الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
العبادي وماري انطوانيت

حدث المشهد المثير في قصر فرساي الفخم ، في شرفة استطعت الوقوف في رواقها  بعد جولة في باريس وضواحيها بمناسبة  مهرجان اللومانتيه.

تخيلت ما حدث وما رواه الرواة وما قرأناه عن الشغب والثورة التي حدثت في باريس تطالب لويس السادس عشر بالخبز. يوم كنا صغارا لم نكن نعي  اهمية الخبز ، وكانت قصة الفاتنة ماري انطوانيت تثير فينا مشاعر المودة والرغبة تجاهها، وهي ترفل بملابسها المزركشة والمطرزة ببدلة من موديلات القرن التاسع عشر ، نقارن بينها وبين النساء اللواتي نعيش بينهن وهن يلتحفن العباءات السوداء فنتحسر على استحالة رؤية باريس في تلك السنين العجاف . ولكن شاء تطور الدنيا ان نتجول في ارجاء قصر فرساي وصالاته العبقة بزهو التاريخ الملكي الفرنسي الباذخ ، ورياشه وطنافسه المنتشرة في غرف القصر وكأن الاسرة الملكية ما زالت تعيش فيه ، فهذه صالة الرقص وتلك غرفة نوم الاميرة وهناك كرسي لويس السادس عشر  .

في هذا القصر طرق سمع  ماري انطوانيت  لاول مرة صراخ الجموع ، وهدير الحناجر المطالبة بالخبز، خرجت الى الشرفة  المطلة على الواجهة الامامية لحدائق القصر ،  بصعوبة ميزت الهتافات المطالبة بالخبز ، فما قيمة هذا الخبز الذي لا يخطر لها النظر اليه وتمنيه بله تناوله كطعام وهي الاميرة التي لاترى غير امهر الايادي التي تناولها الكعك والكيك الفرنسي الشهي باشكاله الملونة و مذاقاته المنوعة من طعم الفراولة والفستق والكرز والتين والاجاص ، وقد يسر الله لي تذوق بعض انواعه في اشهر مقاهي باريس ومقاصف الشانزليزيه فقارنته بكعك السيد الذي كنا نقضمه مع الشاي في امسيات بغدادية بهيجة ، ولحاجة في نفس يعقوب لم يتفوق كيك باريس  عليه، والله على ما اقول شهيد .

حين شاهدت ماري انطوانيت الجموع وهي تهتف مطالبة بالخبز ، مالت على وصيفتها  وخاطبت النادل الواقف جوارها  والحارس البعيد شيئا ما ومستشارها الذي  يستمع اليها ويشرح ما يشكل عليها من عويص السياسة والاحداث ، سألتهم بصوت رقيق يذيب النفس الزكية :

- ما ذا يريدون ؟

لم يكن شعار وطن حر وشعب سعيد قد صيغ يوم ذاك ، فطيب الذكر كارل ماركس لم يظهر في الساحة البريطانية و لا الفرنسية بعد ، ولذلك كان شعار المطالبة بالخبز يختصر الوطن والشعب والغذاء والدواء !

الخبز ... الخبز  .. مطلبنا يا اميرة البلاد الباذخة  .. نريد الخبز فنحن جياع ..اطفالنا جياع .. نموت جوعا .. الخبز .. الخبز ..

- اعطوهم بدل الخبز كعكا .. فمطبخ القصر مليئ بانواع الكعك الممتازة ... اعطوهم الكعك .. ان لم يكن لديكم خبز

وهكذا ذهب قولها مثلا في ابتعاد القصر عن الشعب في مفارقة ما زالت تذكر للتندر حتى اليوم رغم مرور اكثر من قرن من الزمان على الوقوف في تلك الشرفة التي كان لي حظ الوقوف فيها ولكن دون وجود جمهور من الجياع وانما زوار طاعمون  شباع يتجولون في ارجاء القصر بحثا عن خيال الاميرة ماري انطوانيت .

تذكرت هذا الحدث وانا انظر الى جموع العراقيين الجياع الذين اقتحموا الواحة الخضراء في غفلة من الحراس ، فاستطاعوا الوصول  الى قاعة مجلس النواب ، كانوا اكثر سلما من جمهور باريس ، حافظوا على سلامة الواحة الخضراء فلم يقلعوا شجرة ولم يقتلوا شيخا ، الا ان بعض الحماس اخذ برؤوس البعض فلم يتمالكوا ايديهم من ان تمتد الى بعض النواب بالضرب الخفيف ، في نية العتاب ، على طريقة الضرب العراقي للحبيب والذي يذهب صديقنا المصري حسنين  الى ان ضرب الحبيب  زي اكل الزبيب .

والمدهش ان تقفز الى ذهني مقارنة ماري انطوانيت الامورة الرقيقة ، بسيد وزرائنا الذي كان يتجول في ساحة قصر الخضراء ، يدور يمينا وشمالا بين حرسه المدجج بالسلاح ، فرغم شدة وقسوة تعابير وجهه التي لا تقارن بالوجه البشوش السمح لماري انطوانيت ، ولا لحيته البتراء بنعومة ملمس شعرها الكستنائي   ،  لم يظهر للجمهور كما ظهرت ماري انطوانيت للجمهور الفرنسي وامرت بتقديم الكعك لهم .

ماري انطوانيت كانت شجاعة الى الحد الذي ظهرت فيه الى الجموع ، ولكن رئيس وزرائنا لم يمتلك شجاعتها ، فلم يستطع الظهور امام الجمهور الذي انتخبهم لانهم قوم مسلمون .

لم يقدم رئيس وزرائنا سامحه الله  الكعك ولا الماء على الاقل التزاما بالضيافة العربية التي يدعونها  ، فالى رب العباد عز وجل نشكو رئاساتنا الثلاث فهو الذي سيتكفل بحرمانهم من الكعك و  الماء يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا خضراء .

  كتب بتأريخ :  السبت 07-05-2016     عدد القراء :  3441       عدد التعليقات : 0