الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
التيارات الفكرية والسياسية المحركة لعملية التغيير بالعراق

   تشير معطيات الشارع العراقي إلى وجود تيارين فاعلين يساهمان في تحريك المزيد من المثقفين والأوساط الشعبية لصالح عملية التغيير والإصلاح الديمقراطي والتخلص من نظام المحاصصة الطائفية والتمييز والفساد والإرهاب، وهما:

   أ‌. الفكر المدني التنويري الذي تتبناه القوى اليسارية والمدنية واللبرالية الديمقراطية العلمانية. وهو التيار الفكري الفاعل والمتطور تدريجاً، ولكن ما يزال لا يمتلك التأثير الواسع والمنشود على الشارع العراقي، وعلى قاعدة واسعة من الجماهير الكادحة والمثقفين، رغم وجوده وفعله البارز والمستمر ببغداد وفي جميع محافظات الوسط والجنوب.

   ب‌. الفكر الديني المنفتح نسبياً والمؤثر على نسبة مهمة جداً من كادحي محافظات الوسط والجنوب وبغداد الشيعية والمؤيَد، بهذا القدر أو ذاك، من قوى إيجابية في الأوساط السنية، بسبب رفضه للمحاصصة الطائفية والتمييز ضد السنة. وهذا التيار قد تطور بشكل ملموس منذ العام 2014 حتى الوقت الحاضر.

   إن بين هذين التيارين نقاط التقاء سياسية، ونقاط اختلاف فكرية وسياسية في آن واحد، فهما يلتقيان في النضال ضد المحاصصة الطائفية وضد الفساد والهيمنة على السلطات والدفاع عن مصالح الكادحين المنتسبين إلى هذا التيار والمؤيدين له وتوفير الخدمات الأساسية وضد البطالة وتفاقم الفقر وتعاظم نهب خيرات البلاد والمطالبة بتقديم المسؤولين عن احتلال الموصل والفساد على المحاكمة، ولكنهما يختلفان من حيث الفكر ووجهة تطور العراق والنظام السياسي الذي يراد إقامته. وهو خلاف كبير وجذري دون أدنى شك. ولكن المرحلة النضالية الراهنة تستوجب اللقاء في الشارع على تلك الأهداف المباشرة، وبرؤية واضحة وملزمة لنقاط اللقاء والاختلاف، لكي لا تذوب الفوارق إلى الحد الذي يمكن أن تفقد القوى الديمقراطية اللبرالية معه استقلالية نضال القوى المدنية في سبيل مجتمع مدني ديمقراطي حديث وعلماني. إن نضال قوى الحراك المدني الشعبي في الشارع العراقي يسمح بلقاء قوى وقواعد التيار الديني الصدري، ويسهم في الدخول بحوارات ونقاشات فكرية وسياسية تسهم في بلورة الكثير من المسائل المهمة لتلك القوى الكادحة والمضطهدة والمهمشة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً والمتضررة بيئياً. والتي يمكن أن تسهم في تطوير قوى التيار الصدري وتدفع به صوب تبني الدولة المدنية الديمقراطية وفاصل الدين عن الدولة والفصل بين السلطات الثلاث واستقلال القضاء، بسبب التجارب المريرة التي تعيشها دول منطقة الشرق الأوسط. قدم الزميل الدكتور فارس كمال نظمي دراسة غنية وجديدة حول التيار الصدري والحراك الشعبي وآفاق الوضع بالعراق نشرت على صفحات الحوار المتمدن تحت عنوان "لتقارب المدني – الصدري في ساحات الاحتجاج: رؤية نفسية في ديناميات اليساروية الاجتماعية"، في باب الثورات والانتفاضات الجماهيرية، الحوار المتمدن-العدد: 5227 - 2016 / 7 / 18 "، من المهم الاطلاع عليها ومناقشتها بعلمية وموضوعية لأهمية مثل هذه الدراسات في المرحلة الراهنة.  

   أن عملية تغيير النظام السياسي الطائفي عملية نضالية معقدة ومتشابكة وليس بالضرورة قصيرة الأمد، إنها عملية سيرورة وصيرورة نضالية تعتمد على قدرة القوى المناضلة على رفع مستوى وعي الجماهير ودورهم في عملية التغيير التي تعني ممارسة عملية إصلاح جذرية في الدولة المجتمع من جهة وتستوجب تعبئة أوسع الجماهير للنضال من أجل التغيير من جهة ثانية، إذ أن الدولة والمجتمع قد سقطا منذ عقود في حمى الاستبداد والقهر السياسي والاجتماعي والفاقة الفكرية والسياسية والبؤس الاقتصادي والاجتماعي والفساد، وعانا وما زالا يعانيان من العنصرية والشوفينية والتمييز الديني والمذهبي والطائفية السياسية المقيتة. كما يعاني المجتمع من فساد الدولة بسلطاتها الثلاث وفساد المجتمع ومؤسساته وأغلب أحزابه السياسية. ومثل هذا الوضع لا يمكن أن يخلوا من العنف والاضطهاد والإرهاب الفكري والسياسي والنفسي.

   إن التغيير المنشود يستوجب من القوى المتعاونة والمتضامنة وضع برنامج يمثل الحد الأدنى الممكن الاتفاق عليه، ويتضمن في الوقت نفسه الحد الذي تقرره ظروف العراق وقدرات النضال الشعبي وليس في ما نتخيله ونرغب به ولا يتجانس أو يتناغم مع الواقع المعاش فعلياً. إن البرنامج المنشود يمكن أن يشمل الجوانب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية وعلاقات العراق الخارجية، الإقليمية منها والدولية. كما إن البرنامج يفترض أن يتضمن حلولاً واقعية لمشكلة النازحين والمهاجرين الذين زاد عددهم اليوم عن أربعة ملايين إنسان عراقي بالداخل، دع عنك المهاجرين إلى خارج العراق والذين بلغ عددهم الآن أكثر من أربعة ملايين أيضا، وهو في زيادة شهرية مستمرة.

   إن هذه العملية تستوجب وعياً لدى المجتمع بحيث يكون مستعداً على تحمل تبعات التغيير السلمي والديمقراطي للبلاد التي تقترن اعتيادياً بمثل هذه التحولات الضرورية في المجتمع. ومثل هذا البرنامج يفترض أن تضعه لجنة واسعة وواعية لواقع العراق وإمكانيات وضرورات التغيير والإصلاح الجذري الشامل للدولة والمجتمع. ويفترض أن يتضمن البرنامج تنظيم عودة النازحين والمهجرين قسراً إلى مناطق سكناهم، وتعويضهم ومساعدتهم ليعيدوا بناء مساكنهم وحياتهم الاعتيادية وعودة السلم والاستقرار لهم.

   كما يتطلب البرنامج وضع الأسس القانونية الضرورية لإقامة علاقة سليمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وحل كل المشكلات العالقة، سواء بالنسبة للمناطق المتنازع عليها، أم قضية النفط والتنمية ...الخ، بعد أن أصبحت العلاقة متدهورة وبلغت الحضيض.  

   ويبدو لي بأن هناك مهمة مؤجلة منذ سنوات، وأعني بها إعادة كتابة الدستور العراقي لعام 2005 بما يصحح القضايا غير الديمقراطية والطائفية والمخالفة للأسس الديمقراطية في حياة المجتمع، وبشكل خاص موضوع الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية، إضافة إلى تخليصه من المواد التي تعتبر حمالة أوجه ...الخ، وهي كثيرة.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 26-07-2016     عدد القراء :  2985       عدد التعليقات : 0