الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
إسلام.. وفتح حصن خيبر فى ريو دى جانيرو

صاحبنا إسلام الشهاوى، فى مباراته مع اللاعب ساسون الإسرائيلى فى أولمبياد ريو دى جانيرو، لم يكن فى مباراة فى لعبة الجودو، ولم يكن حاضراً فى دورة للألعاب الأولمبية لها قواعدها المنظمة، وأصولها الرياضية الدولية، ولها قوانينها الخاصة التى تحكم اللعبة بأخلاقياتها وقيمها ومثلها، والتى تبعد كل البعد عن سيطرة المدارس السياسية ونفوذها، وهيمنة الأيديولوجيات الاقتصادية ومعاركها الساخنة والباردة، واحتكار الأديان ومذاهبها المختلفة والمتباينة، وتسلط فكر الجماعات المتطرفة منها والمعتدلة. بل كان إسلام ذاهباً إلى غزوة من غزوات الفتح الإسلامى فى عصوره الأولى، قل عنها غزوة حصن خيبر، أو يهود بنو قريظة، أو يهود بنو النضير أو فلول بنو قينقاع. ظن صاحبنا أنه فى الطريق لدحرهم وتحطيم حصونهم وقلاعهم، وهدمها على رؤوس القردة والخنازير. صاحبنا المجاهد ذهب مدافعاً عن الإسلام، حاملاً راية الحق والدين، باحثاً عن عزة المسلمين، حاملاً السيف لإذلال الكفر والكافرين، مهدداً دول الشرك والمشركين. لا يعلم إسلام أنه لا علاقة بين لغة الرياضة ولغة السياسة، ولا صلة بين الرياضة وخلافات المذاهب والأديان والعرقيات، وأن الملاعب الرياضية ليست مجالاً لتصفية الحسابات السياسية أو التاريخية، أو قاعات محاكم للنظر أو للفصل فى نزاعات الحدود، أو حل القضية الفلسطينية. الملاعب الرياضية، يا سيد إسلام، لممارسة الرياضة والتقريب بين الدول بعضها بعضاً، وإذابة تلال الجليد الذى تصنعه السياسة والأديان بين دول العالم، فتحوله إلى كتل جامدة، لا يحركه ولا يذيبه سوى الفن والرياضة. إسلام الشهاوى لم يكن مهموماً بالحصول على ميدالية لرفع علم مصر فى المحافل الدولية، لكنه كان مهموماً بدخول الأوروبيين فى دين الإسلام أفواجاً بعد هزيمة ساسون، كان مهموماً بالدولة الإسلامية، داعياً لأمميتها. ظل إسلام أثناء المباراة التى استمرت ثوانى معدودة باحثاً عن الملائكة المسومين فى مدرجات المتفرجين، لتساعده وتعينه على ضرب ساسون بالقاضية أو حتى بالنقط، أما ساسون فلم يبحث عنها فى المدرجات بل اعتمد على إمكانياته وتدريبه وعلمه وهذه آفتنا!! فقد ذهب لمباراة فى الجودو ليس أكثر وليس أقل، ولم يحمل على كاهلة أمانة ديانته ومطالبها أو مظلوميتها التاريخية القديمة أو ظلمها التاريخى الحديث، وشغلته قواعد اللعبة وأصولها، والبحث عن مراكز الضعف فى الخصم للتركيز عليها والضرب فيها، وتجنب مراكز القوة فى الخصم، فوجد من مراكز الضعف الكثير ولم يصادف مركزاً واحداً من مراكز القوة فانقضّ عليه وأنهى المباراة فى ثوانى قليلة بهزيمة ثقيلة للسيد إسلام. صاحبنا إسلام أرهق كاهله بتاريخ أجداده، وحروبهم مع اليهود، وحمل لواء الدفاع عن قضية القدس أول قبلة للمسلمين ومعراج النبى، فكانت حملاً ثقيلاً نزل به أرض الملعب ولم يقدر عليه، فأثقل كاهلة، وشل حركته، وحمل حملاً فوق طاقته أشد مما حمل خصمه، فأجهده قبل المباراة وأراح نديمه، وأرهق أعصابه أثناء المباراة وفتح لخصمه طريق الفوز، فدخلها مهزوزاً مدحوراً، أما ساسون فحمل الحمل على حجمه وطاقته فتحرك بسهولة ويسر ومرونة، وانطلق يشد صاحبنا يمنة ويسرة، ويطرحه أرضاً فكان له النصر، ولم ينتظر نداء من المدرجات بالنصر المؤزر، ولم ينتظر ملائكة تحمل عنه عبئاً أو جهداً، فكان النصر حليفه، والهزيمة من بختنا ونصيبنا. التخطيط والمثابرة والعمل والعلم تهزم وتتفوق، والباحثون عن القوة الخفية منذ مئات السنين مهزومون مدحورون ويظنون أن لهم النصر والغلبة دون عمل أو جهد أو مثابرة أو علم. الهزيمة يمكن مراجعة أسبابها ومحاسبة المقصرين، ولن يحاسبهم أحد، وهل حاسبت الدولة كل من أفسد وسرق حتى تحاسب من أخفق فى لعبة؟ الهزيمة الأكبر هى هزيمة أخلاقنا وسوء الأدب الذى كان فى هذا التصرف الأحمق من لاعب لم يكن يمثل ذاته، بل كان يمثل دولة عريقة ملتزمة بالأعراف الدولية وأخلاقيات اللعبة، بعيداً عن الخلافات السياسية والدينية.

ألا تكفيك الهزيمة الرياضية يا سيد إسلام وترفض مصافحة اللاعب، أو الانحناء فى الملعب حسب أصول اللعبة، وهى قاعدة ملزمة للاعبين، وتصبح أنت وبلدك محط استياء واستنكار الجميع؟ وتتهم أمام العالم بالعنصرية وقلة الذوق.

إن كنت، يا سيد إسلام، لا تعرف أن حماقة تصرفك الذى يحسدك عليه تيارك ويبارك تصرفك، على اعتبار أن عدم السلام والانحناء للجمهور هو رفض للتطبيع، وأنك بهذا قد هدمت دولة الشرك وحققت انتصاراً على العدو الإسرائيلى، قد أضرنا وأظهرنا أمام العالم بالتخلف فتلك مصيبة، وللأسف هذه مصيبة معظم هذه التيارات التى تعيش وتتعامل بعيداً عن النظم والقوانين العالمية. الغالبية العظمى من هذه التيارات المتعالية لا تفهم أن العلاقات الدولية تبنى على قواعد وبروتوكولات لا تجبرك على مقابلة خصمك، لكن حيث ترضى الدولة بالمقابلة واللقاء والمنافسة فلا بد من الالتزام بقواعد وبروتوكول اللقاء التى تحكمه، وليس لك حق الرفض أو القبول. هذا هو التعامل وليس التعالى، والاحترام وليس الجليطة وقلة الذوق. (لا بد من إخضاع كل المتعاملين مع الخارج من رعايا الدولة للطب النفسى، وتدريبهم على التعامل وفقاً للبروتوكولات الملزمة كل فى مجاله).. مع خالص الأسى.

adelnoman52@yahoo.com

"الوطن" المصرية

  كتب بتأريخ :  الإثنين 22-08-2016     عدد القراء :  3318       عدد التعليقات : 0