياسية "طائفية المنحى والتكوين" مناقضة للدستور الذي يحرّم أي تشكيل سياسي على أساس الدين والمذهب والطائفة، وهو ما جعل الواقع السياسي في البرلمان والحكومة وتقاسم السلطات يأخذ مجرىً كأنه يعبّر عن روح الدستور ومبادئه.

ولعبت تقصيرات أخرى أدوراً مضاعفة في إظهار المشهد السياسي بألوانه الطائفية الفاقعة، منها التأخير المتعمد لطائفة من القوانين من شأن تشريعها وتطبيقها محاصرة النزوع الطائفي وتجريده من شرعيته الشكلية. ومن بين تلك القوانين قانون مجلس الاتحاد الذي يساعد في خلق توازنٍ وإيجاد مرجعٍ من شأنه الاشتراك في معالجة اختناقاتٍ بين الكتل والمكوّنات، وتشكيل مجلس الخدمة العامة، وهو الجهة المعنية بالتوظيف في أجهزة الدولة وفي الدرجات الوظيفية العليا منها بوجه عام. ومن شأن هذا المجلس أن يقلل الى حدٍ كبير، مع مستوى ملائم من الرقابة الشعبية، من التوظيف الكيفي من قبل الأحزاب والكتل المهيمنة، ويحدّ من التجاوز على معايير الكفاءة والمساواة والأهلية والنزاهة في التعيينات التي تكاد تكون أبعد ما يكون عن هذه المعايير.

ويمكن اعتبار الخدمة الإلزامية في القوات المسلحة عاملا من العوامل الهامة لإنهاء التنازع حول غياب التوازن والدعوة لاستحداث تشكيلاتٍ خاصة تأخذ بعداً جهوياً في الظاهر لكنها ترسي قاعدة أخرى من قواعد التقسيم الطائفي، وتعزز النزوع نحو الانقسام والتشرذم. وفي هذا الاتجاه لابد من المباشرة بوضع الخطط لإصلاح القضاء، عبر تطهيرٍ فوري على قاعدة المهنية والكفاءة والنزاهة للجهاز القضائي في مختلف المستويات ،على ان يتناول العناصر التي تعتمد الانحيازات الطائفية، والتوقف عن الاختيار للمراكز القضائية ومسؤولياتها على اساس الموالاة الحزبية والطائفية والجهوية. وبالتزامن، وفي إطار خطة الإصلاح، تجري إعادة تأهيل القضاة الجدد، وهم على الملاك الوظيفي، والسعي لاصطفاء من تتوفر فيه ما ينبغي من المواصفات المطلوبة من بين المحامين والخريجين لإدخالهم في معاهد التأهيل القضائي، وكذلك إلزام المتقدمين لكلية الحقوق ومعاهد القضاء بأداء اختباراتٍ  تؤدي الى اصطفاء أفضل من يعد بدور متميز في إصلاح القضاء .

وجهاز الدولة المترهل بكل من هبّ ودبّ ، والذي جرى التسلل عبره الى أعلى المناصب والمراكز الحكومية على أساس القرابة والنسابة والتحزب الطائفي، لابد ان ينال العناية من حيث أولوية المهام في التطهير والترشيق.

وفي اتجاه آخر من منصات الإصلاح والتغيير، تكتسب الرقابة الشعبية دوراً هاماً في اتجاهين متلازمين، هما تشكيل مكاتب ادّعاء شعبي في جميع المحافظات والمدن والارياف تتولى مهامَّ استقصائية عن قضايا الفساد الإداري والمالي، وتنوب عن المواطنين في شكاواهم على التعديات التي يتعرضون لها. وتقع على عاتق منظمات المجتمع المدني ونشطاء الشبيبة والطلبة القيام بتشكيل فرق تطوعية لمكافحة الأُمية. وكذلك فرق صحية في المراكز التي تغيب عنها الخدمات الصحية الحكومية، وتشجيع العيادات الطبية والاطباء على الانخراط في تلك الفرق وتقديم الطبابة المجانية للفقراء.

وتستطيع منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية وضع برامج بالتعاون مع المنظمات الدولية والأممية الداعمة للتدريب والتأهيل المهني للإسهام في تقليص البطالة بين الشبيبة، وتشجيع القطاع الخاص على توظيفهم أو مساعدتهم في إنشاء ورش عمل إنتاجية صغيرة مجزية. ولابد لجميع هذه المنظمات أن تدعم اي مبادرة تشجّع على القراءة .

وعلى مستوى آخر ليس أقلّ أهمية من التظاهر والاحتجاج، التوجّه لتشكيل "حكومات ظل" لمجالس المحافظات، تخطط وتراقب وتقدّم المثل على بدائل للنماذج الراهنة التي تجسّد التخلف والفساد وانعدام الخبرة ..!

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 05-04-2016     عدد القراء :  3102       عدد التعليقات : 0