الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الديمقراطية في اروع تطبيقاتها
بقلم : عبد الصاحب الناصر
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لا يوجد تمثيل  او تطبيق ديمقراطي مائة  بالمائة  في كل العالم، هذا حلم من الصعب وجوده،  لانه يعتمد على التصويت و التمثيل (1).هنالك بلدان تطبق فيها الديمقراطية بحدود ٨٠ الى ٨٥ ٪ و هناك من الطرف الثاني بلدان  تطبق فيها الديمقراطية من ٢٠ الى ٢٥ ٪ ، يعتمد على اصالة و عمق التطبيق الديمقراطي في هذا او ذاك البلد  او  ضعفه.

ما جرى في المملكة المتحدة ( انكلترا  ، ويلز ، سكتلندا و شمال ارلندا مع جبل طارق و الجزر البريطانية ) في استفتاء عام (referendum)  حول البقاء ضمن الاتحاد الاوربي ام الخروج منه. و جاءت النتيجة لصالح الخروج من الاتحاد الاوربي بنسبة قليلة ).(51,9 - 48.1 % لصالح الخروج من الاتحاد الاوربي.

١* التصويت و التمثيل . ففي ارقى الدول الديمقراطية تجري الانتخابات بان يصوت الناس لصالح هذا المرشح  على الاكثر ليمثل منتخبيه في البرلمان حسب برنامج ذلك النائب و حزبه او جماعته الذي يعلن عادة قبل الانتخابات و يسمى البرنامج الانتخابي و من صوت له. وهذه المناهج الانتخابية هي التي يعتمد عليها المصوت لينتخب، لكن هذه المناهج او البرامج لا تشكل كل امور الحياة التي ستمر خلال سنوات عمر مجلس النواب، من اربعة الى خمس سنوات، بل  سيتصرف النائب في الامور التي ستحدث من خلال انتمائه الحزبي و ما تمليه عليه انتماءاته. الا في حالة مثل الحالة البريطانية الاخيرة حيث يحسب صوت المصوت كاملا بدون تمثيل، اي التصويت المباشر. و تركت الاحزاب البريطانية للمصوتين حرية التصويت كما يرونه مناسبا، صحيح كانت هناك مقابلات و دعايات و ارشادات، الا انها بقت ضمن حدود النصائح و بقي حق المصوت كاملا بدون اي تأثير مباشر.

صوت الناس في بريطانيا بفارق ضئيل للخروج من الاتحاد الاوربي، و هو نفس السبب الذي دفع الناس للتصويت بهذا الاتجاه، اي هي البيروقراطية و التمثيل غير المتفق عليه مسبقا من قبل الناخب و المنتخب. توسع الاتحاد الاوربي في قبضة حديدية و في السيطرة البيروقراطية على سن القوانين و كتابة التعليمات و توحديها لشعوب تختلف في الدين و المذهب و العرق و التاريخ و اللغة و التراث وحتى العادات. وهذه هي اعظم خطيئة اصابت الاتحاد الاوربي، حين حشر الناس على اختلافهم كما ذكرت في اعلاه  في سلة واحدة يقودها البيروقراطيون من بروكسل. و اضحت اوربا متوحدة و غير متوحدة ، فهناك بلدان غير منتجة على المستوى المطلوب بل تعيش على  انتاج البلدان المتطورة صناعيا و اقتصاديا، كالمانيا و بريطانيا، وهناك بلدان هبط فيها الانتاج الصناعي و المستوى الاقتصادي فاضحت تعيش على المساعدات الاوربية الى درجة تحتاج كل عام او اقل الى اعادة جدولة تسديد(فوائد القروض) .لكن لها اصوات  في البرلمان الاوربي تقف امام اي تطور او اعادة تنظيم الامور الاقتصادية و الصناعية. فلكل عضو في لاتحاد الاوربي حق النقض (فيتو)، يسد الطريق امام رغبات او طموحات  السبعة و العشرين الاعضاء الاخرين. و شعر الناس ، ليس في بريطانيا وحدها، بل في كثير من البلدان شعروا انهم فقدوا بعض من حرية اختيارهم حيث تساوت بريطانيا او المانيا مع كرويشيا و سلوفاكيا و بلغاريا و اليونان وغيرها من بلدان الاتحاد هابطة الانتاج و المستوى الثقافي و العلمي و الصناعي .و اصبحت تلك البلدان كما ذكرت في اعلاه عالة على الكثير من الدول المتطورة في الاتحاد الاوربي.

فصوت الشعب البريطاني في اروع تمثيل ديمقراطي كشعب ذي إرادة يعتز بتاريخه و ثقافته وعاداته و نظام حكمه و اسلوب حياته.

شخصياً كنت ارغب أن أصوِّت بان تبقى بريطانيا مع الاتحاد الاوربي و ان تعمل من الداخل للاصلاح. لكن النظام الاوربي و حق اي بلد باستعمال حق(الفيتو ) لسد الطريق على السبعة و العشرين عضوا الباقين تصرف غير ديمقراطي، بالإضافة الى توسع عصابات الموظفين البيروقراطيين في بروكسل، جعل الناس ترفض هذا الاستئثار او التصرف غير الديمقراطي.

إذاً، الديمقراطية اسلوب يصيب او يخطئ حسب درجة الثقافة و التعليم في اي بلد وحسب  المستوى الاقتصادي و الصناعي .و الأهم حسب مستوى الثقافي والحس الانساني عند الشعوب، و الديمقراطية هي تصرف شخصي انساني توقف حدود الشخص عند حدود الاخرين.

و امسى الاتحاد الاوربي اشبه بالقطار ذي درجات ثلاث، و العربات ذو المستوى المتفاوت في الخدمات  و الاجور. و تصر نقابات العمال في  اليونان وايطاليا واسبانيا و فرنسا بتحديد ساعات العمل بخمسة و ثلاثين ساعة في الاسبوع فقط !.في حين توقف النمو الاقتصادي الى حدود خطيرة  تقلل في مجالات التطور و الانتاج .فمعدلات البطالة في الاتحاد الاوربي بحدود ١٠ ٪ بينما في بريطانيا  بحدود ٥٪ و ٤،٥ ٪ في المانيا ، كما ان الباطالة في اسبانيا بحدود ٢٥ ٪.

و اتخذت قوانين موحدة لبلدان تختلف فيها التقاليد و العادات و الاهم التصرفات الاخلاقية . فكيف يتمكن شخص جالس في بروكسل من سن قوانين تساوي بين الجميع و تشملهم  كلهم في بودقة واحدة .

ان التصويت الذي حدث  في بريطانيا يذكرنا بتاريخ هذا البلد  العريق و تاريخ الديمقراطية فيه منذ اتفاق  Magna Carta "الميثاق العظيم" سنة ١٢١٥.

كما يذكرنا باختلاف مستوى الديمقراطية  في بريطانيا بعد تطورها و بالاخص في زمن الملكة اليزابيث الاولى (١٥٣٣-ـ ١٦٠٣)  ابنت هنري الثامن

مثال:-

اشتكى كثير من النبلاء عند الملكة اليزابيث الاولى ، ان عدد الكاثوليك كثير و يأخذون اوامرهم من فيليب ملك اسبانيا و كل واحد منهم هو قاتل محتمل (الفلوجة !).

تساءلت الملكة ، كم عدد الكاثوليك في انكلترا ، قيل لها اعداد هائلة سيدتي، ربما نصف  انكلترا. قالت، وماذا تودني ان اصنع ، اقتل نصف شعب الانكليز ، او يسجنون؟ و اضافت ، اذا خالف الناس القوانين، سيعاقبون ، الى حين ذلك الوقت سيكونون  محميين قانونا ، و اضافت ، الخوف يولد الخوف يا سيدي اللورد. لست جاهلة بالاخطار المحتملة ، لكني لن اعاقب شعبي بجيرة معتقداته .سيحاسبون عن اعمالهم فقط.

ستكون لنتائج التصويت الاخير في بريطانيا عواقب كثيرة ستجر الى اعادة التفكير في هيكلية الاتحاد الاوربي كما سيعاد التفكير في الاسلوب الديمقراطي و سطوة الاعلام التي تتلاعب بافكار الناس و تشوشها، مثلا كتب عن التخويف من العرب و الاسلاميين ما لا يعقل، بتخويف الناس من الاتحاد الاوربي . نشرت دعاية تقول بان تركيا و العراق سيدخلون في الاتحاد الاوربي ! نعم هذا ما نشر. و هنا اثير انتباه الى سطوة الاعلام المغرض الموجه الذي يتخذ من الاسلوب الديمقراطي حماية له .فيخيف الناس في لحظات معينة تؤدي بالغرض و لا يهم بعد ذلك تكذيبها ام لا .فلقد وقعت الفاس بالراس.

لقد استقال السيد كامرون (حزب المحافظين) بعد ساعات من اعلان النتائج و بعد فشله في اقناع الناس بالبقاء ضمن الاتحاد الاوربي . و يطالب نواب من السيد جرمي كوربن (زعيم حزب العامل) بالاستقالة من منصبه لنفس السبب .و برزت الاف الاسئلة و الاحتمالات كنتية لهذا الاستفتاء.و اهمها هو ، اذا ارادت بريطانيا ان تحافظ على علاقاتها التجارية مع الاتحاد الاوربي ، سوف لن تتمكن من فرض سيطرة على الهجرة من الدول الاوربية الى انكلترا، حيث الفوائد و الفوارق كبيرة في بريطانيا عن بقية بلدان اوربا.

لندن في 26/06/2016

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 28-06-2016     عدد القراء :  2616       عدد التعليقات : 0