الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
معزوفة البعث

عدنان حسين

قبل سنوات أيضاً، اتّهمَ رئيس الوزراء السابق نوري المالكي المتظاهرين بأنهم بعثيون وقاعديون (نسبة إلى تنظيم القاعدة)، أو أنهم محرّكون من البعث والقاعدة. لم يكن اتهاماً مستغرباً، فالمتظاهرون كانوا يحتجّون على فشل المالكي وحكومته في القيام بواجباتهما، ويطالبون باستقالتهما وتنفيذ برنامج لإصلاح النظام السياسي ومكافحة الفساد الإداري والمالي وإنعاش الاقتصاد الوطني المحتضّر وتوفير الخدمات العامة الأساس.

على أساس الاتّهام بالبعثية والقاعدية أفرط المالكي في استخدام القوة ضد المتظاهرين، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى ومعتقلين تعرّضوا للمعاملة القاسية. الاتّهام كان مُدبّراً وجاهزاً، فرئيس الوزراء السابق وجّهه قبل يوم من انطلاق المتظاهرين إلى ساحات التحرير في 25 شباط 2011، متحدّين قراره بفرض حظر التجوال في العاصمة. حتى الآن، بعد مرور أكثر من خمس سنوات، لم يستطع المالكي أن يقدّم أدنى دليل على صحّة اتّهامه، بل إنه تراجع عنه ضمنياً بإقراره علناً بعد يومين بشرعية ودستورية القسم الأعظم من المطالب التي طرحها المتظاهرون، وتعهّد بتحقيقها... ولم يفعل!

في وقت متأخر، الليلة قبل الماضية، عزف رئيس الوزراء حيدر العبادي، ومعه عدد من السياسيين المتنفذين في السلطة، معزوفة البعث نفسها، ظنّاً منهم أنهم بهذا يُبشّعون ما قام به متظاهرو الجمعة عندما تخطّوا أسوار المنطقة الخضراء واجتاحوا مكاتب الأمانة العامة لمجلس الوزراء. بالطبع فِعلة المتظاهرين ما كان لها مبرّر ولا لزوم، وليس من المحتمل أن تفيدهم في تحقيق الإصلاح، فضلاً عن أنّ مبدأ التجاوز على الممتلكات العامة والمقارّ الحكومية غير مقبول في كلّ الأحوال، فالمشكلة ليست مع جدران هذه المقارّ وطاولاتها وكراسيّها، إنما مع مستغلّيها.

لا أظنُّ أنّ في وسع السيد العبادي النجاح في ما فشل فيه سلفه فيُثبت لنا أنَّ "مندسّين بعثيين متحالفين مع الدواعش" هم من اقتحموا مكاتب الأمانة العامة لمجلس الوزراء وعبثوا بالمال العام أول من أمس .

يوم اتّهم المالكي متظاهري 2011  بالبعثية كان هو شخصياً يعتمد في إدارة سلطته التنفيذية على العديد من البعثيين الكبار(أعضاء فرقة فما فوق) الذين أعاد توظيفهم في أجهزة الدولة، بما فيها أخطرها، العسكرية والأمنية التي كانت بإمرته وتحت إشرافه المباشر بوصفه القائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية بالوكالة والمشرف على وزارة الدفاع. وكان هو شخصياً قد استثنى بعثيين كباراً آخرين من إجراءات المساءلة والعدالة ومن أحكام قانون مكافحة الإرهاب. معظم هؤلاء لم يزل في مواقعه تحت إمرة السيد العبادي في الحكومة والمؤسستين العسكرية والأمنية، فضلاً عن غيرهم من أعضاء مجلس النواب الذين ما كانوا سيخوضون الانتخابات ويفوزون لولا استثناءات المالكي.

إذا كانت معلومات السيد العبادي بوجود "مندسّين بعثيين" بين مقتحمي المنطقة الخضراء أول من أمس صحيحة، فهذا يعني أنّ وجود البعثيين بين المتظاهرين أمرٌ يستفزّه.. السؤال : لماذا لا يستفزّه بالدرجة نفسها وجود البعثيين داخل المنطقة الخضراء قريباً جداً من مكاتبه ومسكنه، وعلى رأس العديد من أجهزة الدولة المدنية والعسكرية وبين ثناياها؟!

  كتب بتأريخ :  السبت 21-05-2016     عدد القراء :  2229       عدد التعليقات : 0