الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
محنة الثقافة العراقية من محنة التعليم والصحة

أدركت الشعوب إن حجر اﻷساس لتنميتها وتطورها ، قائم على محاربة اﻷمية ، وتقويم المناهج التعليمية بما يضمن صقل سلوكيات ابناء الوطن وتطوير عقليتهم ، برسم خطط واضحة وإستراتيجية شاملة لتطوير الثقافة على مختلف اﻷصعدة ، أبتداءا من رياض اﻷطفال و التعليم اﻷولي اﻹلزاملي الى المهني والجامعي ، بما يواكب علمية التطور العلمي والحضاري للقرن الحادي والعشرين ، مع تهياة مستلزمات مساهة أبناء الوطن لعملية بناء مستقبله قائمة على تلقين الطالب تربية وطنية ، تنهض بها العائلة والمدرسة ومعلم مضطلع على أساليب التعليم الحديثة ، مع إقران ذلك بحضوة تقديم المساعدات المادية واللوجستية ، لببناء مدارس حديثة تتجاوب مع البيئة وخاصة في الريف ، وبيوتات لطلبة المعاهد والكليات ، تحرص على توفير مناخ دراسي ، وشروط معاشية ﻻئقة . وإعتبار ذلك دين على الطالب يدفعها عند الخدمة ، أسوة بما يجري في العالم . وعند غياب ما ذكر أعلاه ، فستبقى العملية التعلمية عرجاء و الثقافة صماء ، والصحة يلازمها مرض مزمن يصعب علاجه حتى في الظروف السلمية ، سيما وإن أكثر العوائل العراقية ، فقدت قدرتها اﻷقتصادية منذ الحقبة البعثية وحروبها العبثية التي وقف وراءها النهج القومي للحكم .

لقد أتسعت مساحة الفقر في العقود اﻷخيرة ، لتشمل شرائح واسعة من الطبقة الوسطى(عماد قوة العمل) ، بعد غياب خطط مشاريع التنمية الوطنية ، وبصورة خاصة عند تبني نهج المحاصصة الطائفية والقومية المقيت ، الذي أخفى الفاشلين وتستر على الفاسدين ، الذين بنوا أعشاشهم في أجهزة الدولة ، بدعم من رؤساء الكتل السياسية ، فداسوا على الدستور ، وتنكروا حتى للديمقراطية الهشة وحق التظاهر بإستعمال القوة المفرطة عند المطالبة بأبسط الحقوق ، إذ خلال 13 عاما لم يجد المواطن ما يقنعة بمعايشة أوضاع مأسوية وقوانين موروثة من النظام الدكتاتوري تطبق في مجمل المؤسسات اﻹدارية واﻷمنية ، دون إجتثاث أدواتها ، مسبيبين ضائقة إقتصادية ستتعمق بشروط البنك الدولي ، خاصة في مجال التعليم والصحة والثقافة الجمعية ، التي وضعت ثورة تموز المجيدة حجرها أﻷساس بما ينسجم وثقافات مكونات شعبنا العرقية ، وأهملت بشكل متعمد في الحقبة الصدامية ، وتواصل إهملها في حقبة حكم اﻷحزاب اﻹسلامية بعد تبنيها نهج المحاصصة ، رغم التخمة اﻹقتصادية ، التي تبخرت بالسرقة ، وبمشاريع وهمية لتدخل جيوب الذين ﻻ زالوا متنفذين على مواقع القرار. فكيف يُراد لها ان تنتعش في ظل الضائقة المالية ومعركة تحرير اﻷرض !؟ ، مالم تسخر لخدمة التنمية ، على ضوء اﻹستفادة من تجارب الشعوب التي عالجت هكذا أوضاع يمر بها عراقنا حاليا وقد إثقل بديون البنك الدولي وشروطه المجحفة

فثورة أوكتوبر اﻹشتراكية ، نهضت بشعب بائس فقير تسوده اﻷمية ، عندما أعطت اﻷولوية لمكافحة اﻷمية وكهربة البلاد وإلزام خطط التعليم اﻹلزامي وتطوير الصحة ، فتحولت خلال سنوات من صف الدول الفقيرة والتعيسة الى مصاف الدول المتقدمة ، رغم محن الحروب اﻷهلية والتآمر الرأسمالي الذي حشد قوته المادية واللوجيستية ﻹجهاضها ، لقناعة قياديها المسبقة ، بأن إبقاء نصف مجتمعاتها ( النساء ) أميا يقلص عملية تقدمها ويُبقيها آخر الصف . فوضعت خطط تعليمها وتثقيفها مع الرجل ليتحملا مسؤولية بناء الوطن ، فأعطت تجربة رائدة لشعوب العالم إستفادت منها دول عديدة ، منها كوبا التي أعطت اولوية للتعليم والصحة في برامجها التنموية ، رغم إمكانياتها المادية المحدودة ، فكافحت اﻷمية التي كانت سائدة في المجتمع . وبنت المدارس المسبقة الصنع ، فتحولت رغم الحصار اﻷمريكي الى دولة عكست تطورا ملحوظا ومرموقا في كثير من اﻷصعدة وبصورة خاصة الصحة والتعليم ، وقبلها ثورة تموز المجيدة في العراق حيث عبأت المتعلمون في حملة مكافحة اﻷمية ونشر الثقافة الصحية ( استوزرت وزيرة للصحة) . فنجحت الثورة بذلك نحاحا أشادت به الشعوب . ومن ثم أعتمدت تجربة أعطاء اﻷولوية للتعليم والصحة الكثير من الدول منها ماليزيا والصين ، وتطبق حاليا في الهند وإيران محدثة طفرة حضارية بشكل ملفت للنظر ، وتتناول تطبيقها العديد من الدول النامية في أمريكا اللأتينية وجنوب شرقي آسيا ، في مكافحة اﻷمية ، والنهوض بتطوير التعليم والثقافة والمجال الصحي ، فصارت تسابق الدول المتقدمة في التنمية البشرية والصناعية ، بينما الدول التي غلبت المصالح القومية والمذهبية على المصلحة الوطنية ، بقيت تهمل التعليم والصحة فتدنت ثقافاتها ، مع تسرب ملحوظ من المدارس لسوق العمالة . فإنخفض مستوى التعليم ، لدرجة أن بعض فقدت معيار تسرب تصنيفها الثقافي على مستوى خريطة العالم كما حصل لعراقنا الحبيب حيث أحتل موقع آخر الصف بجانب ليبيا وسوريا واليمن والصومال ، لعدم توفر أبسط معايير الجودة في التعليم والصحة رغم تمتعه بثروات طبيعية هائلة

لقد مرت الثقافة العراقية بمنغصات ﻻ زال المتلزمين بتطويرها ، يواجهوا مصاعب التعامل مع حملة ثقافة الفكر القومي والنهج الطائفي ، في التصدي لمساعيهم الرامية لتطويع الثقافة والتعليم في أطر هذين الفكرين البعدين عن معرفة وسائل التنمية والتحضر ، فأضحت ثقافتنا في مهب الريح ففي الحقبة الصدامية إتبع صدام سياسة العصى والجزرة و فرض إستبداد المفاهيم القومية على التعليم والثقافة ، وبعد سقوط الصنم وتبني النهج الطائفي يُنتهج نفس اﻹسلوب ، حيث أصيبت بالشلل سياسة خطط تطوير التعليم والصحة والثقافة ، ومرد ذلك يرجع للمغالات في الطائفية وبهرجة المناسبات المذهبية ، مع مصاحبة غسل أدمغة بسطاء الناس بإطاعة أولي اﻷمر ، الذي تعمل ميليشيات منفلته على إجبارالناس تطبيقة مع منع مسرات التسلية والتحضر ، من موسيقى ومسرح وسينما وسركس ونشاطات ترفيهية تمارسها الجماهير منذ عقود. ومع ذلك بقيت أدوات المثقفين والعلماء والفنانين ثابتة وقوية أمام تحديات المتزمتين ، فقاموا بتنظيم نشاطات تدعو ﻹغتناء الكتاب وتنظيم حملات أنا أقراء ، وهي حملات رائدة تحتاج لتظافر ومشورة أوساط واسعة من كافة المعنيين بتنمية المجتع العراقي

  كتب بتأريخ :  الإثنين 20-06-2016     عدد القراء :  2775       عدد التعليقات : 0