الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
حين تبتسم الموصل يبتسم العراق وبالعكس
بقلم : الدكتورخليل الجنابي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

الموصل الحدباء هذه المدينة الجميلة التي عاش فيها الناس على مختلف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم منذ حقبة طويلة من الزمن لم يكن هناك ما يعكر صفوها وبهاءها ورونقها أي شيئ من التسميات المعروفة حديثاً ( الطائفية والمذهبية ) ، وأن بذور الألفة والمحبة التى غُرست في تربتها منذ قرون بقيت تسقيها دماء ودموع أبناءها جيلاً بعد جيل ، وهي المدينة الوحيدة من بين مدن العراق التي تمتاز بهذه الخصوصية التي زادتها جمالاً ورونقاً .

الداخل في أزقتها وشوارعها وساحاتها العامة ومقاهيها يشاهد التنوع في لباس مواطنيها وأشكالهم ولغاتهم ولهجاتهم ، تسمع هنا حديثاَ عربياً صرفاً وهناك في الجانب الآخر من يتكلم اللغة الكردية واللغة التركمانية واللغة السريانية والكلدانية والآشورية  والأرمنية والمندائية ، وهناك من يحمل قرآناً أو إنجيلاً  أو صليباً أو حتى التوراة ، ولا ينظر أحدهما إلى الآخر نظرة إزدراء أو إستخفاف أو تعالي ، وإن دخلت بيوت جيرانك أو أبناء محلتك أو أصدقائك وجدت الدفء والحنان والإحترام ، يأكل الجميع من طعام لذيذ واحد لا ( يتعفف ) أو يتوجس أحدهما من الآخر . هكذا كان الناس يعيشون متحابين متآلفين بين بعضهم البعض . هذه هي الموصل أم الربيعين والتي سميت بهذا الإسم لطول فصل الربيع فيها مما يجعلها أكثر خضرة وإزدهاراً والذي أثر إيجاباً على مزاج سكانها وجعلهم يحبون الهدوء والسكينة والتعايش بسلام وأمان .

إن اللهجة الموصلية المحببة تدخل إلى الأسماع بسلاسة ولها نغمة موسيقية خاصة ، فقد تأثرت هذه اللهجة باللغة التركية خلال الحكم العثماني نتيجة مجاورتها للبلاد التركية وكثرة الزيارات والتجارة المتبادلة بينهما ، كما دخلت بعض المصطلحات الإنكليزية والهندية خلال فترة الإحتلال الإنكليزي للعراق بعد الحرب العالمية الأولى وكذلك تأثرت من قبل باللغة الفارسية والإيطالية والروسية .

وخلال حقبة طويلة من الزمن بقيت الموصل عصية على التغيير ، وظلت تحتفظ بخصوصيتها ومعالمها الأثرية والدينية من جوامع وكنائس وأديرة ، ولا مبالغة حين سُميت بمدينة الأربعين نبي والتي أضفت عليها نوعاً من الوقار والخشوع .

وبعد الذي جرى للموصل من إنتكاسة إثر تعرضها للوحوش الداعشية الغازية قبل نحو أكثر من عامين ذاق أهلها الأمرين من بطش وتنكيل وقتل وتشريد فاق كل الحدود والأعراف الإنسانية والدولية ، أضحت المدينة أسيرة الجهل والتخلف والعودة إلى وراء إلى عهود الظلام والبؤس والخوف . لقد جرب أهاليها الكرام الحياة بظل ( داعش ) التي جاءت إليهم بشعاراتها الزائفة الباطلة التي تدعيها من ( العدل الآلهي ) البعيد كل البعد عن الشرائع السماوية السمحاء . فلا عدل ولا حياة حرة كريمة ولا مساواة بين الناس وأعادتهم إلى عهود التخلف والظلام  والقرون الوسطى .

إن الغشاوة التي غطت الحقيقة عن آلكثير من أهالي الموصل الكرام وجعلتهم يتعاطفون مع مغتصبيهم الجدد حان الوقت لأن يمزقوا هذه البراقع المهلهلة بعد أن لمسوا بحواسهم الخمس ما أصابهم من بؤس وإنحسار وتخلف .

الجيش العراقي والشرطة وقوات الحشد الشعبي  والبيشمركة ومتطوعي العشائر يحيطون بمدينتكم الطاهرة الآن لتحريرها من دنس الدواعش المتخلفين وأعوانهم ، وليحرروا السبايا من بناتنا الإيزيديات وغيرهن ، وليعيدوا المهجرين والنازحين إلى بيوتهم وأراضيهم ، ويعيدوا دق الأجراس في الكنائس ، وليصلي الناس بحرية في الجوامع والحسينيات والأديرة وأماكن العبادة الأخرى ، ويوقدوا الأنوار في فناءاتها ، وأن إنحيازكم كلياً لهذه القوات الباسلة هو الضمان الأكيد لتحرير مدينتكم الصامدة .

إن إنتفاضتكم من الداخل على الدواعش والتنسيق مع قوى الجيش والشرطة سيقلل من الضحايا والخسائر ، ويُعَجل  بيوم الإنتصار لرفع العلم العراقي لا غير في وسط مدينتكم المنكوبة .

العراق شعباً وجيشاً ينظر إلى مدينتكم بكل قدسية وإحترام ، وأنتم أهلنا وأبناءنا الميامين ، فلا حقد أو كراهية ضدكم كما صورها لكم السفهاء أعداء الوطن في الداخل والخارج . أنتم قطعة من جسد الوطن العزيز ولا بد أن تعودوا إليه معززين مكرمين .

إن الإرهاب والفساد وجهان لعملة واحدة والقضاء عليهما يتطلب تضافر جهود كل قوى شعبنا الخيرة من عمال وفلاحين ومن  الطبقات المهمشة التي سحقها الجوع والمرض والبطالة  والعوز ومن المثقفين الواعين الذين ربطوا مصيرهم بمصير أبناء شعبهم .

إن ما يلزمنا في هذا الوقت الحرج هو السعي لتحقيق الوحدة الوطنية وصيانة حقوق المكونات الأصلية وضمان حمايتهم بما يؤسس لمجتمع مدني ديمقراطي يعيد الوجه المشرق لمدينة الموصل العريقة .      

نعم إذا إبتسمت الموصل سيبتسم الوطن ، وإذا إبتسم الوطن بعد تضميد جراحه النازفة وإعادته إلى السكة الصحيحة لبناء العراق الديمقراطي الفديرالي الموحد والمحافظه عليه من التدخلات الخارجية بما فيها القوات التركية الغازية  .

الوطن الآن يخوض معركة التحرير والكرامة ، ولا خيار لنا سوى دعم قواتنا المسلحة ، نعم لا خيار لنا سوى الإنحياز للوطن لنعيد إليه الإبتسامة العريضة ، وبعد الإنتصار على الدواعش وأعوانهم سنعود إلى دراسة متأنية لكل الكبوات والعثرات والمآسي التي لحقت بنا  ونضع النقاط على الحروف ومحاسبة كل من كان سبباً في مآسينا ، وسنثبت بالدليل القاطع من باع الموصل للدواعش ومن أمر بترك السلاح والعتاد والعجلات وتسليمها هدية لهم بدون مقابل والهروب من أرض المعركة  ، وهناك الكثير الكثير من الملفات التي  ننوي كشفها بعد أن نحرر مدينتنا العزيزة الموصل الحدباء ، أولها ملفات الفساد والفاسدين الذين سرقوا قوت الشعب وأجياله القادمة  ، والعمل على تخليص الدستور من الألغام الموجودة فيه ، وتعديل قانون الإنتخابات المشوه الذي أوصل من لا يتمتعون بالكفاءة والنزاهة والإخلاص إلى دفة المسؤولية إلى جانب العمل على الإتيان بمفوضية إنتخابات جديدة تمتاز بحياديتها  وبعيدة عن التأثير الحزبي والطائفي والأثني ، كذلك الإتيان بقضاء عادل ونزيه وغير مسيس ، وهناك الكثير الكثير من الملفات المركونة فوق الرفوف العالية والتي  ليس لها أول ولا  آخر وفي المقدمة منها شهداء ( سبايكر والصقلاوية ) والنازحين والمهجرين والسبايا وغيرها .

وحين تعود البسمة والفرحة إلى الموصل سيعني الكثير ، يعني أن يعود الأمن والسلام والتآخي والمحبة بين مكوناتها ، يعني أن يعود المهجرين والنازحين إلى بيوتهم ، يعني بناء ما خربته داعش وما ستخربه الحرب وإعادة بناها التحتية من الماء والكهرباء والمستشفيات والمدارس والجامعات وتصليح مناهجنا التعليمية بما يتلاءم مع متطلبات الحداثة والعلوم الإنسانية المبنية على أسس الإخاء والمحبة بين الناس ونبذ العنف والقبول بالآخر ، يعني بناء الإنسان الذي قال عنه ماركس ( أثمن رأسمال ) .    

  كتب بتأريخ :  السبت 22-10-2016     عدد القراء :  2133       عدد التعليقات : 0