الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الى الذين يراهنون على تفتيت الحركة الاحتجاجية.. لا تلعبوا بالوقت!
بقلم : الثقافة الجديدة
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لكل حركة احتجاجية تاريخ محدد، لحظة بدء وامتداد مسار من البناء وتراكم الخبرات ولحظات تحول يحسم تاريخها وحضورها في المشهد العام.

وتبين تجارب عدة، وأيضا ما يقوله الدرس السوسيولوجي إن شروط إنتاج الحركات الاجتماعية تظل مفتوحة في الغالب على عوامل الإقصاء والتهميش واتساع الفساد وإخفاقات التنمية وتعاظم الفقر.. الخ. فاتِّساع الشرائح والفئات التي تعيش تحت عتبة الفقر أو تظل مهددة به، فضلا عن سيادة واقع من لا تكافؤ الفرص وعدم احترام الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغير ذلك، كلها مولِّدات أساسية للاحتجاج الذي يتطوَّر إلى مستوى الابعاد الاجتماعية، التي تتَّخذ أكثر من صيغة وواجهة للتعبير عن مطالبها. وبالطبع فالهدف المركزي لأي فعل احتجاجي يظل هو تغيير الأوضاع الراهنة، فالاحتجاج ممارسة تنشد التغيير، من أجل صياغة واقع آخر، إنها ممارسة مسكونة بالتغيير.

تكتيك "العصى والجزرة" تجاوزته الحياة

وبالرغم من طيف واسع من الاجراءات التي اتخذها النظام المحاصصي السائد في بلادنا ومحاولات احتوائه للحراك المجتمعي باستخدام تكتيكات تجمع بين "العصى والجزرة" فان التجربة الملموسة خلال الاشهر الاخيرة بينت ان موجات الحركة الاحتجاجية تتصاعد.. وقاعدتها المجتمعية تتوسع وتدخلها قوى جديدة متنوعة المشارب والمرجعيات، وسقف مطالبها يتجذر. والمتابع لتاريخ هذا الحراك يلاحظ أن الاحتجاجات بدأت مطلبية/ خدمية، لكنها سرعان ما تحوّلت الى احتجاجات سياسية/ اجتماعية وطنية ترفع مطالبها بحل الرئاسات الثلاث ومحاسبة الفاسدين، وإنهاء المناصب التي استحدثت لإرضاء الكتل المشاركة في الحكومة أصلاً. فلم يعد المتظاهرون يقبلون بإصلاحات شكلية "ترمم" نظام المحاصصة وتكتفي بإعادة توزيع الادوار والمناصب والثروة والنفوذ بين قواه وأقطابه ورموزه.

ومع تطور الحركة الاحتجاجية وتعاظم بأسها وتنامي روحها الاقتحامية يبدو ان النظام المحاصصي وفي مواجهة هذه التطورات بدأ يراهن على الخيار الامني وهو خيار خطير. ومن الطبيعي الاشارة هنا الى ان نوعية الاحتجاج ودرجته هي التي تحسم الاختيار وتبرر حتمية طلب خدمات الأجهزة الأمنية أو الإيديولوجية. فإذا كان الاحتجاج بسيطا، كان اللجوء إلى آليات التطبيع والاحتواء، أما إذا كان الاحتجاج "فوق حدود المتوقع" ومن الممكن أن يهدد مصالح القوى المتنفذة، فإن استخدام العنف "المشروع" وغير المشروع سيكون المنهج الأقرب بالنسبة لهؤلاء، في سبيل تحصين وحماية مصالح القوى المتنفذة. وهذا ما شهدناه خلال الاسابيع الاخيرة عندما اقدمت القوى الامنية على استخدم العنف وإطلاق الرصاص، بنوعيه المطاطي والحي على المحتجين الذين حاولوا اقتحام "المنطقة الخضراء" فحولتها هذه القوات الى منطقة حمراء مغمسة بدم العشرات بل والمئات من الجرحى والعديد من الشهداء، تحت ذريعة الدفاع عن هيبة الدولة، وكأن هيبتها لم تتضرر عندما اجتاحت قطعان "دولة العراق والشام الاسلامية – داعش" في حزيران 2014 عدة مدن واحتلت ثلث مساحة البلاد.

لا خيار للتغيير سوى إدامة زخم الحركة الاحتجاجية

ويبدو ان الجولة الجديدة من الصراع تدور باتجاهات متعددة: داخل الائتلافات الكبرى وفي ما بينها. ومن المؤكد اننا سنشهد جولة جديدة من الصراعات بين المتحاصصين الكبار تساهم في مد عمر هذا النظام الى حين. والطريق المجرب، ضمن تناسب القوى الحالي، هو ادامة زخم الحركة الاحتجاجية وتطويرها وترقية اشكالها وابتكار جديدة منها، والحفاظ على سلميتها بما يتيح الضغط على النظام المحاصصي وقواه المتنفذة لإجبارهما على اتخاذ اجراءات اصلاحية عميقة والقضاء على الفساد.

تتعاظم اذن روح التحدي لدى الحركة الاحتجاجية وتنامي مطاولتها مما يتيح منع تذبذب الماسكين بالسلطة والقرار ومنعهم من الرهان على عامل الوقت لتفتيت هذه الحركة أو تدجينها لتبقى تراوح في مكانها وتفقد زخمها.

الخوف وتعميم اليأس ونشر "ثقافة" القبول بالراهن وتأبيده..

صناعة القوى المتنفذة بامتياز

طبعا في مثل هذه السيرورة المعقدة والمفتوحة هناك بعض "الخائفين" على الحراك وتطوره وتجذره، ممن يحاولون تبرير ترددهم بالخوف من "المجهول"، علما ان الخوف هو صناعة القوى المتنفذة بامتياز، والمجهول صناعة ابتكرتها هذه القوى. فقد اعتاد النظام المحاصصي على تعميم اليأس ونشر "ثقافة" القبول بالراهن وتأبيده، بحيث يبدو طبيعيا العيش مع الأزمات بلا حلول ولا سقوف لتجاوزها.

وإذا كانت السلطة تراهن على العنف لتحجيم الحركة الاحتجاجية وحصرها في زوايا ضيقة وكسر شوكتها فقد بيّنت التجربة أنه وفي اكثر من مناسبة خسرت السلطة هذا الرهان، وان كان هذا لن يمنعها على الاقدام عليه ثانية. غير أن الخطر يكمن في امكانية نجاح السلطة ومن معها، من قوى النظام المحاصصي، في تشويه سمعة الحراك الاجتماعي، أو شيطنته، أو تفتيته إلى مجموعات متنافرة، ولهذا فإنه لا طريق لتجاوز هذه المخاطر وإفشال هذا المخطط، إلا باليقظة والترتيب الصحيح للتناقضات، والتمييز بين ما هو سياسي مباشر وما هو ايديولوجي، ومكافحة نزعات الاستئثار وادِّعاء حصرية التمثيل لهذا الطرف او ذاك في لحظة الصعود، والتنكر لهذه الحركة عند انحسارها، فقديما قيل: للنصر آباء عدة أما الهزيمة فيتيمة!

لا شك ان هذا الحراك، الممتد عبر معظم محافظات العراق، يمثل العراقيين والعراقيات الراغبين والراغبات حقا في استعادة بلدهم من سارقيه وفاسديه، والمراهنين والمراهنات على شعبهم عبر خوض معركة نضالية مفتوحة ومتدرجة ستُلزم النظام المحاصصي وسلطته ان عاجلا أم اجلا بالخضوع لإرادة الشعب وتحقيق مطالبه العادلة والمشروعة في الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية العصرية كبديل لدولة الطوائف والهويات الفرعية.

إنها معركة طويلة، صعبة ولكنها نبيلة وتستحق التضحية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجلة "الثقافة الجديدة"

العدد 383

تموز 2016

  كتب بتأريخ :  السبت 30-07-2016     عدد القراء :  1947       عدد التعليقات : 0