الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
هل الرئيس التركي يسارع الخُطى نح استكمال بناء الدولة المستبدة؟

نحن أمام شخصية سياسية إسلامية متقلبة، ولكنها محافظة على الخيط الذي يشدها رغم تلك التقلبات، خيط الاستبداد في الفكر والممارسة. إنه شخصية سياسية إسلامية بدا للمتفائلين من بعض المفكرين والباحثين العرب معتدلاً في خضم تفاقم نشاط قوى الإسلام السياسي المتطرف القادم من السعودية وقطر والمتعاونين معهم من شيوخ الدين بدول الخليج والدول ذات الأكثرية المسلمة. كما جرت مقارنته برئيس حزب الفضيلة الإسلامي، نجم الدين أربكان، بعد أن تم حل هذا الحزب لتطرفه بقرار من المحكمة الدستورية التركية بتاريخ 22  حزيران2001. فانفصل أردوغان ومن معه عن هذا الحزب، وشكلوا حزب العدالة والتنمية، وادعى بأنه سيبقى أميناً لمبدأ العلمانية في الدولة التركية الذي كرسه كمال أتاتورك منذ تأسيس الدولة التركية. ولكي يكرس حكمه، استجاب أردوغان لضغوط الرأي العام العالمي ودول الاتحاد الأوروبي واتخذ خطوات مهمة على طريق الحد من دور القوات المسلحة الداخلي، ودعا إلى حل المسألة الكردية بالطرق السلمية وعبر الحوار مع حزب العمال الكردستاني، وحقق انتعاشاً اقتصادياً ملموساً وبرز ذك في تقلص حجم البطالة وفي تحسن السيولة النقدية وارتفاع سعر صرف الليرة التركية. وفعلاً فقد توقف القتال وبدأت عملية الحوار، الذي وجد التأييد الواسع على الصعيد العالمي.

ولكن هذا الحزب الإسلامي، الذي ادعى بأن غير إسلامي، أعلن عن أهدافه الإسلامية صراحة، حين بدأ التدخل المباشر في شؤون الدول ذات الأكثرية المسلمة في الجمهوريات السوفييتية السابقة، وفي كل من مصر وتونس وسوريا والعراق، بحيث سقطت ورقة التين التي كانت تغطي عورة هذا الحزب وقادته دفعة واحدة، حين اتخذ موقفاً صريحاً ضد شعب مصر، الذي رفض محمد مرسي الإخواني في قيادة البلاد بانتفاضته الوطنية، التي هيمن عليها قادة القوات المسلحة وسخروها لمصلحتهم وضد أهداف الشعب المنتفض. كما برز واضحاً في تدخله الفظ، كحزب إخواني، في الشأن السوري والعراقي، وبالتعاون مع المملكة السعودية وقطر، بالسماح لدخول الإرهابيين إلى هذين البلدين وبأعداد كبيرة، وسمح لهم بالحركة في تركيا، بحيث أصبحت تركيا قاعدة الانطلاق وقاعدة الإيواء لجرحاهم وسوقاً لمشترياتهم ومبيعات النفط المنهوب من الآبار السورية والعراقية. وكان أحد الأسباب المباشرة في تحويل انتفاضة الشعب السوري المدنية السلمية، إلى حرب فعلية ضد النظام السوري الاستبدادي، الذي بدوره وجد التأييد المباشر من إيران وحزب الله وروسيا الاتحادية، فكان الموت والدمار والهجرة المريعة التي وصل تعداد المهاجرين أكثر من 3,5 مليون نسمة وأكثر من ذلك عدد النازحين داخل سوريا من مناطق الحرب الساخنة. إن هذا الثالوث الاستبدادي، تركيا-السعودية-قطر، هو الأساس في نشوء وتفاقم دور وفعاليات قوى الإرهاب الدموي داعش بالعراق، وداعش وجبهة النُصرة وأحرار الشام وغيرها بسوريا وليبيا. ورغم إن تركيا تحاول الانقلاب على داعش، إلا إنها ما تزال، وعبر قوى أخرى، تمدها بما يبقيها بسوريا، مع التصدي لها بتركيا.

إن حزب أردوغان خسر الأغلبية المطلقة في انتخابات 10/6/2015، بسبب سياساته الجديدة الخارجية منها والداخلية، ورفض الشعوب محاولاته تغيير الدستور وفرض النظام الرئاسي على البلاد بدلاً من النظام البرلماني، في حين حصل حزب الشعوب الديمقراطي على 80 مقعداً في البرلمان. مما حرم أردوغان من إمكانية تغيير الدستور وممارسة السياسة اتي يبتغيها. وقد دفعته تلك الخسارة إلى افتعال أزمة مع حزب العمال الكردستاني وشن العدوان ضد المناطق الكردية والشعب الكردي الأعزل بإقليم كردستان تركيا. ثم حل البرلمان وأجرى انتخابات جديدة حاز بموجبها على الأكثرية المطلقة لأنه نفخ فعلياً بكل المشاعر القومية والشوفينية بتركيا ضد الشعب الكردي، وهي التي ستعود عليه سلباً بالمحصلة النهائية. ونتائج الانتخابات الثانية في العام 2015 ربما تسمح له بمحاولة تغيير الدستور، ولكنه لم يجرأ حتى الآن على ذلك وهو متجه إليه.  

إن السياسات الداخلية لأردوغان تتسم بالديماغوجية والاستبداد والكشف عن هويته الإسلامية السياسية المناهضة للعلمانية والديمقراطية، والتي وجدت تعبيرها في مطالبة رئيس مجلس النواب التركي، وهو من حزب العدالة والتنمية، بوضع دستور جديد يقوم على الشريعة الإسلامية. ولا يمكن أن يجرأ على ذلك لولا محاولة جس نبض المجتمع وبموافقة أردوغان وأحمد أوغلو له. فسياسات أردوغان تسير باتجاه فرض المزيد من منع التجول في المناطق الكردية لاعتقال الناس وقتل من يشتبه به دوم مساءلة، واعتقال الأساتذة والإعلاميين والسياسيين المعارضين وزج الكثير منهم في السجون وتقديمهم للمحاكمة. وإذا كان الغرب قد بدأ بمساومة اردوغان بسبب حاجتهم له في ادعاء مكافحة داعش، أو في موضوع اللاجئين، فأن الرأي العام العالمي يقف ضد سياسات أردوغان الاستبدادية الموجهة ضد الشعب الكردي خاصة، والشعب التركي عامة، كما إن أوروبا مجبرة على مواجهة حقائق الوضع بتركيا وسياسات أردوغان المناهضة للديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات واتباع الديانات والمذاهب الأخرى وضد حرية الرأي.  

إن تركيا أردوغان تحث الخطى صوب المزيد من الاستبداد الداخلي والحرب ضد الكرد، والمزيد من التدخل في شؤون الدول الأخرى، مما سيؤدي أكثر فأكثر إلى المزيد من الفوضى والخسائر البشرية في الداخل التركي وبدول الجوار، والمزيد من الخسائر المادية وتباطؤ العملية الاقتصادية، وخاصة بالمناطق الكردية، وتزايد القتل على أيدي القوات التركية. إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد ارتكبا خطأً فادحاً بمساومتهما غير الإنسانية والخطرة مع النظام التركي المتحول صوب الثيوقراطية البليدة والمناهضة للعلمانية، وإنهما سيكونان مسؤولين عما يجري بتركيا والمنطقة من عواقب مأساوية وكارثية، وخاصة بسبب سكوتهما عن، أو حتى تعاونهما مع، سياسة التحالف الثلاثي التركي-السعودي-القطري بمنطقة الشرق الأوسط.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 09-05-2016     عدد القراء :  2823       عدد التعليقات : 0