الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
نحو تأسيس ائتلاف اجتماعي عراقي

وثيقة مبادئ

- بالنظر للعجز الوظيفي المتزايد وحالة الاحتضار السياسي المتفاقمة التي تبديها سلطة المحاصصة الإثنية في العراق حيال خيار الإصلاح السياسي الجذري، وما يترتب على ذلك من اتساع حجم الفراغ السياسي الذي بات يهدد سلامة الدولة والمجتمع؛ ...

-  وبالنظر لاتساع المشاعر الشعبية بحتمية التغيير السياسي البنّاء الذي انبثقت ضرورته من تهرؤ شرعية السلطة الحالية موضوعياَ وذاتياً؛ ...

- وبالنظر للعنفوان الديناميكي الذي بات يحرك بوصلة التطور السياسي في العراق، في انتقالها التدريجي من بنية الإثنيات السياسية المتآكلة إلى بنية النزعة الوطنية الناهضة؛ ...

- وبالنظر للنضج الأخلاقي الفريد الذي أبدته قطاعات مهمة من الجماهير العراقية، وغالبيتها من الشباب، طوال الشهور الماضية، في حراكها الاحتجاجي السلمي المرتكز عفوياً إلى فلسفة اللاعنف؛

- وبالنظر للتقلص الهائل الذي أصاب الفضاء السياسي للسلطة واقتصاره اليوم على مايسمى بالمنطقة الخضراء محمية بالأسلاك الشائكة والصبات الخرسانية، في مقابل اتساع الفضاء السياسي للمجتمع الذي صار يمتلئ تدريجياً بالوعي المدني المعارض وثقافة المشاركة السياسية؛...

- وبالنظر للضرر غير القابل للإصلاح الذي أصاب هيبة الدولة العراقية ومكانتها التاريخية بسبب الأداء الفاشل والرث للسلطة، بالتزامن مع رغبة شعبية متعاظمة لاستعادة مشاعر الكبرياء والكرامة الوطنية؛ ......... بالنظر لكل هذه العوامل، تبرزُ حاجة موضوعية إلى بلورة إطار هيكلي ينظم أداء الجماهير المدنية في مساعيها الاحتجاجية ضد نظام الطائفية السياسية وما أنتجه من فساد سلطوي ودولتي غير مسبوق، وتردٍ كارثي في قطاع الخدمات، وتضاعف أعداد الفئات الفقيرة والمهمشة بالملايين مع غياب الحد الأدنى من الضمانات الاقتصادية والاجتماعية لهم، وتطرف ديني إرهابي ابتلع مساحات واسعة من أراضي البلاد.ويمكن لهذا الإطار أن يتخذ صيغة تجمع احتجاجي بتسمية أولية قابلة للتعديل هي "الائتلاف الاجتماعي العراقي" يضم كافة الشخصيات والجماعات والتنسيقيات الراغبة بالانضمام إليه من كل المحافظات العراقية، ممن تواصلوا في العمل الاحتجاجي الجماهيري والفكري خلال السنوات الماضية وحتى اليوم.

رؤية الائتلاف وأهدافه

يضم الائتلاف ممثلين عن كافة المحافظات الناشطة في الاحتجاجات الحالية، وهو يستهدف في مراحله الأولى أن يكون تجمعاً شعبياً يسعى لحشد جهود الجمهور المدني المنخرط في الحركة الاحتجاجية، ويبتعد عن تبني أية أطر ايديولوجية أو سياسية محددة، إذ يمارس نشاطه السلمي بوصفه حركة اجتماعية مطلبية تنادي بإصلاح بنية السلطة السياسية الحالية جذرياً بما يضمن تحقيق الآتي:

1- انتقال السلطة سلمياً من نظام المحاصصة الإثنية القائم على مبدأ الغنيمة، إلى نظام المشاركة السياسية المدنية المستند إلى مبدأ المواطنة، والهوية الوطنية الموحدة، وقيم الديمقراطية والمساواة، وتأمين استقلالية النشاط السياسي عن أية أغراض دينية أو مذهبية أو عِرقية. ويعني ذلك إصلاح كافة مؤسسات الدولة السياسية والقضائية والاقتصادية والأمنية، لنقل الحال من دولة المكونات الهشة إلى الدولة الوطنية الجامعة ذات السيادة، بوصفها مدخلاً إلى الدولة المدنية القادمة.

2- مكافحة الفساد السياسي والإداري والمالي المستوطن عميقاً في بنية السلطة والدولة، بوصفه النتاج "الشرعي" لنظام المحاصصة الإثنية من جهة، والمُنتِج المباشر وغير المباشر للإرهاب والعنف وحالة الانهيار والتفكك التي تشهدها البلاد في كل المجالات بما فيها عسكرة المجتمع وتراجع سلطة القانون من جهة أخرى. وكذلك تفعيل إجراءات السلطة القضائية لتأخذ دورها المحايد والصارم في محاسبة رموز الفساد.

3- إعادة النظر بالهيكلية القانونية العامة للدولة، عبر تعديل أو إلغاء كل البنود الدستورية التي تقوّض بناء الدولة المدنية المنشودة، وكل القوانين العراقية النافذة التي تشرعن للتمييز، وتخلَ بمبدأ المواطنة والمساواة الحقوقية بين الأفراد، وتحدّ من الحريات العامة والخاصة، وتعيق مبدأ الشفافية وحق الحصول على المعلومات وتداولها، وخاصة قانون الأحزاب وقانون الانتخابات وقانون البطاقة الوطنية الموحدة وقانون مكافحة الإرهاب وقانون المساءلة والعدالة؛ والإسراع بتشريع القوانين التي تسهم بتحقيق الهوية الوطنية للمجتمع والهوية المدنية للدولة كقانون حماية التنوع ومناهضة التمييز؛ وتفعيل القوانين المُشرَّعة المعطلة ذات الصلة كقانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي؛ وتشكيل أو إعادة تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والهيئات المستقلة الأخرى على أساس الكفاءة والخبرة والنزاهة.

4- إعادة تأهيل البنية التحتية والاقتصادية المخربة للبلاد، عبر خطط إصلاحية جذرية شفافة تضمن توفير الخدمات لكل المواطنين بشكل متطور وعادل، ومعالجة أزمة البطالة، ومكافحة الفقر والحرمان بأنماطهما الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية، والحد من حالة التفاوت الشديد في توزيع الثروة، وتشريع القوانين واتخاذ الإجراءات الخاصة بتفعيل أنظمة الضمان الصحي والسكني والاجتماعي والتقاعدي للفئات والطبقات المتضررة، والحد من هجرة العقول والكفاءات، وحماية وتشجيع وتطوير المنتج الوطني وحركة الأسواق المحلية، وتشجيع القطاع الخاص والمختلط، وحماية البيئة وبناء وتنمية القدرات البيئية.

5- تعضيد كل الجهود الدولتية والمجتمعية لمواجهة التطرف الديني المسّلح (الإرهاب) والقضاء على العوامل التي تنتجه. ولا يشمل ذلك الجهود الأمنية والعمليات العسكرية فحسب، بل يتسع الأمر ليشمل تفعيل إجراءات العدالة الانتقالية الرشيدة، وإطلاق سراح المعتقلين غير المدانين، وتأمين عودة النازحين إلى ديارهم التي يتم تحريرها من قبضة الإرهاب، مع ضمان إعادة إعمار مناطقهم المدمرة والحفاظ على التنوع الديموغرافي فيها، وتحقيق مصالحة وطنية شاملة، ضمن إطار برنامج عملي على مستوى القوى السياسية وآخر خاص بالمجتمعات المحلية، يستهدف تشجيع الحوار ونشر ثقافة اللاعنف والتنوع واحترام حقوق الإنسان وتعزيز التماسك الاجتماعي.

6- حصر السلاح بيد الدولة ومنع قيام أية تشكيلات عسكرية خارجها، وإعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية على أساس المعايير المهنية العالية والاستقلالية التامة عن أية توجهات سياسية أو هوياتية فرعية، وبناء الثقة والتلاحم الوطني بين المواطنين وهاتين المؤسستين في اطار احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.

7- اعتماد وتوطيد الفكرة القائلة أن مسؤولية صيانة الحق العام من الضرر، وإنفاذ الحقوق الدستورية والقانونية والإنسانية لكل المواطنين في إطار مبادئ العدل والحرية، إنما تتقاسمه السلطة السياسية المنتخبة بالآليات الديمقراطية بالتعاون والتنسيق مع السلطة الاعتبارية للمجتمع المدني ممثلاً بمنظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الانسان والعاملين في الحقل الثقافي والأكاديمي، بما في ذلك القيادات الشبابية وممثلات الحركة النسوية، لتحقيق الرقابة المجتمعية الواعية، نحو بناء دولة المواطنة المتساوية، ومحاربة التطرف والتمييز والتعصب والإرهاب.

أساليب العمل وآلياته

1- إن الآلية الرئيسة التي يتبناها الائتلاف هي الضغط المبرمج على السلطة بالوسائل السلمية والقانونية (بما فيها الحوار، وتقديم المذكرات، والتظاهرات، والاعتصامات، والإضرابات، ورفع الدعاوى القضائية، والعصيان المدني، والمشاركة الفاعلة في الانتخابات والاستفتاءات، والنتاجات الفكرية، والفعاليات الثقافية والإعلامية) باتجاه تفعيل الوسائل السياسية والقضائية والإدارية والاقتصادية والثقافية التي بإمكانها أن توفر الأساس الواقعي والموضوعي لعملية الإصلاح الجذري التي تتطلبها الأوضاع الحالية المأساوية في العراق.

2- يضم الائتلاف ممثلين عن كافة المحافظات الناشطة في الاحتجاجات، بما يضمن أن تكون للائتلاف قيادة (أو لجنة ناطقين) يتم استبدالها دورياً – جزئياً أو كلياً- لإتاحة فرصة متساوية لكل المحافظات أن تمارس دورها الإداري والتحشيدي. وتتولى هذه اللجنة مهمة تحديد توجهات الائتلاف وخططه ومواقفه من الأحداث والمستجدات السياسية، عبر إصدار بلاغات إعلامية محددة متفق عليها بعد إجراء الحوارات والمشاورات المطلوبة.

3- لتنظيم أداء الائتلاف والتنسيقيات المرتبطة به، وتحديد المسؤوليات المناطة بقيادته المؤقتة المشار إليها في النقطة السابقة، يصار إلى كتابة وثيقة تنظيمية مختصرة – بمثابة نظام إداري داخلي- تمثل قاسماً مشتركاً بين ممثلي كافة المحافظات المنضوية ضمن هذا التجمع.

4- ينفتح الائتلاف في نشاطه وحواراته على كافة التنظيمات النقابية والمهنية في المجتمع، ومنظمات المجتمع المدني، والأكاديميين والمثقفين والإعلاميين، وطلبة الجامعات والمدارس، وممثلي الأقليات الدينية والعِرقية، ورجال الأعمال الوطنيين، بهدف توسيع مساحة الائتلاف وإقناع كل هذه الجهات بالانضمام إليه.

5- يتفاعل الائتلاف فكرياً وأداتياً مع كافة التيارات السياسية الإصلاحية العاملة في البلاد، المدنية منها والدينية، ممن تتوافر مشتركات وطنية معهم على مستوى الرؤى والأهداف، بما يوسّع مساحة التنسيق ويطور وسائل الضغط الجماهيري باتجاه التغيير السياسي البنّاء.

6- يقيم الائتلاف حواراً مع وكالات الأمم المتحدة وبعثة الاتحاد الأوروبي والهيئات الدبلوماسية في العراق، وكافة المنظمات الدولية العاملة في مجال التنمية البشرية، وتطوير الديمقراطية، والدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير، بما يسهم في أن يكون للمجتمع الدولي دور مؤثر في عملية إعادة بناء الدولة والسلطة في العراق على أسس المواطنة المتساوية والعدل الاجتماعي.

7- يستهدف هذا الائتلاف في مراحله اللاحقة أن يكون نواة تحريضية لتشكيل إرادة مجتمعية مشتركة مناوئة للنظام السياسي الطائفي وما نتج عنه من فساد وإفقار وتخريب هائل لبنية الدولة والمجتمع، عبر بروز كتلة اجتماعية تاريخية مرنة عابرة للهويات الإثنية والمناطقية والطبقية والايديولوجية، تضم كافة الأطراف المشار إليها في النقطتين (4) و(5) أعلاه، تسعى لنقل السلطة السياسية بالوسائل الديمقراطية (الاحتجاجات السلمية، والانتخابات) من بنية الإثنيات السياسية المتصارعة إلى بنية المواطنة المدنية والديمقراطية الاجتماعية.

* * *

إن اللحظة التاريخية الماثلة في العراق، باتت تشهد تفتحاً واعداً للوعي الاجتماعي المنادي بإجراء مراجعة سلمية شاملة لأداء السلطة، لتقييم مدى انتهاكها للعقد الاجتماعي الذي ألزمت نفسها به حيال المجتمع طبقاً لأحكام الدستور ولمبادئ الشرعة الحقوقية الصريحة والضمنية المتفق عليها بين الطرفين. وفي الوقت نفسه، فإن هذا التفتح النوعي في الوعي المعارِض ارتبط جدلياً بانبثاق فكرة الأمل في الوجدان المجتمعي العام، لصنع التغيير السياسي الإيجابي لصالح ملايين المحرومين والمهمشين والمضطهدين والمهجّرين واليائسين. ومن هنا.. من النقطة التي تلتقي فيها مرتكزاتُ الوعي بهواجس الأمل، نتطلع إلى انبثاق هذا الائتلاف الاحتجاجي، جسراً مُمهِداً ودؤوباً وصبوراً بين بذرِ الأفكار وقطافها القادم!

ورقة مقدمة إلى مؤتمر "صنّاع الرأي" المنعقد في بغداد لمناقشة مستقبل الحركة الاحتجاجية الشعبية في 24/ 9/ 2016

  كتب بتأريخ :  الخميس 29-09-2016     عدد القراء :  3285       عدد التعليقات : 0