الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
رفع العلَم الإيراني في بغداد والبصرة

وما به رفعُ العلَم الإيراني في بعض شوارع بغداد والبصرة وسواهما؟ ألم يكن بعضنا يرفع العلم السوفييتي وينشد النشيد الأممي؟ وغيره يلوّح بعلم الجمهورية العربية المتحدة ويغني: بلادي بلادي؟ .. لكن مهلاً، لا يتعيّن أن يُؤخذ هذا الكلام على إطلاقه وأن يُعامل بطريقة "لا تقربوا الصلاة.."، فثمة صلة للحديث آتية على الفور وفي الحال.

مدينة وينزُر (Windsor) البريطانية الواقعة إلى الغرب من العاصمة لندن، على بعد 35 كيلومتراً من مركزها، كانت ولم تزل من المقارّ الرسمية لملوك بريطانيا وملكاتها. فيها إلى اليوم قلعة ملكية منيفة يمتدّ عمرها إلى ألف سنة، هي الآن من المحجّات الرئيسة لسُيّاح المملكة، وهذا ما يجعلها مركزاً لبيع المشغولات اليديوية والمنتجات التذكارية. ومن أشهر ما يُقبل عليه الزوار من الأجانب ومواطني المملكة من التذكارات هنا، صور الملكة إليزابيث الثانية والأميرة الساحرة الراحلة دايانا، وسائر أفراد العائلة المالكة، مطبوعة على الورق أو على قمصان الـ "تي شيرت" والحقائب، ولا تنافس هذه الصور صورة أخرى أكثر من صورة الثائر الشيوعي اللاتيني أرنستو تشي غيفارا الذي صار أيقونة كونية. أعلام العديد من الدول، وبخاصة التي يأتي منها أكثر السيّاح، تُعرض وتُباع هنا أيضاً.

الملكة إليزابيث الثانية تزور المدينة بين الفينة والأخرى، وتمكث في جناحها الخاص في القلعة أياماً عدة أثناء بعض العطلات. كثيراً ما تمشّت الملكة، المحافظة أكثر من حزب المحافظين، في الشوارع واشترت الصحف من الدكاكين التي تبيع الصحف والتذكارات، ولم يحصل أن سُجّل عليها شعور بالسخط أو حتى بالانزعاج لوجود صورة غيفارا، أو أي صورة أخرى لسائرات الشخصيات العالمية الثورية ، من أمثال الزعيم الجنوب أفريقي ويلسون مانديلا وزعيم حركة الحقوق المدنية لزنوج أميركا مارتن لوثر كينغ، إلى جانب صورتها وصور أهل بيتها.

هذا يرجع الى أن الملكة البريطانية تُدرك أنْ ليس لصورتها في "وينزُر" وسواها من قيمة غير القيمة السياحية، وكذا الحال بالنسبة للصور الأخرى وأعلام البلدان التي تزدحم بها، هي الأخرى، دكاكين  الـ "سوفينير"، وتُدرك أيضاً أنّ مواطنيها باقون على ولائهم لها ولبلادهم حتى لو امتلأت السماء وتغطّت الأرصفة بصور الزعماء الأجانب وأعلام الدول الأخرى.

الذين كانوا في الماضي يرفعون العلم السوفييتي وينشدون النشيد الأممي، والذين رفعوا صور جمال عبد الناصر وأنشدوا "بلادي.. بلادي"، كانوا يفعلون ذلك تقديراً لموقف معين أو تأييداً لموقف آخر. أما الذين رفعوا علم إيران في بغداد والبصرة فإنهم قاموا بذلك رداً على هتافات أطلقها بعض المتظاهرين ضد الدولة الجارة. ما قام به حَمَلة الأعلام الإيرانية لم يأتِ في إطار الإعراب عن التقدير لدور إيراني في محاربة داعش، على سبيل المثال، وإنما لقمع حرية التعبير التي كفلها الدستور العراقي لمواطني الدولة العراقية. وهذا بالذات ما يُثير الغيظ والسخط والانزعاج والاستفزاز حيال هذه الفِعلة ويوجّه اللوم للقائمين بها، وإلّا فإنّ رفع علم إيران أو أيّ دولة أخرى، في مناسبة أخرى ولغرض آخر، لا يتجاوز معناه غير عملية الرفع، ولا يتعدّى تأثيره محيط السيارات التي رفعته.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 11-05-2016     عدد القراء :  2271       عدد التعليقات : 0