الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
سنفونية التراث والشباب الهارب

عندما كنّا أطفال، والبراءة تغمرنا من (مخيخنا) إلى (الطين الذي نتمرغل) به وكأنه (لحاف) من الحرير الطبيعي، وقبل أن يفض التحليل بكارة عقولنا وعذرية سذاجتنا، كنأ نقرأ عن أمجاد الأسلاف وخوارق رجالات العصور الغابرة، وكان الكثيرين يتفاخرون بتلك الشوارب التي يقف عليها الصقور، وعندما يكلموننا عن الحضارة وعبقرية (العتيقين)، كنّا نلعن الغباء الذي أصبح سمة العصر، وبعد ان بدأت حركة العقول نحو التحليل أكتشفنا بأنه ليس هناك من وسيلة (لتجحيش) البشر غير فتح (قبغات صماخاتهم) وقتل الطموح بهم وزرع فكرة انهم ومهما عقلت عقولهم وابرعت، إلا انها تبقى رقم ضئيل بالنسبة لأجدادنا العظام والذي يصفون (كديشهم) اذكى من فطاحل زماننا!

وبذلك نعيش بحالة من الألتفاف حول التراث والتقوقع بقدسيته، ونخنق المبدعين بحجة أن تغيير التراث كفراً بحكم مثبت بصك إلهي، ومن يحاول ان يتجرأ ويخاطب عقولنا في هذا الزمن بمفردات رائعة (فستبول) عليه جيوش الملائكة قاطبة، ولو اردنا ان نعيش الحاضر بتألق، فعلينا ان نتنفس (البالي الرث - الغالي والنفيس)، من الذي منيَّ علينا او ابلونا به البعض المعدود بأصابع اليد، من الذين عاشوا قبل مئات السنون وآلاف الشهور وعشرات الألوف من الأيام وشيء قليل من الدقائق والثواني واعشارها، وهذا القليل هو ما نعتقده الحاضر الذي نعيشه، فالـ (يوّلي) الزمن برمته، وليخرس من يواكبه!

منذ بدء مسيرتي في الكنيسة بعد انقطاع طويل، وأنا ابحث كي افهم وأسأل من المعنيين من لا يفهم، لكنه يعرف يقرأ وينشد بلحن! حتى لم اعد ابحث، لأني لا اعرف اللغة قراءةَ وكتابةَ وقولاً، ومن يقرأها لا يفهمها ويتكلم الدارج فقط! بكل الأحوال من يعرفها يفترض أن يكون افضل مني بحبه وولعه بالكنيسة والطقس وهويتنا الكلدانية.

ومن كان يفهم ويجيب، فحتماً سيكون من طلاب الدير الكهنوتي قبل رسامتهم، لأن بعد فترة من ممارسة الكهنوت قلّما يفتحون مواضيع دينية او طقسية عند زياراتهم او اللقاء بهم خارج ممارستهم للطقوس!

ومن الشمامسة اعجبت بالمعلومات المهمة التي يملكها الشماس الأنجيلي لويس نيسان رحمه الله، حيث كان مرجعاً مهما في الطقس الكلداني واستفدت منه الكثير أثناء تواجدي في الأردن.

ومن يقرأونون ويرتل و (يخبصونا خبص) فأن السواد الأعظم منهم لا يفقهون الصلوات الطقسية، وخصوصاً صلاة الرمش والصوبارا.

اتذكر مرة احد المتبجحين بالطقس واللغة، ومن المتشدقين علينا من اجلهما، وبعد سلسلة من النقاش الحضاري (الدامي)! ومنها الأستهانة بلإيماني كوني في وادٍ واللغة في وادٍ آخر، رديت له الصاع بصاع وقلت له: الملائكة (إن وجدت) فستهرب من طريقة صلواتكم (الخبصاوية) واقصد الصراخ الذي يسمعونا أياه اثناء صلاة الرمش، فقال لي:

انت لا تفهم اللغة لهذا لا يمكنك ان تستمتع بصلاة الرمش، لأنكم بعتم اصلكم وتراثكم وووو ..... (طبعاً جفصات من التي).

قلت له: ترجم لي هذا المقطع، كنت قد حفظته حينها وأقوله بلكنة الهندي الذي تعلّم العربية حيثاً؟  فاجابني: حتى وإن فسرته لك فلن تفهمه كما هو لأن الكلام رائع وليس له بديل في العربية، فطلبت منه أن يترجمه لأصحابنا الذين يشاركون نقاشنا الحضاري (الفاجخ)، فعرف كيف يتملص! لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

وحقيقة الأمر هو يقرأ ولا يفهم حاله من حال (العبرية)، لكنه بأختصار شديد يتبجح!

اشبه طقوسنا ببيت قديم مات صاحبه وورثه اهل بيته، وفيه شقوق وقد ينهار على رؤوس ساكنيه إن لن يرمم، ولا يملكون المال لترميمه، وبينهم من يرفض بيعه كونه قديم وله قيمة؟

هناك واقع مرّ يمر به المسيحيين في العراق قاطبة وكلامي عن الكلدان، من يترعرع من ابناءنا في الدول الغربية لا يشتري طقوسنا ومؤلفيها بـ (شيكل)، فهم بهذه الدول المحترمة يقتنعون ثم يمارسون، وليسوا (درخيين مثل ربعنة)، حتى في الزواجات نرى الأغلب يطلبون الأذن كي يقتبلوها في كنائس الغرب لأنهم يريدون ان يفهوا ما يتلى عليهم ويقال لهم، ويفترض بالعقلاء ان يفكروا بهم وليس بالأرث والتراث.

على العقلاء من المعنيين في الكنيسة الكلدانية ان يعملوا بجد على تجديد الطقوس وعصرنتها خوفاً على مصير ابناءنا الأيماني، ولا يلتفتوا لأنتقادات وهجوم الذين يتصورون بأنهم يخدمون كنيستنا بتعلقهم المبالغ بالطقوس القديمة وتقديسهم لللغة، بالعكس تماماً، فهم يهدون اهم اعمدة الكنيسة وهم الشباب ومن بعدهم اطفالنا.

ومن وضع الطقوس قديماً، إنما وضعها بعبقرية تي تناسب القدامى، وكانت الناس تفهم تلك العبقرية ونحن لا نفهم!

فأما نحن متخلفين عنهم، او بحاجة إلى عباقرة جدد في كنيستنا كي يخاطبوا عقول ابناءنا، ام الذي خلق عباقرة ايام زمان قد كسر القالب!!؟؟

سأقترح على المعنيين ان يقيموا قداساً مختلف كي يتأكدوا من أن طقوسنا لم تعد مناسبة لعقولنا:

إجمعوا اشخاص ملتزمين كنسياً من مراحل عمرية متباينة ومن عدة قرى مجاورة في كنيسة يوم أحد ومن بينهم شمامسة، واجلبوا كاهن رخيم الصوت، متمكن بالأداء، يقدّس لهم قداس لاتيني باللغة الهندية، وقولوا باننا سنقدّس كامل القداس بلغتنا الجميلة التراثية الرائعة، وطعموا القداس بلاخو مارا وقديشا آلاها وماريا حسا حطاي والكلام الجوهري ومارن إيشوع مع آوون دوَشميا بلغتنا، وأنا اعدكم بأن اعينهم ستغرورق بالدموع إنذهالاً وخشوعاً، وحال انتهاء القداس سيقولوا: (ما اروع القداس الكلداني بلغتنا)، وسيصبح هذا القداس حديث الشارع فيما بعد.

هذا القداس الهندي مع تطعيم كلداني، لا يفرق عن الصيني والموزنبيقي عند ابناءنا في المهجر، ولا يختلف عن الكلداني أيضاً، فهي جميعاً لا تدغدغ أحاسيس الشباب لغتاً ولحناً ولا أداءً، بينما الطقس اللاتيني يشبعهم، وياليت كنيستنا تعتمده، فهو لم يقف عند عباقرة الأسلاف، وإنما عباقرة الزمن الحاضر أيضاً، ونحن جلّ ما نملكه شعراء حب بلغتنا المحكية والتي يطلقون عليها السورث وهي تسمية خاطئة.

يقول ادولف هتلر:

أن التقدّم والحضارة هما نتيجة جهود العبقرية، لا نتيجة  ثرثرة الأكثرية

فأي حضارة ممكن ان نخلق بدل هلوسة الحفاظ على القديم؟

هتلر قال كلامه وهو يشير إلى حضارة المانية الجديدة، والشرقيون يثرثرون بأمجاد الماضي.

والماضي مضى وراح زمنه، والحاضر يستند على الماضي السحيق، و (بهالشكول) الثرثارية لا نملك مستقبل.

وكما أن  الدم إن لم يتجدد يفسد ويؤدي إلى هلاك صاحبه

كذلك طقوسنا هي دماء في جسد كنيستنا المنظورة

وقد يكون القديم الغير مفهوم يثير مشاعر الانتماء، إلا أنه لا يخدم إلإيمان بشيء

وكنيستنا تخسر الطاقات الشبابية خصوصاً عندما يكون الكقس قديم، وعقلية الكاهن اقدم، وشبابنا يهربون، فمن يبالي؟

  كتب بتأريخ :  الخميس 30-06-2016     عدد القراء :  2823       عدد التعليقات : 0