الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
صراع بين أنصار الدولة المدنية والدولة الدينية الطائفية!

حين تتحدث مع إنسان عاقل بالعراق وتسأله عن رأيه في الطائفية، يجيبك بسرعة وبلا تردد بأن الطائفية السياسية مرض خبيث أصيب به العراق منذ عقود ومورس بإصرار من قبل النظام الحاكم ومؤسساته، واستفحل وتكرس فعلياً كنظام سياسي ومحاصصة طائفية سائدين في سلطات الدولة الثلاث ومؤسساتها وأجهزتها منذ الاحتلال الأمريكي-البريطاني للعراق، ومنذ أن دعت إليه تلك الأحزاب السياسية الدينية والقومية، التي وافقت على شن الحرب الخارجية للإطاحة بالنظام الدكتاتوري البعثي المتعفن دون قرار وموافقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. وهذا المرض الخبيث لم يصب قادة الأحزاب الإسلامية السياسية التي أسست كلها، شيعية كانت أم سنية، على قاعدة الطائفية السياسية التي تعتمد التمييز إزاء أتباع الديانات والمذاهب وتمارس الصراع للهيمنة على السلطة والمال والنفوذ أو الجاه الاجتماعي، حسب، بل عم المجتمع وتسبب بموت مئات الآلاف من البشر خلال السنوات الاثني عشر المنصرمة. وإذا كان البعثيون قد خلفوا وراءهم إرثاً خبيثاً مرعباً من الناحيتين الفكرية والسياسية، وأعني بذلك الرؤية والممارسة العنصرية والشوفينية والاستبداد والعنف والقتل والتعذيب للمخالفين والمعارضين، فأن الاحتلال والقوى والأحزاب العقائدية المحلية، التي اعتمدت الإسلام السياسي الطائفي، سواء أكانت شيعية أم سنية، قد أضافت إلى كل ذلك الأِرث المخزي، الكراهية والحقد والانتقام والقتل على الهوية ومحاربة وتهجير وممارسة التغيير الديموغرافي أيضاً لأتباع الديانات والمذاهب الأخرى عبر تشكيلات ميليشياوية-مافياوية (ميليشمافياوية) مسلحة، بذريعة مظلومية الشيعة، أو تهميش السنة، وسيادة الفساد وتهريب النفط والدولار وتفريغ خزينة الدولة من المال العام، وإفقار المجتمع، والتسبب في اجتياح المحافظات الغربية ونينوى من قبل عصابات داعش، وما اقترن بذلك من تهجير وسبي وقتل واغتصاب لبنات وأبناء العراق.

لم يكن ما حصل للعراق عفوياً، بل كان مخططاً له منذ سنوات، وتحقق عبر مساومات قذرة بين الولايات المتحدة وإيران من جهة، وبينهما والأحزاب الإسلامية السياسية والقومية من جهة ثانية. كما لم يكن ما حصل من عمليات انتقامية فاشية النزعة وسادية الأسلوب في سجن "أبو غريب" والسجون الأخرى في كل أنحاء العراق من جانب قوى الأمن الأمريكية والبريطانية، وفي الفلوجة من جانب قوى الأمن الداخلي عفوياً، بل كان هو الآخر نتيجة منطقية للذهنية التي هيمنت على الحكم خلال السنوات المنصرمة. ويمكن أن ندلل على ذلك بأحداث وخطب كثيرة نختار منها أحداث الفلوجة وضرب المعتصمين بالحديد والنار أولاً، وقبل ذاك ضرب المتظاهرين والإساءة إليهم ببغداد ومحافظات أخرى في العام 2011 من قبل قوات الأمن الداخلي، وكلها بقرارات من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. ومن ثم أقوال رئيس الوزراء السابق بأن "أخذناها بعد ما ننطيها، ليش هو أكو واحد يگدر يأخذها"، وخطاب هذا الشخص نفسه بكربلاء حين قال: "الذين قتلوا الحسين لم ينتهوا بعد، ها هم اليوم موجودين، والحسين باللون الآخر لا يزال موجوداً وهو الذي يستهدف من هؤلاء الطغاة.. المعركة ضد الحسين لم تنته...، بل المعركة لا زالت مستمرة بين أنصار الحسين ويزيد..." نوري المالكي. وكان هذا نداء استثنائي هستيري لمزيد من الصراع والنزاع وسيل من الدماء بين الشيعة والسنة.

وقبل أيام، يوم الجمعة المصادف 8/4/2016 تحدث المالكي مجدداً بالنجف وبروح معارضة الدستور العراقي الجديد، بعد أن اقصي من إلقاء كلمة في احتفالية حزب الدعوة الإسلامية في ذكرى الشهيد محمد باقر الصدر يوم الخميس 7/4/2016 ببغداد، ذهب ليؤكد رفضه، في خطبة تميزت بالحماس الفارغ، ضد الدولة المدنية الديمقراطية والمجتمع المدني الديمقراطي، ودعوته لمشروع دولة دينية إسلامية، والتي رفضها الدستور، وأشار أكثر من مرة إلى إن المنادين بوزارة تكنوقراط ومستقلين هم الذين يتآمرون على الإسلام والمشروع الإسلامي، هذا المشروع الذي يتبناه المالكي، مشروعه الطائفي المقيت والقاتل للوحدة الوطنية العراقية والذي دفع بالعراق إلى المستنقع النتن الذي هو فيه الآن.

إن الصراع ليس بين المسلم السني والشيعي المؤمنين، وليس بين الكردي والعربي، وليس بين المسلمين والمسيحيين والصابئة المندائيين والإيزيديين وغيرهم من المواطنات والمواطنين، بل إن الصراع الفعلي يدور ويحتدم بين من يعمل من أجل إقامة الدولة المدنية الديمقراطية والمجتمع المدني، وبين من يريد بناء دولة دينية إسلامية على أسس طائفية سياسية ومحاصصة طائفية وتميز بين اتباع الديانات والمذاهب في غير صالح هوية المواطنة الموحدة والمشتركة والمتساوية وضد الوطن وتقدمه. إنها المشكلة المركزية الراهنة بالعراق. إنه الصراع بين قوى تعمل لمستقبل الوطن المدني الديمقراطي، وقوى تطرح مشروعاً ماضوياً انتهى عهده منذ قرون لتفرضه على شعب العراق في القرن الحادي والعشرين، وهو ضد قوانين التطور الاجتماعي، ضد سنة الحياة والتقدم. وهو الذي تسبب ويتسبب، رغم التباين في صياغة شعار "الإسلام هو الحل" و"الحاكمية لله"، بموت مئات الآلاف من الناس الأبرياء لا بالعراق حسب، بل وفي جميع أنحاء العالم.

إن رئيس الوزراء السابق، الذي يقود حملة شعواء ضد الإصلاح والتغيير الجذري بالبلاد، وبدعم مباشر وصارخ وتدخل فظ من جانب خامنئي، لاستوجب، لو كان القضاء والادعاء العام عادلين وغير مُسيَّسين، رفع عشرات الدعاوى القضائية ضده، ولوجد نفسه اليوم ولربما، كما أرى، في مكان آخر، وليس في قصر حكومي في المنطقة الخضراء وأمامه وخلفه عشرات الحماة "الميامين!" وسيارات الهامر المصفحة!!!

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 13-04-2016     عدد القراء :  3315       عدد التعليقات : 0