الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
العراق يستاهل

من أول يوم كنا نفكر فيه بالتظاهر..لما كانت الجلسات العفوية بلا تخطيط أو تكتيك سوى ان الأفكار كانت مشتركة في حب العراق وهموم الناس وكيفية الخروج من حالة التشظي الذي يعيشها الوطن الجريح والفساد الذي نخر كل صغيرة وكبيرة.

وفي الوقت الذي كنا نخرج فيه للتظاهر كنا نشهد رفقة مؤيدة وأخرى تستهين بنا وجماعة أخرى يصل بهم الحال حد التجريح واستصغار استمرارنا بالتظاهر، لا بئس فنحن في زمن حرية التعبير لكن بدون حصانة تحمي الطرف هذا أو تحاسب الطرف الأخر من الضرر الذي يخلفه الرأي المؤذي غير البناء.

انا مواطنة عراقية انتمي لعائلة بسيطة تحملنا ما تحمله كل العراقيين من عوز وانفراج وحصار وانحسار وكافحنا كأسرة كي نصل الى ما نحن عليه من حالة ميسورة تكفينا وتحمينا من الوقوف عند أبواب المتسلطين والمتزمتين من أرباب السلطة ، يملئني الإصرار قدر حزني على الواقع الأليم الذي نحن فيه، وأستشيط غضبا عندما أرى استهتار المسؤولين وأذنابهم بحال البسطاء والضعفاء من بنات وأبناء بلدي.

يؤلمني وانا اسير في طريق ابونؤاس وارى قطعة تقول ( الدار للبيع ) على جدار بناية عمرها أكثر من مائة عام تحمل عن تراثنا العريق أروع صورة من صور التصميم المميز ومهارة لن تتكرر عن فن العمارة.

أتألم وانا أرى أسرابا من الأطفال ( بنات وبنين) تركت الشمس اثارها على وجوههم البريئة، وهم يقفزون من جانب لأخر في تقاطعات السير يستجدون لقمة العيش ويتسولون طعاما لعوائلهم.

وأكثر ما أخشاه ان أتمشى في شوارع بغداد وعصابات الطريق ولصوص الدراجات النارية لم تترك لنا مساحة للطمأنينة والأمان.

أتعجب عندما أواجه موقفا أنسانيا واضحك بداخلي وأقول لازالت الدنيا بخير وهناك أناس طيبيون لم تغيرهم ظروف الزمن القبيح.!

استغرب أكثر وأنا ادخل من باب المعهد الذي ادرس فيه وألقي التحية فلا من مجيب سوى صوت في داخلي يقول لمن السلام في قوم يتحدثون بالاسلام كشعارات فضفاضة ولايريدون السلام على هذه الأرض التي ابتليت بالحقد والفساد والفتنة؟!

اشعر بالحسرة عندما أغيب لأشهر عن مدينتي ( النجف ) وفي طريق السفر إليها أراها خالية من الخدمات فالشوارع تملئها الازبال ، فارغة من الحياة فلا الشوارع مبلطة والمتنزهات تحولت للتجارة الرخيصة بلا أشجار وبلا بيئة صحية ولا وسائل للراحة.

انا الان أعيش ببيت أيجار مع عائلة صديقة لي يهدد سقفه هطول الأمطار ونشعر بالخوف كلما استمر هطول المطر لساعات فنغرق كما تغرق بيوت الصفيح وخيمات اللاجئين.

أهلي يعيشون ببيت ثمنه تعب رجليّ أمي وهي تحرك قايش الماكينة لتخيط ملابسنا كما تخيط للفقراء أمثالنا، وأبي لم يملك في هذا البلد مترا واحدا من استحقاقه كمواطن ومعلم للأجيال استمر مخلصا لمهنته لأكثر من 30 عاما حتى اجبره احد أقزام النظام على اختيار التقاعد بدلا من الرضوخ للنظام الدكتاتوري ، لكن الحكومة شاطرة في مكافأته عندما تتجاوز على راتبه التقاعدي الشهري الذي لايتعدى 800 فتستقطع منه 75 ألف دينار عراقي وبلا حياء.

انا أعيش ببلد شبابه يحاسب كل يوم على جلوسه في المقاهي لطلب النركيلة أو على طريقة حلاقة شعره أو على لون قميصه، ولا يحاسب المسؤول على طفح الشوارع وانتشار الازبال وتسول الأرامل في الطرقات.

ببلدي خريج الهندسة يجر عربة في شارع الرشيد ليكسب ماله بشرف، في حين يجلس ثلة من تجار الدين والسياسة على كراسي البرلمان بشهادات مزورة وتاريخ مزيف.

ادرس في معهد يفتقر لكل مستلزمات الدراسة من ماء وكهرباء وحمامات واخجل اذا قلت يمر النهار أحيانا ولا نستطيع الدخول للحمامات الصحية بسبب انقطاع الماء أو سوء الحمامات نفسها، وسئمت من واقعنا التربوي ونحن نمضي الأيام الدراسية في البحث عن كرسي للدراسة أو قاعة تحتوينا لنأخذ محاضراتنا بشكل طبيعي وهاهي تنتهي السنوات الدراسية الخمس من سيء إلى اسوأ دون مبادرة حقيقية من المسؤولين لتحسين الواقع التربوي في العراق علما ان هذا الحال تعيشه اغلب المدارس والمتوسطات والثانويات والاعداديات العراقية.

لهذه الأسباب وغيرها قررنا الخروج للتظاهر ولم يكن همنا غير هموم الناس ومشاكل الشباب واحتياجات النساء والأطفال، خرجنا لنذكر باحترام الدستور وتطبيق القانون والمطالبة بمحاسبة اللصوص والفاسدين، خرجنا لتعود بغداد وكل مدننا العراقية جميلة وزاهية بأصالتها وبناسها المخلصين بدون طائفية ولا مسميات ضيقة تمزقنا ، لم نخطط لإسقاط دولة بل فكرنا ورفعنا صوتنا عالياً للمطالبة بالإصلاح وإسقاط رموز الفساد ومحاسبتهم.

أفتخر أنني كنت جزءاً من هذا الحراك ومع الأوفياء والمخلصين لقضية الوطن والشعب ، ونفتخر جميعنا أننا خرجنا ليس لطمع أو تباهي أو للاتجار بهموم الناس ، خرجنا للاحتجاج والمطالبة بأنصاف المظلومين والفقراء لم تكن غايتنا إلا أصلاح ماأفسده المسؤولين اللصوص الذين تاجروا بالبلد والناس والدين، لم ترهبنا مظاهر الشقاوات والعنتريات الدنيئة ولم نساوم ولم نخضع لرهاناتهم القذرة، والتاريخ سيسجل هذه المرحلة المشرفة مهما حاول الطغاة تغييبها، كنا أحرارا أمناء على مطاليب الناس نملك ضمائر حية لم تعرف التعب ولا الهوان وسنظل أحرارا ننشد للحرية والعراق يستاهل ان نتظاهر من اجله حتى ينعم من جديد بالأمان والسلام ويعود إلى مكانته بين الأمم ويرفل شعبه بالعدالة الاجتماعية والحياة الحرة والكريمة.

  كتب بتأريخ :  الأحد 29-05-2016     عدد القراء :  3732       عدد التعليقات : 0