الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
نشالة بغداد

قبل ان تتسع بغداد وتنتشر المدن في ضواحيها، كان سوق «الشورجة» أكثر المناطق ازدحاما طيلة النهار، لانه السوق الرئيس الذي يزود بقية الأسواق بكل ما تحتاجه من مواد غذائية ومنزلية وغيرها. ومن الجهة الأخرى للشورجة وبمحاذاة نهر دجلة يمتد شارع النهر العامر بما تحتاجه العوائل من ملابس ومنسوجات واقمشة، وهو لا يقل ازدحاما عن سوق للشورجة.

كانت هذه الأمكنة هي الساحة الأفضل للنشالين، لان معظم المارة فيها يحملون في جيوبهم ما يسيل له لعاب السراق الذين اعتادوا العمل في الأماكن المزدحمة. إلا أنهم يتجنبون «النشل» في محطات نقل الركاب او داخل الباصات الحمراء رغم الزحام الشديد داخلها. لانه اذا اكتشف النشال داخل الباص فإن الأبواب ستغلق ويتوجه السائق إلى أقرب مركز للشرطة، و»عيونك ما اتشوف إلا النور»، تنهال « الكفخات « على النشال من حيث لا يدري، السائق والجابي والراكبون والمارة، الجميع بكف واحدة تصعد وتهبط على رأسه!

كان للفضيلة، آنذاك، متسع في أفئدة الناس.

يختلق النشالون أحيانا، في الشورجة او في شارع النهر معارك وهمية يتصيدون من خلالها أناساً طيبين يدخلون لفض الاشتباك الذي سرعان ما ينتهي بخلو جيوبهم مما تحتويه، بينما يختفي المتخاصمون «النشالون» بسرعة البرق مثل اختفاء المليارات في عراقنا اليوم!

الفرق بين الأمس واليوم هو ان تلك السرقات كانت سرقات فردية ولا علاقة لها بالمال العام، ومع هذا كانت مدانة ومرفوضة من قبل الجميع. أما اليوم فإن « النشالة « قد احتلوا مواقع مرموقة في الدولة وأصبحت «سرقة» المال العام ظاهرة يندى لها الجبين وهي نتيجة حتمية للفساد بمختلف أشكاله!

معارك النشالة انتقلت بمرور الزمن من الشورجة إلى مواقع المسؤولية، ومن ضمنها، البرلمان. وأدرك المواطن اليوم ان المعارك التي حدثت، مؤخرا، تحت قبة البرلمان لم تكن معركة من اجل الوطن، بل هي خلافات الكتل السياسية حول النفوذ والحصص !

وسوف لن يتدخل المواطن هذه المرة لفض الاشتباك، لانه أدرك بانها معارك وهمية لا تختلف كثيرا عن معارك النشالة!!

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 31-08-2016     عدد القراء :  3063       عدد التعليقات : 0