الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
إلغاء التنوع الديمغرافي ، يمهد ﻹلغاء كيان الشعوب جغرافيا

فجرت كلينتون في كتابها ( خيارات صعبة ) ، قنبلة من العيار الثقيل ، حين أعترفت بأن اﻷدارة اﻷمريكية أثناء إدارتها لوزارة الخارجية ، كانت وراء تأسيس ما سمي ﻻحقا بالدولة اﻹسلامية في العراق والشام (داعش) ، حيث تطلبت الحاجة إلى تقسيم المقسم ، بعد هرم معاهدة سايس -بيكو ، التي نجحت في تطبيق ما كان مرسوم لها ، من إغتصاب حقوق العديد من الدول المستحدثة لحرية حل قضاياها بنفسها ، علاوة على أكمالها بشطارة التحضيرات لتطبيق وعد بلفورد ، وتأسيس دولة إسرائيل ، بعد  التخطيط لتهجير يهود بلدان الشرق اﻷوسط اليها ، إن بإسقاط الجنسية عنهم كما حصل في العراق ، أو باﻹستيلاء على مصادر أرزاقهم ، أو جز رقابهم على قارعة الطرق بعد حرب حزيران 1956 كما جرى في ليبيا . وبذلك تكون قد حققت بشكل مرضي مطامح أﻹستعما رالبريطاني والفرنسي في المنطقة .

في بداية القرن الحادي والعشرين بدأءت أمريكا تزاحمهما بطرق مختلفة ، تمهيدا لمشروع الشرق اﻷوسط الجديد ، بوضع مستلزمات من حيث فحواها وطابعها تتعلق بطابع المستقبل التاريخي لشعوب بلدان المنطقة ، بالتماهي مع أجندات وأهداف قوى سياسية محلية وأقليمية ، ﻻ تملك مؤهلات الحفاظ على تاريخ حضارة وثقافة شعوب بلدان المنطقة ، ومع هذا حظيت بمباركة وأستحسان أمريكا عند إستيلاءها على السلطة ، لمعرفتها المسبقة أن البعض منها بعيد عن محبة أوطانها ، وسهلة التطويع والخضوع ﻹغراءات إقتصادية ومناصبية ، مع إبداء إستعدادها للنهوض بما يوكل لها من مشاريع تكتيكية وإستراتيجية امريكية ، ذات الطابع المعادي للمصالح الوطنية لشعوب العالم ، وخصوصا إذا كانت تملك ثروات طبيعية ، لذا ﻻ غرابة من إستخداممها لتلك القوى ، لضرب اﻷنظمة الوطنية في العالم ، كما شوهد في العراق بعد ثورة تموز المجيدة ، ومصدق في إيران ، وسوكارنو في إندونيسيا ، وببنوشت في تشلي ضد ألندي ، ضمن تحالفات خفية ومعلنة ، بما يتماشى وسياسة فرق تسد ، بالضرب على أوتار المذهبية وتحفيز المشاعر القومية والطائفية

ففي مشروع الشرق اﻷوسط الجديد الذي أنطلق في عهد أوباما والسيدة كلينتون ، حيث أوكلت تحقيق  أﻷهداف التكتيكية واﻹستراتيجية اﻷمريكية ﻷيادي محليه ، مقابل إنتهاج الصمت ، واللامبالاة تجاه إنتهاك الديمقراطية السياسية واﻹجتماعية وحقوق اﻹنسان وإلغاءاً للقيم اﻹنسانية والوضعية التي تدعيها ، فمشروعها لشرق أوسط جديد قائم على إلغاء جغرافيته ، فبعد إحتلالها للعراق ، جرت محاوﻻت وﻻ زالت تجري حاليا ، حملات تهجير قسري لما تبقى من الكلدان والسريان واﻵشوريين والصابئة المندائيين واﻷيزيديين المتمسكين بقيم المحبة والعطاء والغفران والتعايش السلمي منذ ما قبل الغزوات اﻹسلامية ، معيدة الى اﻷذهان ما جرى للمكون اليهودي في تلك البلدان بعد سايس-بيكو  .

ففي أجواء إحتلالها للعراق ، أهملت محاسبة أفعال الحكام من مالكي عقلية دينية وشوفينية ﻻ تسمح بتواجد ديانات أخرى بين ظهرانيهم ، ﻻ بل أقترحت عليهم تبني نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية المقيت  ، وصمتت تجاه فعاليات تحد من ممارسة أحقية المكونات العرقية ، ممارسة تقاليدها وثقافتها التي حافظت أجيالهم على توارثها ، بدوافع دينية وبأساليب متنوعة ، تنطلق من مفهوم كنتم خير أمة أخرجت للناس ، وتطبيقا لمبدأء تنظيف الجزيرة من ما سموهم بأهل الذمة ، تصب في تصعيد مبررات الهجرة القسرية ، حيث بعد 2003 ، نظمت حملات شرسة ، إستخدمت بها أساليب الملاحقة واﻷغتيال والتعذيب والمضايقات ، وقطع اﻷرزاق والسيطرة على الممتلكات المنقولة وغير المنقولة للمكونات العرقية غير المسلمة ، ليُجبروا على ترك مواصلة حياتهم على أرض أجدادهم ، ودفعهم للتفتيش عن أماكن آمنة ، لتصبح بعد تهجيرهم شعوب البلدان الجديدة متجانسة عرقيا و غير متصالحه مذهبيا ، وتجابه واقع جغرافي يُسهل تطبيق مشروع شرق أوسط جديد دون معارضة ، وتكوين بلدان قزمية ترزح تحت نير أهداف جيوسياسية وايديولوجية إستعمارية . تديرها حكومات تمثل المناطقية الطائفية وتنتهج سياسة مذهبية مستمدة من شريعة اﻹنتماء الطائفي

فانصار تقسيم الشرق اﻷوسط في امريكا والدول المجاورة ، يسعون إلى دمج تلك البلدان ، وبشكل تدريجي لتبقى تحت هيمنة إقتصاد السوق المرتبط بعولمة إستعمار إقتصادي وسياسي ، وقيادة محلية    ، تتصدى لكل من تسول له نفسه كشف فسادها ، وتحويل أسواقها لمستهلك ما تنتجة دول أﻹقتصاد المعولم والجوار القريبة والبعيدة ، وتعيدها إلى كنف العلاقات العشائرية والتعصب القبلي وبالتالي إسقاط هيبة الدولة ، التي بدأت مظاهرها تبرز بشكل متزامن مع اﻹعتماد على أشباه اﻷميين ، ليرتبوا أوراق الوضع الجديد بما يخدم أجندات أمريكا وحلفاءها في المنطقة لحين نفاذ ثرواتهم النفطية والمائية

  كتب بتأريخ :  الإثنين 29-08-2016     عدد القراء :  2937       عدد التعليقات : 0