الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
استجواب الوزراء: رقابة على اداء الحكومة أم تسقيط سياسي؟
بقلم : طريق الشعب
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

شهدت جلسات مجلس النواب في الأسابيع الأخيرة احداثا وتطورات، تركت اصداء وتداعيات على الوضع السياسي العام، وعلى الحكومي بشكل خاص، لم تنقطع  ارتداداتها وتفاعلاتها حتى الآن.

ففي اوائل آب اجرى مجلس النواب الاستجواب الثاني لوزير الدفاع، السيد خالد العبيدي، رغم المطالبات بالتأجيل الصادرة عن رئيس الوزراء  وعن عدد من الكتل البرلمانية والشخصيات، ورغم التحفظات التي ابديت بشأن شرعية الاستجواب، والمنطلقة من وجود خلافات بين النائبة المستجوِبة والوزير المستجوَب.

وحمل الأستجواب مفاجئة كبيرة لأعضاء المجلس ورئاسته وللكتل السياسية، أو لمعظمهم على الأقل، عندما وجه الوزير اتهامات مباشرة إلى رئيس المجلس والى عدد من النواب، بالقيام بعمليات ابتزاز وممارسة ضغوط وتقديم اغراءات لتمرير صفقات فساد. واشر  الاستجواب من جانب آخر وجود مخالفات ادارية ومالية في عقود واجراءات تمت في فترة تولي الوزير المسؤولية.

على اثر التصريحات المدوية للوزير، تولت لجان برلمانية وقضائية التحقيق في ما اورده الوزير،  وخلال فترة زمنية قياسية، اعلنت الهيئة القضائية التي تولت التحقيق في الاتهامات الموجهة الى رئيس مجلس النواب، "براءته" لعدم كفاية الأدلة.  ثم دققت تفسير قرارها لاحقا، قائلة انه افراج ولا يعني اغلاقا للقضية. وعاد رئيس المجلس إلى مقعد الرئاسة بعد أن تخلى عنه في فترة التحقيق. بينما لم يتضح شيء بعد في خصوص التحقيقات مع النواب والشخصيات الذين  وردت اسماؤهم في اجابات وزير الدفاع.

وبعد الصدمة التي احدثتها الاتهامات الصريحة من جانب وزير الدفاع لدى اعضاء مجلس النواب والكتل السياسية، والتعاطف الشعبي العام مع الوزير لجرأته في الكشف عن اسماء المتورطين في ممارسات فساد من بين اعضاء البرلمان وشخصيات سياسية بارزة، توافقت أغلبية الكتل السياسية وأعضاء مجلس النواب في مجرى سلسلة لقاءات وتحركات مكثفة شملت بعض دول الجوار، على التصويت  بعدم القناعة باجابات الوزير. وأعقب ذلك سحب الثقة منه، لينشأ وضع غريب  وغير طبيعي. ففي بلد يخوض حربا ضارية ضد عدو ارهابي وحشي لا يزال يحتل ثالث اكبر مدن البلاد، تشغر مقاعد الوزراء الامنيين في الحكومة!

في غضون ذلك تم الطعن قضائيا بقرار الاقالة. وجاء هذا في خضم ردود الفعل المتعارضة على الاقالة؛ فمن جهة رأي عام شعبي يشجب القرار ويعتبره عقوبة غايتها ردع من يتجرأ على تحدي منظومة الفساد في الدولة، وفي المقابل ارتياح واسع لدى اغلب القوى المتنفذة واعضائها. وبلغ الأمر بالبعض حد التعبير عن نشوتهم  "بالنصر" على صفحات التواصل الاجتماعي من خلال صور " السيلفي" !

اعقب ذلك استدعاء مجلس النواب وزير المالية للاستجواب، في خطوة اعتبرت فشلاً آخر لمحاولات قام بها رئيس الوزراء وكتل وقوى سياسية اخرى للالغاء او التأجيل.

واذا كانت جلسة الاستجواب هذه تمت في اجواء هادئة نسبياً، فان جلسة تصويت اعضاء المجلس على الاقتناع باجابات وزير المالية جرت في اجواء مضطربة ومتوترة، خرجت عن السيطرة والرصانة لتصل حد الاشتباك بالايدى بين النواب. وفي ظل هذه الاجواء وعدم حضور نواب الحزب الديمقراطي الكردستاني، تم التصويت بعدم الاقتناع بالاجابات.

وقوبل القرار بالرفض من قبل كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني، التي اعلنت العزم على  الطعن به والمطالبة باعادة التصويت لأنه لم يتم بطريقة اصولية. وثمة احتمال كبير بان يتم طرح طلب سحب الثقة من الوزير في جلسة قادمة.

لا شك أن هذه التطورات تشكل ارباكاً اضافيا في الوضع السياسي، وتزيد من صعوبة وتعقد مهمة الدكتور العبادي في استكمال تشكيل حكومته، وتحقيق الاستقرار الحكومي المطلوب والضروري لخوض المعارك الفاصلة مع تنظيم داعش الارهابي  من أجل  تحرير الموصل، ومواجهة التحديات الكبرى لما بعد التحرير.

ومعروف اننا من المطالبين بتفعيل الدور الرقابي لمجلس النواب ، ونعتبر عمليات الاستجواب بحد ذاتها امرا ايجابياً، علما ان التي تمت لم تأت بمعزل عن الحراك الشعبي والتظاهرات والضغط الذي مارسته على السلطات الثلاث من اجل الكشف عن ملفات الفساد ومحاسبة الفاسدين ، ولا سيما كبارهم، واحالتهم الى القضاء.

وكما هو الحال بالنسبة الى معظم القوانين والتشريعات وآليات تنفيذها في ظل الاوضاع السياسية الراهنة، والتي تخضع عند التطبيق  للتجاذبات السياسية وصراع المصالح والاجندات السياسية الفئوية الضيقة، فان عملية الاستجواب لم تشذ كما يبدو عن القاعدة.

لذا فان ما ننبه اليه ونحذر منه هو أن يجري  استخدام الاستجواب بصورة انتقائية، ووفقا لاستهدافات سياسية ضيقة، تؤدي به الى أن يتحول من وسيلة للكشف عن مواطن الخلل والفساد وسوء الاداء وتصويب المسارات، إلى اداة للتسقيط السياسي بين كتل متصارعة على السلطة والامتيازات، وورقة ضغط لانتزاع مكاسب سياسية ومادية فئوية.

لقد اشر الاستجوابان وجود مخالفات وتجاوزات على الضوابط المالية والادارية، قد يرقى بعضها الى مستوى الفساد ، ونكاد نجزم بوجود ما يماثلها لدى  عدد  من الوزراء والوزارات الأخرى. والأسئلة التي تتبادر الى الذهن هي: لماذا تم التركيز والاصرار على استجواب وزيرين منغمرين في اهم ملفين يواجهان البلاد، الحرب ضد الارهاب والازمة المالية ؟  الم يكن تأجيلهما  لعدة أشهر ممكنا والاهتمام بملفات وزارات أخرى؟

واللافت ان وزير الدفاع خضع لاستجوابين في غضون بضعة أشهر.  

ومما اثار ردود فعل غاضبة ومشككة بصدقية ومهنية ونزاهة عمليات التحقيق  مع المعنيين بالاتهامات التي ساقها وزير الدفاع، ان الافراج عن رئيس البرلمان من قبل الهيئة القضائية تم بسرعة قياسية، فيما لم تتضح  الاجراءات العملية التي اتخذت بحق النواب والآخرين المتورطين في ممارسات الابتزاز وصفقات الفساد، التي ذكرها وزير الدفاع.

ونخلص من استعراض ما جرى خلال الأسابيع الأخيرة الى هناك مسعى لتوظيف الاستجواب في خدمة اجندات سياسية ضيقة وليس للمحاربة الجادة للفساد، واستخدامه  في الصراعات من اجل السلطة والحصول على المواقع.

على ان الاستجوابات ، رغم ما احاطها من مقاصد وحسابات سياسية ومصلحية فئوية ضيقة، فانها وجهت رسالة واضحة للوزراء وكبار المسؤولين في الدولة، مفادها انه لم يعد يمكن الاستمرار في التمتع بامتيازات فائقة، والتمادي في استخدام السلطات والصلاحيات، وفي انفاق المال العام  خارج الضوابط وبعيداً عن الرقابة وبصورة متعالية على القانون. كما ان من الضروري أن تمتد ممارسة مجلس النواب لدوره الرقابي، ومن ضمن ذلك عملية الاستجواب، إلى بقية الوزارات والهيئات المستقلة، خصوصا تلك التي تتضخم فيها الامتيازات، مثل اعداد الحمايات المفرطة والحجم الفائق للمواكب.

ونحن نعتبر ذلك من ثمار الحراك الشعبي والمطالبات الجماهيرية، التي يحاول بعض المتنفذين وكبار الفاسدين الالتفاف عليها، وتسخير آليات الرقابة والمحاسبة لخدمة اغراضهم ومصالحهم الخاصة.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 30-08-2016     عدد القراء :  1890       عدد التعليقات : 0