الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الضغوط.. أقرب الأعذار

بعملية حسابية بسيطة، لو استطلعنا الأعذار والذرائع التي يتحجج بها مسؤولونا لتبرير إخفاقاتهم وتقصيرهم في أداء ما منوط بهم من مهام تجاه أبناء شعبهم، لتبين لنا جليا أنها أباطيل بعيدة عن المعقول والمقبول. ومبدئيا فإن أول الحجج التي يتمسك بها المقصرون من ساستنا هي (النظام السابق)، ولما بات هذا العذر اسطوانة مشروخة، استحدثوا عذر الضغوط والتأثيرات. إذ يتضح لأي متتبع للأخبار السياسية في العراق الجديد، ان مفردة (ضغوط) في خطابات الساسة والمسؤولين وتصريحاتهم، تكاد تكون أكثر الكلمات المستخدمة والجارية على ألسنتهم. فهم لايألون جهدا في التشكي من ضغوط الحزب الفلاني، اوالكتلة العلانية، وقطعا قبل هذا وذاك الضغوط الدولية والإقليمية. وعلى مايبدو ان شماعة النظام السابق التي دأبوا على تعليق أخطائهم عليها، باتت مزدحمة بسلبياتهم وإخفاقاتهم، فاستحدثوا شماعة الضغوط لتعليق مااستجد من (بلاويهم). يوهمون به أنفسهم ويخدعون به رعيتهم، فكأنهم قرروا وعزموا ان لايقدموا شيئا يخدم البلاد والعباد، مقابل أعذار جاهزة. وهم ظنوا ان اتباعهم هذا السلوك في التملص من إتمام المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، ينجيهم من وضعهم في قفص الاتهام عاجلا او آجلا، وقطعا هذا ناتج عن أمنهم واطمئنانهم من سوء العاقبة والعقاب، فقد قيل سابقا؛ (من أمن العقاب ساء الأدب). فكأن المماطلة والتسويف في المواعيد والعهود، صار ديدن من يتبوأ مقعدا في منصب حساس، لاسيما مناصب صنع القرار والبت فيه وتشريع مايخدم المواطن والمصلحة العامة. في الوقت الذي كان حريا بمن يتسنم موقعا كهذا، ان يسخِّر طاقاته لاختزال مايمكن اختزاله من الزمن، من أجل اللحاق بالأمم التي سبقتنا بالتحضر زمانا ومكانا ومكانة.

يذكرني تمسك المقصر بشماعة الأعذار الواهية، بنادرة رويت سابقا عن أحد البخلاء، الذي نزل عنده ضيف يوما، فنادى ولده قائلا: يابني، اذهب الى السوق وأتِ لنا بأحسن قطعة لحم عند الجزار، فاليوم حل عندنا ضيف عزيز على قلبي. فذهب الولد الى السوق، والضيف متأمل عودته بفارغ الصبر. ولم يفت الأب ان يسرد على ضيفه -خلال فترة غياب ابنه- من القصص مايشده الى الاستماع والاستمتاع، ومن القصائد أطولها ليستزيد في إعادتها ثانية وثالثة، والجوع يأخذ مأخذه بالضيف. وبعد مضي وقت طويل رجع الابن.. ويداه خاليتان، فسأله أبوه: أين اللحم ياولدي؟ قال الولد -والضيف يسمع- : ياأبتِ قلت للجزار: أعطني أحسن ما عندك من اللحم، قال لي: سأعطيك لحما كأنه زبدة. فشاورت عقلي: لِمَ لاأشتري الزبدة بدل اللحم؟ فرحت للبقال وقلت له: أعطني أحسن ما عندك من زبدة. قال لي البقال: سأعطيك زبدة كأنها دبس من حلاوتها. وشاورت عقلي أيضا: إذا كان الأمر هكذا.. لِمَ لاأشتري الدبس بدل الزبدة؟ فرحت لراعي الدبس وقلت له: أعطني أحسن ما عندك من الدبس. فقال الرجل: سأعطيك دبسا كأنه الماء الصافي. فقلت لنفسي: لِمَ التبذير؟! عندنا ماء صافٍ في البيت، لذا رجعت من دون أن أشتري شيئا.

لاأظن أن هناك فرقا بين مماطلة هذا الابن، وبين الأعذار التي يسمعها العراقيون عند تأخير إقرار قانون، او تأجيل مشروع، او إرجاء مهمة من المهام التي يدخل انجازها في صلب حياة المواطن اليومية، ويحسّن من أدوات معيشته. فعجبي لمن يتحججون بالأسباب تلو الأسباب بلا حد يحدهم ولا وازع يخجلهم، أليس للمواطن ضغوط عليهم، تدفعهم لأداء ماعليهم من واجبات؟ من دون اللجوء الى شماعات تهرأت واستهلكت الأعذار المعلقة عليها..!

  كتب بتأريخ :  الإثنين 17-10-2016     عدد القراء :  2796       عدد التعليقات : 0