الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
نحو انتخابات عادلة ونزيهة
بقلم : طريق الشعب
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

بدأ الحديث متواترا عن الانتخابات القادمة، سواء لمجالس المحافظات ام لمجلس النواب. ومع تواصل المعركة ضد داعش والارهاب، والسير بثبات على طريق تحرير مدننا من رجسهما، شرعت مختلف القوى في التعبير عن مواقفها في شأن الانتخابات، سواء لجهة مواعيد اجرائها ام ما له علاقة بالقوانين الناظمة لها.

وبالنسبة الى حزبنا الشيوعي العراقي فانه رأى في الانتخابات، منذ اجراء اولاها لاختيار مجالس المحافظات في كانون الاول 2004، ثم لانتخاب الجمعية الوطنية في اوائل عام 2005، مؤشرا هاما ورافعة من روافع بناء الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وانها توفر امكانية تعبير العراقيين عن مواقفهم وخياراتهم. وقد اكد باستمرار ضرورة واهمية توفير مستلزمات نجاحها، وان تكون نزيهة وعادلة وذات صدقية. فهي بهذه المواصفات يمكن ان تسهم في بناء تجربة معاصرة ومثلا يحتذى في المنطقة، وان تقود الى حياة  سياسية  ديناميكية، وتفعّل السير بخطوات ثابتة نحو بناء دولة المؤسسات والقانون واحترام حقوق الانسان، دولة المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

ويدرك الحزب ان انتخاباتنا، منذ 2004 ولحد الان، لم تجر في ظروف طبيعية  مستقرة وآمنة، بل في اوضاع استقطاب حاد طائفي- اثني، وفي ظروف صراع مع الارهاب على اختلاف انواعه، الى جانب ضعف التقاليد الديمقراطية والوعي الانتخابي، الناجمين عن تغييب ارادة العراقيين سنوات طويلة. ومما ساهم في مضاعفة تأثيرات ذلك، المواقف والممارسات التي اعتمدتها القوى والاحزاب المتنفذة، وسعيها الى الاستحواذ على السلطة، والى تعزيز نفوذها باللجوء الى مختلف الاساليب غير الشرعية، وغير الدستورية. كذلك دفعها اعدادا غير قليلة من المواطنين، بذرائع متنوعة، الى التصويت للطائفة والقومية والعشيرة والسلطة الحاكمة، وليس للبرامج السياسية للكتل والكيانات السياسية. اضافة الى ذلك لم يجر بناء مؤسسة تدير الانتخابات على نحو كفؤ ومحايد، فجاء  التشكيل الخاطيء للمفوضية العليا للانتخابات على قاعدة التحاصص المقيت، فضلا عن القوانين الانتخابية غير العادلة.

نحن إذن امام تجربة انتخابية فيها الكثير من الدروس والعبر، وحري بنا، والكل في مرحلة التفكير والاستعداد للانتخابات القادمة، ان نتمعن فيها  ونسهم في ابعادها عن كل ما يثلم صدقيتها وتعبيرها عن ارادة العراقيين الحرة، وعن الضغوط والاكراه والاغراءات، واجواء التهييج الطائفي والاثني والمناطقي والعشائري.

ان اجراء الانتخابات بنجاح يتطلب توفير الاجواء السياسية العامة المناسبة، وادراك القوى والكتل السياسية ان سوء ادارة الانتخابات، والسعي الى الكسب الضيق، والركض بأي وسيلة وراء المعقد، والاستخدام الواسع لمؤسسات الدولة وامكانياتها والمال السياسي للارشاء وشراء الذمم، والتلويح بالسلاح وقرقعته، واستخدام الاغلبية لتشريع قوانين تضيّق من المشاركة الواسعة في صنع القرار، وتكرس النهج الطائفي المحاصصاتي.. ان هذا كله لن يقود الى الاستقرار السياسي، بل ان له  انعكاسات سلبية في كافة المناحي. وقد جربته الكتل المتنفذة مرة بعد مرة، والحصيلة كما تتجلى امامنا اليوم بائسة.

ان الحاجة ملحة الى تعديل قانون انتخابات مجلس النواب، في اتجاه الاخذ بالطريقة النسبية، والدائرة الانتخابية الواحدة للعراق كله، والقائمة الوطنية الواحدة المفتوحة،  وذلك ما نرى انه الانسب والاكثر عدالة وديمقراطية، وينسجم تماما مع إعمال مبدأ المواطنة والخلاص من المحاصصات، ويسهم في تعزيز الوحدة الوطنية والعراق الموحد.

ولا بد ان يشمل التحضير للانتخابات ايضا اعادة بناء المفوضية العليا للانتخابات، بعيدا عن المحاصصة، وان يطول ذلك كامل  مجلسها واداراتها وفروعها في المحافظات، وان توضع ضوابط وتعلن في شأن التعيينات فيها، بما يضمن تطبيق مبدأ  الشخص المناسب في المكان المناسب، واعتماد معايير الكفاءة والنزاهة.

وضمن التوجه الى اصلاح النظام الانتخابي والاتيان بمجلس نواب فاعل وغير مترهل ويعتمد على الكفاءة والاخلاص، ندعو الى تثبيت عدد اعضاء مجلس النواب، وحتى الى تخفيض هذا العدد. كذلك الامر بالنسبة الى اعضاء مجالس المحافظات. وارتباطا بهذا نشير الى :

• ان المشكلة الاساسية  في اداء مجلس النواب ومجالس المحافظات ليست في العدد فقط، بل  في الممارسة، وما يتصل بالمحاصصة والفساد وسوء الادارة وعدم الكفاءة وتجاوز الصلاحيات الدستورية، وفي اجواء عدم الثقة بين الكتل السياسية المتنفذة، وسعي بعضها الى الاستحواذ والهيمنة والتفرد واقصاء الآخرين وتهميشهم. وهذا كله وغيره اضعف مجلس النواب ومجالس المحافظات، ومنعها من اداء دورها التشريعي والرقابي  المطلوبين.

• ان الحد من حالة التهافت وتوسل كل سبيل، حتى غير الشرعي والقانوني، لنيل عضوية مجلس النواب ومجالس المحافظات، ممكن عبر تحديد الرواتب والمخصصات والامتيازات (وهذا ينطبق على الرئاسات الثلاث والدرجات الخاصة  ايضا) في مستويات معقولة ومنطقية، تتناسب مع الدور والجهود المبذولة.

• ان توضع ضوابط واضحة، وتحدد الصلاحيات، ويؤكد مبدأ الفصل بين السلطات، بما يمكنها جميعا من النهوض بواجباتها. وهذا لا يتقاطع مع الحاجة الى التشاور والتنسيق.

وضمن عملية المراجعة والتقويم، ولتحسين الاداء وتطوير النظام الانتخابي وزيادة كفاءته، والحد من عمليات التزوير والغش والتلاعب بنتائج الانتخابات والعبث باصوات الناخبين، نرى ايضأ :

• ضرورة زيادة الاشراف الدولي على الانتخابات، وان يكون دوره فاعلاً فيها، وتمكين المراقبين الدوليين والمحليين من اداء واجبهم الكامل في الرقابة.

• مراجعة التصويت الخاص بما لا يحرم أي مواطن، مدنيا ام عسكريا، من الادلاء بصوته وحقه في الاختيار. فقد اشرت التجربة صعوبة السيطرة والمراقبة في مراكز التصويت الخاص، التي تخضع لكثير من المغريات والضغوط، وتقع تحت هيمنة وسلطة "اولياء الامر". لذلك نرى أن يكون التصويت للجميع في مراكز الاقتراع العام وفي وقت واحد.

• العمل على تفعيل قانون الاحزاب والاسراع في تطبيقه، بما يساعد على ضبط قضايا المال وتدفقه من الخارج،  كذلك العلاقات مع الدول الاجنبية، ووضوح الموقف من الاحزاب التي لها مليشيات وتنظيمات عسكرية،  وغير هذا من القضايا التي لها علاقة مباشرة بالانتخابات. والمطلوب الان هو مراجعة الاجراءات المطلوبة والمعرقلة لتنفيذ القانون، والتخلص من الاشتراطات التعجيزية التي تستهدف تأخير وضعه موضع التنفيذ  الى ما بعد اجراءات الانتخابات.

• تفعيل اجراءات الرقابة القضائية النزيهة على عمل المفوضية ودوائرها، والرقابة من جانب منظمات المجتمع المدني.

• ضرورة الاعلان الفوري لنتائج الانتخابات مع انتهاء عملية التصويت، وبكل شفافية،  وذلك في المراكز الانتخابية امام مراقبي الانتخابات اولا، ثم اعلان النتائج العامة في المركز الوطني دونما ابطاء.

واننا نجدد معارضتنا المبدأية لما يروج له من فكرة استبدادية، تقضي باقصاء القوائم والكتل "الصغيرة"  سواء جاءت من سياسيين او ممن يقولون انهم خبراء. فمفهوم الكتل الكبيرة والصغيرة ملتبس اساسا، وقد يتغير كل شيء حسب قناعة المواطن. اذ لا توجد حجوم للكتل ثابتة في أي بلد يقول انه يسير على طريق الديمقراطية الحقة. وان محاولات البعض اللجوء الى الاقصاء تشكل نهجا لا ينسجم مع الدستور والحياة الديمقراطية السليمة. فالمواطنة تعني المساوة بين الجميع، ولا فرق في ذلك بين "كبير" و"صغير ".

ونرى ان من المفيد مواصلة  الحوار والتشاور بشأن النظام الانتخابي، واشراك كافة الاطراف ذات العلاقة، كذلك الخبراء والمتخصصين ومنظمات المجتمع المدني،  لانضاج المواقف والوصول الى قناعات تهدف في نهاية المطاف الى ترسيخ الممارسة الديمقراطية، وتخليصها مما شابها من نواقص وثغرات. وهذا يشكل احد المداخل الهامة الى بناء الدولة الديمقراطية الحقة، دولة المؤسسات والقانون.

  كتب بتأريخ :  الخميس 20-10-2016     عدد القراء :  2199       عدد التعليقات : 0