الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
خدعوك وقالوا: حرية الفكر والاعتقاد.. حق

نحن أسرى الخداع منذ قرون. خدعوا من كانوا قبلنا، وسيخدعون من يأتى بعدنا، يفتحون الأبواب المغلقة بدعاوى حرية الفكر والعقيدة، فإذا دخلوا، أوصدوا الأبواب إيصاداً، وتربصوا بالضحايا ونحروهم كما تُنحر الذبائح فى المجازر. فلا حرية لفكر أو لمفكر أو لمبدع، ولا حرية لدين أو لعقيدة غير ديننا وعقيدتنا، هذا فصل الخطاب. دولتنا ليست راغبة فى تجديد الخطاب الدينى، وتستجيب لسلطان السلفية لأنها دولة سلفية، يحكمنا فكرها منذ قرون، لا فرق بين أزمان القهر فى تاريخها كله، من زمن بشار بن برد، وابن رشد والحلاج، وزمن الشيخ على عبدالرازق، وطه حسين، ونصر حامد أبوزيد، وزمن سيد القمنى وفاطمة ناعوت، وإسلام بحيرى حبيس السجن بعد انقضاء مدة حبسه تمهيداً لاغتياله معنوياً ما تبقّى له من العمر. لا تحدثونا عن حرية الرأى والفكر والاعتقاد ويحكمنا قانون واحد مسلط على رقاب العباد منذ قرون، نواجه فيه تهم التكفير والردة، ويتحكم فى مصائرنا مديرو عموم الزندقة، هذا المنصب العباسى الرفيع الذى أبدعته الدولة العباسية لمطاردة أصحاب الرأى والفكر والمعارضة فى وقت واحد، فحقق رغبة رجال الدين فى القمع، ورغبة الحكام فى الديكتاتورية..

فإذا قلنا: يا مشايخنا إن الله عفو يحب العفو (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِيْنَ)؟ قالوا: إنها منسوخة بالآية (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) هكذا قال قتادة، أما ابن عباس فيقول: نسختها آية السيف (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) قلنا: وماذا عن الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُم)؟ ردوا علينا: إن أبا بكر سمع رسول الله يقول «إن الناس إذا رأوا ظالماً فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب»، قلنا: حديث وليس قرآناً، قالوا: «السنة تنسخ القرآن»، يعمل بهذا السلفية وأهل السنة والأشاعرة «قلنا: ما رأيكم أن الإيمان مشيئة الله لعباده، يقول «لَا إِكْرَاهَ فِى الدَّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَىِّ)، قالوا: إن سليمان بن موسى يقول: نسختها الآية (أَيُّهَا النَّبِىُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) قلنا: وماذا عن آية (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِين) وعن الآية (إِنْ أَنتَ إلا نَذِيرٌ) والآية (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) وعن الآية (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) قالوا: هذه آيات السلام وغيرها كثير، نسختها آية السيف السابقة (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ). قلنا: وماذا عن الآية (فَإِن توَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ الْمُبين) وتفسير الطبرى: «فإن أدبر المشركون يا محمد من الحق ولم يستجيبوا، فما عليك من لوم، و ليس عليك إلا البلاغ»؟ ردوا علينا بالآية (فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِياً وَلَا نَصِيرًا) ويفسرها أيضاً «الطبرى»: فإن أدبر هؤلاء المنافقون عن الإقرار، وتولوا عن الهجرة من الكفر إلى الإسلام، فخذوهم أيها المؤمنون واقتلوهم حيث وجدتموهم من بلادهم وغير بلادهم.

قلنا: وماذا عن الآية (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ)؟ قالوا: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ). قلنا: هذا حق الله يوم القيامة يقبل أو يرفض، قالوا: المسلم مكلف بتغيير المنكر بيده دون إذن الحاكم.

هكذا أغلقوا الأبواب عنا، وطُويت صحفهم، وجفت أقلامهم. بلادنا سوف تظل ترزح تحت سياط الجهل والفقر والتخلف، ويتعللون بأن فقرنا وجهلنا فى البعد عن منهج الله وعن الإسلام الحقيقى، وأن الله لن يرضى عنا ويفتح لنا خزائنه إلا بالعودة إلى ديننا الحنيف. وأتساءل: إذا كان ما نحن فيه هو بسبب بعدنا عن منهج الله، فما بالكم بنعيم دول الكفر؟ ومن أولى بنعيم الله: المؤمن المقصّر أو الكافر المنكر؟و ماذا تحقق فى قرون الخير الأولى ومن أين أتاهم الخير الوفير هل من عرقهم وكدّ أيديهم؟

إن الغرب غير المسلم الكافر والذى يدفع شبابنا عمره للحاق به، تاركاً دولة الخلافة، لم يحقق التطور العلمى والاقتصادى إلا بعزل السياسة عن الدين، وإطلاق حرية الفكر والمعتقد والتعبير والإبداع، فإذا كنا نبحث عن هذا فلا سبيل سوى فصل الدين عن السياسة منجاة لنا مما نحن فيه من تخلف وفوضى وجهل، حتى لو حكموا علينا بالردة كما أفتى بها الشيخ محمد الغزالى: «الذين ينادون بفصل الدين عن الدولة فهم مرتدون، ولا عقوبة فى الإسلام لمن يقتُل مرتداً!!!». وهى نفس فتواه فى مقتل الشهيد فرج فودة.. ليس فى تاريخنا القديم أو الحديث مثال واحد لدولة إسلامية نهجت نهجاً ديمقراطياً صحيحاً، وعليك بمثال الهند وباكستان، كانتا دولة واحدة أثناء الاحتلال، فانفصلت باكستان بأغلبيتها المسلمة عن الهند، وهذا مصير باكستان الدولة المسلمة، التطاحن بين المذاهب والملل، يقتل المسلمون بعضهم بعضاً، وتفجّر طالبان مدارس الأطفال. أما عن الهند فهى من أعرق الديمقراطيات، وعلى الرغم من مئات الأديان والقوميات فهم يعيشون فى أمن وسلام..

السادة دعاة التنوير والدولة المدنية، لا تصدقوا أننا دولة حرة أو دولة مدنية، فنحن دولة أسيرة لفكر السلفية، يتركنا حكامها نهباً وطمعاً لهم، ويحتمون خلف فتاواهم من ناحية وجنودهم من ناحية أخرى.

adelnoman52@yahoo.com

  كتب بتأريخ :  الجمعة 14-10-2016     عدد القراء :  3336       عدد التعليقات : 0