الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الكلام المُباح .. هَذَا زَّمَانُك يَا لِّصّ بَغْدَاد !!

وصل جَلِيل الى بيتِ صديقي الصَدوق أَبُو سُكينة، وهو مأخوذ بعد أطلاعه على قائمة طويلة من الكتبِ التراثية تتحدث عن طوائف اللصوص، أصنافهم، حيلهم، أساليبهم، تقاليدهم وأدابهم. ولاحظ ان أَبُو عُثْمَانَ الجَاحِظُ البصريّ (159 هـ - 255 هـ) كان عبقريا وهو يقرأ المستقبل ويحذر من" حيل لصوص النهار، وحيل سراق الليل"، وبعد ان يتحدث عن السراق المساكين الذي يسرقون ليلا لاجل لقمة العيش،يورد التفاصيل عن حيل لصوص النهار الذين يبدو يؤمنون تماما بما قاله الشَاعِر أَبُو نَوَّاس (145هـ  ــ  199هـ):

                      سَأبْغَي الغِنى،َإمَّا جَلِيسُ خليفةٍ         يُقيم سواء، أَوْ  مُخيف سَبيل !

وكيف ان السراق الصغار كانوا لا يتعطرون حتى لا تكشفهم رائحتهم ، ولا يحبون الظهور بين الناس حتى لا تكون اشكالهم معروفة، بينما اللصوص الكبار يتمتعون بجزيل اللفظ وحسن المعشر حتى تأمنهم ضحاياهم.  وتورد كتب التراث وصية شيخ اللصوص في بغداد "عثمان الخياط" لرجاله: "جسّروا صبيانكم على المخارجات وعلموهم الثقافة، ولا بد لصاحب هذه الصناعة من جراءة وحركة وفطنة وطمع، وينبغي أن يخالط أهل الصلاح ".

قلت مشاركا : ان كتب التراث تخبرنا بأن ثمة فريق من اللصوص كانوا وجهاء واكثر حضورا في المجتمع ونجحوا  في الاثراء وجروا خزائن الدولة الى الافلاس .

فقال جَلِيل : نعم ، اطلعت على حكايات عن "أبن سباب الكردي" أحد أمراء اللصوص في بغداد وكيف كان يقود جماعته وهو بزي الامراء لا بزي قطاع الطرق، وكان معروفا عنه رواية الشعر والفهم في النحو !  وعن "أبن حمدي" ، لص بغداد الشريف ، الذي تنافس مع غيره من اللصوص ، فصارت له شهرة لانه كان لا يسرق الفقراء، ولا يفتش امرأة  أو يسرقها، بل كان يكرم بعض ضحاياه. وكان أبن حمدي ذا سطوة حتى انه كان يصادر الضياع والدور والعقار، وكان يدفع  للسلطان حصتة مقابل إطلاق يده في جباية القوافل المتوجهة الى أسواق بغداد .

سعل ابو سكينة فأنتبهنا لرغبته في المشاركة : أنتم تتحدثون عن الماضي أم عن الحاضر؟ لأن لصوص هذه الايام يرفعون كلام أَبُو نَوَّاس شعار عمل يومي، وهم يتعطرون بأغلى العطور بدون حرج، ويقولون في الجرائد أعسل الكلام عن النزاهة والديمقراطية والعدالة، بل ويقفون أمام كاميرات التلفزيون دون وجل لانهم يعرفون انها مثل "الكاميرا الخفية "، وفيهم من يحج الى مكة كل عام !

  كتب بتأريخ :  الإثنين 19-09-2016     عدد القراء :  3264       عدد التعليقات : 0